٥٢

فلما أحس عيسى . . . . .

الإحساس : الإدراك ببعض الحواس الخمس وهي : السمع والبصر والشم والذوق واللمس . يقال : أحسست الشيء ، وحسست به . وتبدل سينه ياء فيقال : حسيت به ، أو تحذف أولى سنييه في أحسست فيقول : أحست . قال : سوى ان العتاق من المطايا

أحسن به فهن إليه شوس

وقال سيبويه : وما شذ من المضاعف ، يعني في الحذف ، فشبيه بباب : أقمت ، وذلك قولهم : أحست وأحسن يريدون : أحسست ، وأحسسن ، وكذلك يفعل بكل بناء تبنى لام الفعل فيه على السكون ولا تصل إليه الحركة ، فإذا قلت لم أحس لم تحذف .

الحواري : صفوة الرجل وخاصته . ومنه قيل : الحضريات الحواريات لخلوص ألوانهنّ ونظافتهنّ قال أبو جَلْذة اليشكري : فقل للحواريات تبكين غيرنا

ولا تبكنا إلا الكلابُ النوابح

ومثله في الوزن : الحوالي ، للكثير الحيل ، وليست الياء فيهما للنسب ، وهو مشتق من : الحور ، وهو البياض . حورت الثوب بيضته .

المكر : الخداع والخبث وأصله الستر ، يقال : مكر الليل إذا أظلم واشتقاقه من المكر ، وهو شجر ملتف ، فكأن

الممكور به يلتف به المكر ، ويشتمل عليه ،

ويقال : امرأة ممكورة إذا كانت ملتفة الخلق . والمكر : ضرب من النبات .

تعالى : تفاعل من العلو ، وهو فعل ، لاتصال الضمائر المرفوعة به ، ومعناه : استدعاء المدعوّ من مكانه إلى مكان داعيه ، وهي كلمة قصد بها أولاً تحسين الأدب مع المدعو ، ثم اطردت حتى يقولها الإنسان لعدّوه ولبهيمته ونحو ذلك .

الابتهال : قوله بهلة اللّه على الكاذب ، والبهلة بالفتح والضم : اللعنة ، ويقال بهله اللّه : لعنه وأبعده ، من قولك أبهله إذا أهمله ، وناقة باهلة لا ضرار عليها ، وأصل الابتهال هذا ، ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه ، وإن لم يكن التعاناً . وقال لبيد : من قروم سادة من قومهم

نظر الدهر إليهم فابتهل

{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ } تقدّم ترتيب هذه الجملة على ما قبلها من الكلام ، وهل الحذف بعد قوله { صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أو بعد قوله :{ وَرَسُولاً إِلَى بَنِى إِسْراءيلَ } وذلك عند تفسير { وَرَسُولاً إِلَى بَنِى إِسْراءيلَ}

قال مقاتل : أحس ، هنا رأى من رؤية العين أو القلب وقال الفراء : أحسّ وجد وقال أبو عبيدة : عرف .

وقيل : علم

وقيل : خاف .

والكفر : هنا جحود نبوّته وإنكار معجزاته ، و : منهم ، متعلق بأحس قيل : ويجوز أن يكون حالاً من الكفر .

{قَالَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللّه} لما أرادوا قتله استنصر عليهم ، قال مجاهد وقال غيره : إنه استنصر لما كفروا به وأخرجوه من قريتهم

وقيل : استنصرهم لإقامة الحق .

قال المغربي : إنما قال عيسى :{ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللّه } بعد رفعه إلى السماء وعوده إلى الأرض ، وجمع الحواريين الأثني عشر ، وبثهم في الآفاق يدعون إلى الحق ، وما قاله من أن ذلك القول كان بعد ما ذكر بعيد جداً ، لم يذكره غيره بل المنقول . والظاهر أنه قال ذلك قبل رفعه إلى السماء .

قال السدّي : من أعواني مع اللّه وقال الحسن : من أنصاري في السبيل إلى اللّه وقال أبو علي الفارسي معنى : إلى اللّه : للّه ، كقوله :{ يَهْدِى إِلَى الْحَقّ } أي للحق

وقيل : من ينصرني إلى نصر اللّه .

