١٢١وإذ غدوت من . . . . . غدا الرجل : خرج غدوة . والغدو يكون في أول النهار . وفي استعمال غدا بمعنى صار ، فيكون فعلاً ناقصاً خلاف . الهم : دون العزم ، والفعل منه هم يهمُّ . وتقول العرب : هممْتُ وهمَّتْ يحذفون أحد المضعفين كما قالوا : أمست ، وظلت ، وأحست ، في مسست وظللت وأحسست . وأوّلُ ما يمر الأمر بالقلب يسمى خاطراً ، فإذا تردد صار حديث نفس ، فإذ ترجَّح فعله صار هماً ، فإذا قوي واشتد صار عزماً ، فإذا قوي العزم واشتدّ حصل الفعل أو القول . الفشل في البدن : الإعياء . وفي الحرب : الجبن والخور ، وفي الرأي : العجز والفساد . وفعله : فشِل بكسر الشين . التوكل : تفعل من وكل أمره إلى فلان ، إذا فوَّضه له . قال ابن فارس : هو إظهار العجز والاعتماد على غيرك ، يقال : فلان وكلة تكلة ، أي عاجز بكل أمره إلى غيره . وقيل : هو من الوكالة ، وهو تفويض الأمر إلى غيره ثقة بحسن تدبيره . بدر في الآية : اسم علم لما بين مكة والمدينة . سمي بذلك لصفائه ، أو لرؤية البدر فيه لصفائه ، أو لاستدارته . قيل : وسمي باسم صاحبه بدر بن كلدة . قيل : بل بدر بن بجيل بن النضر بن كنانة . وقيل : هو بئر لغفار . وقيل : هو اسم وادي الصفراء . وقيل : اسم قرية بين المدينة والجار . الفور : العجلة والإسراع . تقول : اصنع هذا على الفور . وأصلُه من فارت القدر اشتد غليانها ، وبادر ما فيها إلى الخروج . ويقال : فار غضبه إذا جاش وتحرك . وتقول : خرج من فوره ، أي من ساعته ، لم يلبث استعير الفور للسرعة ، ثم سميت به الحالة التي لا ريب فيها ولا تعريج على شيء من صاحبها . الخمسة : رتبة من العدد معروفة ، ويصرف منها فعل يقال : خمست الأربعة أي صيرتهم في خمسة . الطرف : جانب الشيء الأخير ، ثم يستعمل للقطعة من الشيء وإنْ لم يكن جانباً أخيراً . الكبت : الهزيمة . وقيل : الصرع على الوجه أو إلى اليدين . وقال النقاش وغيره : التاء بدل من الدال . أصله : كبده ، أي فعل فعلاً يؤذي كبده . الخيبة : عدم الظفر بالمطلوب . {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } قال المسور بن مخرمة : قلت لعبد الرحمن بن عوف : أيْ خال أخبرني عن قصتكم يوم أحد ، فقال : اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد :{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ إِلَىَّ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم } ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما نهاهم عن اتخاذ بطانةٍ مِن الكفار ووعدهم أنّهم إنْ صبروا واتقوا فلا يضرُّكم كيدهم . ذكرهم بحالة اتفق فيها بعض طواعية ، واتباع لبعض المنافقين ، وهو ما جرى يوم أحد لعبد اللّه بن أبي بن سلول حين انخذل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، واتبعه في الانخذال ثلاثمائة رجل من المنافقين وغيرهم من المؤمنين . والجمهور على أن ذلك كان في غزوة أحذ ، وفيها نزلت هذه الآيات كلها ، وهو قول : عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة ، والزهري ، والسدي ، وابن إسحاق . وقال الحسن : كان هذا الغدو في غزوة الأحزاب . وهو قول : مجاهد ، ومقاتل ، وهو ضعيف . لأن يوم الأحزاب كان فيه ظفر المؤمنين ، ولم يجر فيه شيء مما ذكر في هذه الآيات بل قصتاهما متباينتان . وقال الحسن أيضاً : كان هذا الغدو يوم بدر . وذكر المفسرون قصة غزوة أحد وهي مستوعبة في كتب السير ، ونحن نذكر منها ما يتعلق بألفاظ الآية بعض تعلقٍ عند تفسيرها . وظاهر قوله : وإذ غدوت ، خروجه غدوة من عند أهله . وفسر ذلك بخروجه من