٩٢

لن تنالوا البر . . . . .

النيل : حوق الشيء وإدراكه ، الفعل منه : نال ينال . قيل : والنَّيل : العطية .

الوضع : الإلقاء . وضع الشيء ألقاه ، ووضعت ما في بطنها ألقته ، والفعل : وضع يضع وضعاً وضِعَة ، والموضع : محل إلقاء الشيء . وفلان يضع الحديث أي : يلقيه من قبل نفسه من غير نقل ، يختلفه . .

بكة : مرادف لمكة ، قاله مجاهد ، والزجاج . والعرب تعاقب بين الباء والميم ، قالوا : لازم ، وراتم . والنميط ، وبالباء فيها .

وقيل : اسم لبطن مكة ، قاله أبو عبيدة .

وقيل : اسم لمكان البيت ، قاله النخعي

وقيل : اسم للمسجد خاصة ، قاله ابن شهاب . قيل : ويدل عليه أن البك هو دفع الناس بعضهم بعضاً وازدحامهم ، وهذا إنما يحصل في المسجد عند الطواف لا في سائر المواضع ، وسيأتي الكلام على لفظ مكة إن شاء اللّه .

البركة : الزيادة ، والفعل منه : بارك ، وهو متعد ، ومنه { أَن بُورِكَ مَن فِى النَّارِ } ويضمن معنى ما تعدى بعلى ، لقوله : وبارك على محمد ، و : تبارك ، لازم .

العوج : الميل ، قال أبو عبيدة : في الدين والكلام والعمل . وبالفتح في : الحائط والجذع . وقال الزجاج بمعناه . قال : فيما لا نرى له شخصاً ، وبالفتح فيما له شخص . قال ابن فارس : بالفتح في كل منتصب كالحائط . والعوج : ما كان في بساط أو دين وأرض أو معاش .

العصم : المنع ، واعتصم واستعصم : امتنع ، واعتصمت فلاناً هيأت له ما يعتصم به ، وكل متمسك بشيئ معتصم ، وكل مانع شيء عاصم ، ويرجع لهذا المعنى : الأعصم ، والمعصم ، والعصام . ويسمى الخبز عاصماً لأنه يمنع من الجوع .

{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } مناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه لما أخبر عمن مات كافراً أنه لا يقبل ما أنفق في الدنيا ، أو ما أحضره لتخليص نفسه في الآخرة على الاختلاف الذي سبق ، حض المؤمن على الصدقة وبين أنه لن يدرك البر حتى ينفق مما يحب .

والبر هنا . قال ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، والسدّي ، وعمرو بن ميمون : البر الجنة . وقال الحسن ، والضحاك : الصدقة المفروضة . وقال أبو روف : الخير كله .

وقيل : الصدق .

وقيل : أشرف الدين ، قاله عطاء . و

قال ابن عطية : الطاعة . وقال مقاتل بن حيان : التقوى . وقال الزجاج : كل ما تقرّب به إلى اللّه من عمل خير . وقال معناه ابن عطية . قال أبو مسلم : وله مواضع ، فيقال : الصدق البر ، ومنه : صدقت وبررت ، وكرام بررة ، والإحسان : ومنه بررت والدي ، واللطف والتعاهد : ومنه يبر أصحابه إذا كان يزورهم ويتعاهدهم ، والهبة والصدقة : برّة بكذا إذا وهبه له .

وقال : ويحتمل لن تنالوا برّ اللّه بكم أي ، رحمته ولطفه . انتهى . وهو قول أبي بكر الوراق ، قال : معنى الآية لن تنالوا برّي بكم إلاَّ ببرّكم بإخوانكم ، والإنفاق عليهم من أموالكم وجاهكم . وروي نحوه على ابن جرير . ويحتمل أن يريد : لن تنالوا درجة الكمال من فعل البر حتى تكونوا أبراراً إلاَّ بالإنفاق المضاف إلى سائر أعمالكم ، قاله ابن عطية . وقد تقدّم شرح البرّ في قوله :{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرّ } ولكن فعلنا ما قال الناس في خصوصية هذا الموضع .

و : من ، في : مما تحبون ، للتبعيض ، ويدل على ذلك قراءة عبد اللّه : حتى تنفقوا بعض ما تحبون . و : ما ، موصولة ، والعائد محذوف .

والظاهر : أن المحبة هنا هو ميل النفس وتعلقها التعلق التام بالمنفق ، فيكون إخراجه على النفس أشق وأصعب من إخراج ما لا تتعلق به النفس ذلك التعلق ، ولذلك فسره الحسن ، والضحاك : : بأنه محبوب المال ، كقوله :{ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبّهِ } لذلك ما روي عن جماعة أنهم لهذه الآية تصدّقوا بأحب شيء إليهم ، فتصدّق أبو طلحة ببير حاء ، وتصدق زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها ، وابن عمر بالسكر واللوز لأنه كان يحبه ، وأبو ذر يفحل خير إبله وببرنس على مقرور ، وتلا الآية ، والربيع بن خيثم بالسكر لحبه له ، وأعتق عمر جارية أعجبته ، وابنه عبد اللّه جارية كانت أعجب شيء إليه .

وقيل : معنى مما تحبون ، نفائس المال وطيبه لا رديئه وخبيثه .

وقيل : ما يكون محتاجاً إليه .

وقيل : كل شيء ينفقه المسلم من ماله يطلب به وجه اللّه .

ولفظة : تحبون ، تنبو عن هذه الأقوال ، والذي يظهر أن الإنفاق هو في الندب ، لأن المزكي لا يجب عليه أن يخرج أشرف أمواله ولا أحبها إليه ، وأبعد من ذهب إلى أن هذه الآية منسوخة ، لأن الترغيب في الندب لوجه اللّه لا ينافي الزكاة . قال بعضهم : وتدل هذه الآية على أن الكلام يصير شعراً بأشياء ، منها : قصد المتكلم إلى أن يكون شعراً ، لأن هذه الآية على وزن بيت الرمل ، يسمى المجزؤ والمسبع ، وهو :

يا خليليّ أربعا واستخبر ال

منزل الدارس عن حيّ حلال

رسماً بعسفان

ولا يجوز أن يقال : إن في القرآن شعراً .

{وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْء فَإِنَّ اللّه عَلِيمٌ } تقدّم تفسير مثل هذا .

﴿ ٩٢