وقيل : من ينقطع معي إلى اللّه ، قاله ابن بحر

وقيل : من ينصرني إلى أن أبين أمر اللّه وقال أبو عبيدة : من أعواني في ذات اللّه ؟ و

قال ابن عطية : من أنصاري إلى اللّه . عبارة عن حال عيسى في طلبه من يقوم بالدين ، ويؤمن بالشرع ويحميه ، كما كان محمد صلى اللّه عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ، ويتعرض للأحياء في المواسم . انتهى

وقال الزمخشري وإلى اللّه من صلة أنصاري ؟ مضمناً معنى الإضافة ، كأنه قيل : من الذين يضيفون أنفسهم إلى اللّه ينصرونني كما ينصرني ؟ أو يتعلق بمحذوف حالاً من الياء ، أي : من أنصاري ذاهباً إلى اللّه ملتجئاً إليه ؟ انتهى .

{قَالَ الْحَوَارِيُّونَ } أي أصفياء عيسى . قاله ابن عباس . أو : خواصه ، قاله الفراء . أو : البيض الثياب ، رواه ابن جبير عن ابن عباس . أو : القصارون ، سموا بذلك لأنهم يجودون الثياب ، أي يبيضونها ، قاله الضحاك ، ومقاتل . أو : المجاهدون ، أو

الصيادون ، قال لهم عيسى على نبينا وعليه السلام : ألا تمشون معي تصطادون الناس للّه ؟ فأجابوا . قال مصعب : كانوا اثني عشر رجلاً يسيحون معه ، يخرج لهم ما احتاجوا إليه من الأرض ، فقالوا : من أفضل منا ؟ نأكل من أين شئنا . فقال عيسى : من يعمل بيده ؟ ويأكل من كسبه ؟ فصاروا قصَّارين

وحكى ابن الأنباري : الحواريون : الملوك وقال الضحاك ، وأبو أرطاة : الغسالون وقال ابن المبارك : الحوار النور ، ونسبوا إليه لما كان في وجوههم من سيما العبادة ونورها وقال تاج القراء : الحواري : الصديق .

قيل : لما أراهم الآيات وضع لهم ألواناً شتى من حب واحد آمنوا به واتبعوه

وقرأ الجمهور : الحواريون ، بتشديد الياء .

وقرأ إبراهيم النخعي ، وأبو بكر الثقفي ، بتخفيف الياء في جميع القرآن ، والعرب تستثقل ضمة الياء المكسور ما قبلها في مثل : القاضيون ، فتنقل الضمة إلى ما قبلها وتحذف الياء لالتقائها ساكنة مع الساكن بعدها ، فكان القياس على هذا أن يقال : الحوارون ، لكن أقرت الضمة ولم تنقل دلالة على أن التشديد مراد ، إذ التشديد يحتمل الضمة كما ذهب إليه الأخفش في : يستهزئون ، إذ أبدل الهمزة ياءً ، وحملت الضمة تذكراً لحال الهمزة المراد فيها .

{نَحْنُ أَنْصَارُ اللّه} أي : أنصار دينه وشرعه . والداعي إليه .

{بِاللّه وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنَا } لما ذكروا أنهم أنصار اللّه ذكروا مستند لإيمانهم ، لأن انقياد الجوارح تابعة لانقياد القلب وتصديقه ، والرسل تشهد يوم القيامة لقومهم ، وعليهم . ودل ذلك على أن عيسى عليه السلام كان على دين الإسلام ، برأه اللّه من سائر الأديان كما برأ إبراهيم بقوله :{ مَا كَانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا } الآية ، ويحتمل أن يكون : واشهد ، خطاباً للّه تعالى أي : واشهد يا ربنا ، وفي هذا توبيخ لنصارى نجران ، إذ حكى اللّه مقالة أسلافهم المؤمنين لعيسى ، فليس كمقالهم فيه ، ودعوى الإلهية له .

﴿ ٥٢