١٠٢

يا أيها الذين . . . . .

أصبح : من الأفعال الناقصة لاتصاف الموصوف بالصفة وقت الصباح . وقد تأتي بمعنى صار وهي ناقصة أيضاً ، وتأتي أيضاً لازمة تقول : أصبحت أي دخلت في الصباح . وتقول : أصبح زيد ، أي أقام في الصباح ومنه . إذا سمعت بسري القين فاعلم أنه مصبح ، أي مقيم في الصباح .

شفا الشيء طرفه وحرفه ، وهو من ذوات الواو ، وتثنيته : شفوان ، وهو حرف كل جرم له مهوى كالحفرة والبئر والجرف والسقف والجدار . ويضاف في الاستعمال إلى الأعلى نحو : شفا جرف . وإلى الأسفل نحو : شفا حفرة .

ويقال : أشفى على كذا أي أشرف . ومنه أشفى المريض على الموت . قال يعقوب : يقال للرجل عند موته وللقمر عند محاقه وللشمس عند غروبها ما بقي منه أو منها إلا شفا أي قليل . .

الحفرة : معروفة وهي واحدة الحفر ، فعلة بمعنى مفعوله ، كغرفة من الماء . أنقذ خلص .

الابيضاض والأسوداد معروفان ،

ويقال : بيض فهو أبيض . وسود : فهو أسود ،

ويقال : هما أصل الألوان . ذاق الشيء استطعمه ، وأصله بالفم ثم استعير لكل ما يحس ويدرك على وجه التشبيه بالذي يعرف عند الطعم . تقول العرب : قد ذقتَ من إكرام فلان ما يرغبني في قصده . ويقولون : ذقِ الفرقَ واعرف ما عنده . وقال تميم بن مقبل : أو كاهتزاز رديني تذاوقه

أيدي التجار فزادوا متنه لينا

وقال آخر : وإن اللّه ذاق حلوم قيس

فلما راء حفتها قلاها

يعنون بالذوق العلم ، إما بالحاسة ،

وإما بغيرها . ثقفت الرجل غلبته وظفرت به .

{مّسْتَقِيمٍ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللّه حَقَّ تُقَاتِهِ} لما حذرهم تعالى من إضلال مَنْ يريدُ إضلالهم ، أمرهم بمجامع الطاعات ، فرهبهم أولاً بقوله : اتقوا اللّه ، إذ التقوى إشارة إلى التخويف من عذاب اللّه ، ثم جعلها سبباً للأمر بالاعتصام بدين اللّه ، ثم أردف الرهبة بالرغبة ، وهي قوله :{ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّه عَلَيْكُمْ } وأعقب الأمر بالتقوى والأمر بالاعتصام بنهي آخر هو من تمام الاعتصام . قال ابن مسعود ، والربيع ، وقتادة ، والحسن : حق تقاته هو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر . وروي مرفوعاً .

وقيل : حق تقاته اتقاء جميع معاصيه . وقال قتادة ، والسدي ، وابن زيد ، والربيع : هي منسوخة بقوله :{ فَاتَّقُواْ اللّه مَا اسْتَطَعْتُمْ } أمروا أولاً بغاية التقوى حتى لا يقع إخلال بشيء ثم نسخ .

وقال ابن عباس ، وطاوس : هي محكمة .{ وَاتَّقُواْ اللّه مَّا اسْتَطَعْتُم } بيان لقوله : اتقوا اللّه حق تقاته .

وقيل : هو أن لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، ويقوم بالقسط ولو على نفسه أو ابنه أو أبيه .

وقيل : لا يتقي اللّه عبد حق تقاته حتى يخزن لسانه .

وقال ابن عباس : المعنى جاهدوا في اللّه حق جهاده . وقال الماتريدي : وفي حرف حفصة اعبدوا اللّه حق عبادته . وتقاة هنا مصدر ، وتقدم الكلام عليه في { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}

قال ابن عطية : ويصح أن يكون التقاة في هذه الآية جمع فاعل وإنْ كان لم يتصرف منه ، فيكون : كرماة ورام ، أو يكون جمع تقي ، إذ فعيل وفاعل بمنزلة . والمعنى على هذا : اتقوا اللّه كما يحق أن يكون متقوه المختصون به ، ولذلك أضيفوا إلى ضمير اللّه تعالى انتهى كلامه . وهذا المعنى ينبو عنه هذا اللفظ ، إذ الظاهر أنّ قوله : حقّ تقاته من باب إضافة إلى موصوفها ، كما تقول : ضربت زيداً شديد الضرب ، أي الضرب الشديد . فكذلك هذا أي اتقوا اللّه الاتقاء الحق ، أي الواجب الثابت . أما إذا جعلت التقاة جمعاً فإنَّ التركيب يصير مثل : اضرب زيداً حق ضرابه ، فلا يدل هذا التركيب على معنى : اضرب زيداً كما يحق أن يكون ضرابه . بل لو صرح بهذا التركيب لاحتيج في فهم معناه إلى تقدير أشياء يصح بها المعنى ، والتقدير : اضرب زيداً ضرباً حقاً كما يحق أن يكون ضرب ضرابه . ولا حاجة تدعو إلى تحميل اللفظ غير ظاهره وتكلف تقادير يصح بها معنى لا يدل عليه ظاهر اللفظ .

{وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ظاهره النهي عن أن يموتوا إلا وهم متلبسون بالإسلام . والمعنى : دوموا على الإسلام حتى يوافيكم الموت وأنتم عليه . ونظيره ما حكى سيبويه من قولهم : لا أرينك ههنا ، وإنما المراد لا تكن هنا فتكون رؤيتي لك . وقد تقدم لنا الكلام على هذا المعنى مستوفى في سورة البقرة في قوله :{ إِنَّ اللّه اصْطَفَى لَكُمُ الدّينَ } الآية والجملة من قوله : وأنتم مسلمون حالية ، والاستثناء مفرع من الأحوال . التقدير : ولا تموتن على حال من الأحوال إلا على حالة الإسلام . ومجيئُها إسمية أبلغُ لتكرر الضمير ، وللمواجهة فيها بالخطاب . وزعم بعضهم أنَّ الأظهر في الجملة أن يكون الحال حاصلة قبل ، ومستصحبة .

وأمّا لو قيل : مسلمين ، لدلَّ على الاقتران بالموت لا متقدماً ولا متأخراً .

﴿ ١٠٢