٥١ومصدقا لما بين . . . . . {وَمُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ } عطف و : مصدقاً ، على قوله : بآية إذ الباء فيه للحال ، ولا تكون للتعدية لفساد المعنى ، فالمعنى : وجئتكم مصحوباً بآية من ربكم ، ومصدقاً لما بين يدي . ومنعوا أن يكون : ومصدقاً ، معطوفاً على : رسولاً إلى بني إسرائيل ، ولا على : وجيهاً ، لما يلزم من كون الضمير في قوله : لما بين يدي ، غائباً . فكان يكون : لما بين يديه ، وقد ذكرنا أنه يجوز في قوله : ورسولاً ، أن يكون منصوباً بإضمار فعل ، أي : وأرسلت رسولاً ، فعلى هذا التقدير يكون : ومصدقاً ، معطوفاً على : ورسولاً . ومعنى تصديقه للتوراة الإيمان بها وإن كانت شريعته تخالف في أشياء . قال وهب بن منبه : كان يسبت ويستقبل بيت المقدس . {وَلاِحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } قال ابن جريج : أحل لهم لحوم الأبل والشحوم . وقال الربيع : وأشياء من السمك وما لا ضئضئة له من الطير ، وكان ذلك في التوراة محرماً . وقال بعض المفسرين : حرم عليكم ، إشارة إلى ما حرمه الأحبار بعد موسى وشرعوه ، فكأن عيسى ردّ أحكام التوراة إلى حقائقها التي نزلت من عند اللّه . إنتهى كلامه . واختلفوا في إحلاله لهم السبت . وقرأ عكرمة : ما حرم عليكم ، مبنياً للفاعل ، والفاعل ضمير يعود على : ما ، من قوله : لما بين يدي ، أو يعود على : اللّه ، منزل التوراة ، أو على : موسى ، صاحب التوراة . والظاهر الأول لأنه مذكور . وقرأ : حرم ، بوزن : كرم ، إبراهيم النخعي ، والمراد ببعض مدلولها المتعارف ، وزعم أبو عبيدة أن المراد به هنا معنى كل خطأ ، لأنه كان يلزم أن يحل لهم : القتل ، والزنا ، والسرقه ، لأن ذلك محرم عليهم ، واستدلاله على أن : بعضاً ، تأتي بمعنى : كل ، بقول لبيد : ترَّاك أمكنة إذا لم أرضها أو ترتبط بعض النفوس حمامها ليس بصحيح ، لأن بعضاً على مدلوله ، إذ يريد نفسه ، فهو تبعيض صحيح ، وكذلك استدلال من استدل بقوله : إن الأمور إذا الأحداث دبرها دون الشيوخ ترى في بعضها خللا لصحة التبعيض ، إذ ليس كل ما دبره الأحداث يكون فيه الخلل . وقال بعضهم : لا يقوم : بعض ، مقام : كل إلا إذل دلت قرينة على ذلك ، نحو قوله : أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض يريد : بعض الشر أهون من كله . إنتهى . وفي ذكل نظر . واللام في : ولأحل لكم ، لام كي ، ولم يتقدم ما يسوغ عطفه عليه من جهة اللفظ ، فقيل : هو معطوف على المعنى ، إذ المعنى في : ومصدقاً ، أي : لأصدق ما بين يدي من التوراة ، ولأحل لكم . وهذا هو العطف على التوهم ، وليس هذا منه ، لأن معقولية الحال مخالفة لمعقولية التعليل ، والعطف على التوهم لا بد أن يكون المعنى متحداً في المعطوف والمعطوف عليه . ألا ترى إلى قوله : فأصدق وأكن كيف اتحد المعنى من حيث الصلاحية لجواب التحضيض ؟ وكذلك قوله : تقي نقي لم يكثر غنيمة بنكهة ذي قربى ولا بحفلد كيف اتحد معنى النفي في قوله : لم يكثر ، ولا في قوله : ولا بحفلد ؟ أي : ليس بمكثر ولا بحفلد . وكذلك ما جاء من هذا النوع . وقيل : اللام تتعلق بفعل مضمر بعد الواو يفسره المعنى : أي وجئتكم لأحلّ لكم . وقيل : تتعلق اللام بقوله : وأطيعون ، والمعنى : واتبعون لأحل لكم ، وهذا بعيد جداً . وقال أبو البقاء : هو معطوف على محذوف تقديره : لأخفف عنكم ، أو نحو ذلك . وقال الزمخشري : ولأحل ، ردّ على قوله : بآية من ربكم ، أي : جئتكم بآية من ربكم ، لأن : بآية ، في موضع حال ، و : لأحل ، تعليل ، ولا يصح عطف التعليل على الحال لأن العطف بالحرف المشترك في بالحكم يوجب التشريك في جنس المعطوف عليه ، فإن عطفت على مصدر ، أو مفعول به ، أو ظرف ، أو حال ، أو تعليل ، أو غير ذلك شاركه في ذلك المعطوف . {وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مّن رَّبّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّه وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللّه رَبّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } ظاهر اللفظ أن يكون قوله :{ وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } للتأسيس لا للتوكيد ، لقوله : قد جئتكم بآية من ربكم ، وتكون هذه الآية قوله :{ إِنَّ اللّه رَبّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } لأن هذا القول شاهد على صحة رسالته ، إذ جميع الرسل كانوا عليه لم يختلفوا فيه ، وجعل هذا القول آية وعلامة ، لأنه رسول كسائر الرسل ، حيث هداه للنظر في أدلة العقل والأستدلال . وكسر : إن ، على هذا القول لأن : قولاً ، قبلها محذوف ، وذلك القول بدل من الآية ، فهو معمول للبدل . ومن قرأ بفتح : أن ، فعلى جهة البدل من : آية ، ولا تكون الجملة من قوله : إن ، بالكسر مستأنفة على هذا التقدير من إضمار القول ، ويكون قوله : { فَاتَّقُواْ اللّه وَأَطِيعُونِ } جملة اعتراضية بين البدل والمبدل منه . وقيل : الآية الأولىفي قوله :{ قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ } هي معجزة . وفي قوله :{ وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ } هي الآية من الإنجيل ، فاختلف متعلق المجيء ، ويجوز أن يكون { وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } كررت على سبيل التوكيد ، أي جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم من : خلق الطير والإبراء والإحياء والإنباء بالخفيات ، وبغيره من ولادتي من غير أب ، ومن كلامي في المهد ، وسائر الآيات . فعلى بهذا من كسر : إن ، فعلى الأستئناف ، ومن فتح فقيل التقدير ، لأن اللّه ربي وربك فاعبدوه ، فيكون متعلقاً بقوله : فاعبدوه ، كقوله :{ لإِيلَافِ قُرَيْشٍ } ثم قال :{ فَلْيَعْبُدُواْ } فقدم : أن ، على عاملها . ومن جوز : أن تتقدم : أن ، ويتأخر عنها العامل في نحو هذا غير مصيب ، لا يجوز : أن زيداً منطلق عرفت ، نص على ذلك سيبويه وغيره ، ويجوز أن يكون المعنى : وجئتكم بآية على أن اللّه ربي وربكم ، وما بينهما اعتراض . و قال ابن عطية : التقدير : أطيعون لأن اللّه ربي وربكم . إنتهى . وليس قوله بظاهر . والأمر بالتقوى والطاعة تحذير ودعاء ، والمعنى أنه : تظاهر بالحجج والخوارق في صدقه ، فاتقوا اللّه في خلافي ، وأطيعون في أمري ونهيي . وقيل : اتقوا اللّه فيما أمركم به ونهاكم عنه في كتابه الذي أنزله على موسى ، وأطيعون فيما دعوتكم إليه من تصديقي فيما أرسلني به إليكم . وتكرار : ربي وربكم ، أبلغ في التزام العبودية من قوله : ربنا ، وأدل على التبري من الربوبية . {هَاذَا صِراطٌ مُّسْتَقِيمٌ } أي : طريق واضح لمن يسلكه لا اعوجاج فيه ، والإشارة بهذا إلى قوله :{ إِنَّ اللّه رَبّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } أي إفراد اللّه وحده بالعبادة هو الطريق المستقيم ، ولفظ العبادة يجمع الإيمان والطاعات . وفي هذه الآيات من ضروب الفصاحة والبديع : إسناد الفعل للآمر به لا لفاعله ، في قوله : إن اللّه يبشرك ، اذ هم المشافهون بالبشارة ، واللّه الآمر بها . ومثله : نادى السلطان في البلد بكذا ، وإطلاق اسم السبب على المسبب في قوله : بكلمة منه ، على الخلاف الذي في تفسير : كلمة . والاحتراس : في قوله : وكهلاً ، من ما جرت به العادة أن من تكلم في حال الطفولة لا يعيش . والكناية : في قوله : ولم يمسسني بشر ، كنت بالمسّ عن الوطء ، كما كنى عنه : بالحرث ، واللباس ، والمباشرة . والسؤال والجواب في : قالت الملائكة وفي أنى يكون ؟ والتكرار : في : جئتكم بآية . وفي : أنى أخلق لكم . و ، في : الطير ، وفي : بإذن اللّه ، وفي : ربي وربكم ، وفي : ما ، في قوله : بما تأكلون وما . والتعبير عن الجمع بالمفرد في : الآية ، وفي : الأكمة والأبرص ، وفي : إذا قضى أمراً . والطباق في : وأحيي الموتى ، وفي : لأحل وحرم والالتفات في : ونعلمه فيمن قرأ بالنون والتفسير بعد الإبهام في : من قال : الكتاب مبهم غير معين ، والتوراة والإنجيل تفسير له والحذف في عدة مواضع . |
﴿ ٥١ ﴾