حجرة عائشة يوم الجمعة غدوة حين استشار الناس ، فمِنْ مشير بالإقامة وعدم الخروج إلى القتال . وأن المشركين إنْ جاؤا قاتلوهم بالمدينة ، وكان ذلك رأيه صلى اللّه عليه وسلم. ومن مشير بالخروج وهم : جماعة من صالحي المؤمنين فأتتهم وقعة بدر وتبوئة المؤمنين مقاعد للقتال ، على هذا القول هو أن يقسمَ أفطار المدينة على قبائل الأنصار . وقيل : غدوه هو نهوضه يوم الجمعة بعد الصلاة وتبوئته في وقت حضور القتال . وسماه غدواً إذ كان قد عزم عليه غدوة . وقيل : غدوه كان يوم السبت للقتال . ولما لم تكن تلك الليلة موافقة للغدو وكأنه كان في أهله ، والعامل في إذا ذكر . وقيل : هو معطوف على قوله :{ قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا } أي وآية إذ غدوت ، وهذا في غاية البعد . ولولا أنه مسطور في الكتب ما ذكرته . وكذلك قولُ مَنْ جعل من في معنى مع ، أي : وإذ غدوت مع أهلك . وهذه تخريجات يقولها وينقلها على سبيل التجويز من لا بصر له بلسان العرب . ومعنى تبويّء تنزل ، من المباءة وهي المرجع ومنه { لَنُبَوّئَنَّهُمْ مّنَ الْجَنَّةِ غُرَفَاً } فليتبوأ مقعده من النار ، وقال الشاعر : كم صاحب لي صالح بوّأته بيديّ لحدا وقال الأعشى : وما بوّأ الرحمن بيتك منزلا بشرقيّ أجياد الصفا والمحرم ومقاعد : جمع مقعد ، وهو هناك مكان القعود . والمعنى : مواطن ومواقف . وقد استعمل المقعد والمقام في معنى المكان . ومنه : { فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ }{ وَقَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} وقال الزمخشري : وقد اتسع في قعد وقام حتى أجريا مجرى صار انتهى . أمّا إجراء قعد مجرى صار فقال أصحابنا : إنما جاء في لفظة واحدة وهي شاذة لا تتعدى ، وهي في قولهم : شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة ، أي صارت . وقد نقد على الزمخشري تخريج قوله تعالى :{ فَتَقْعُدَ مَلُومًا عَلَى } أن معناه : فتصير ، لأن ذلك عند النحويين لا يطرد . وفي اليواقيت لأبي عمر الزاهد قال ابن الأعرابي : القعد الصيرورة ، والعرب تقول : قعد فلان أميراً بعدما كان مأموراً أي صار . وأمّا إجراء قام مجرى صار فلا أعلم أحداً عدّها في أخوات كان ، ولا ذكر أنها تأتي بمعنى صار ، ولا ذكر لها خبراً إلا أبا عبد اللّه بن هشام الحضراوي فإنه قال في قول الشاعر : على ما قام يشتمني لئيم إنها من أفعال المقاربة و قال ابن عطية : لفظة القعود أدل على الثبوت ، ولا سيما أنّ الرماة إنما كانوا قعوداً ، وكذلك كانت صفوف المسلمين أولاً ، والمبارزة والسرعان يجولون . وجمع المقاعد لأنه عيّن لهم مواقف يكونون فيها : كالميمنة والميسرة ، والقلب ، والشاقة . وبيّن لكل فريق منهم موضعهم الذي يقفون فيه . خرج صلى اللّه عليه وسلم بعد صلاة الجمعة ، وأصبح بالشعب يوم السبت للنصف من شوال ، فمشى على رجليه ، فجعل يصف أصحابه للقتال كأنما يقوم بهم القدح . إنْ رأى صدراً خارجاً قال : { تأخر } ، وكان نزوله في غدوة الوادي ، وجعل ظهره وعسكره إلى أحد . وأمر عبد اللّه بنَ جبير على الرماة وقال لهم : { انصحوا عنا بالنبل } لا يأتونا من ورائنا { . وتبوىء جملة حالية من ضمير المخاطب . فقيل : هي حال مقدرة ، أي خرجت قاصد التبوئة ، لأن وقت الغدو لم يكن وقت التبوئة . وقرأ الجمهور تبوىء من بوّأ . وقرأ عبد اللّه : تبوِّىء من أبوأ ، عداه الجمهور بالتضعيف ، وعبد اللّه بالهمزة . وقرأ يحيى بن وثاب : تبوى بوزن تحيا ، عداه بالهمزة ، وسهل لام الفعل بإبدال الهمزة ياء نحو : يقرى في يقرىء . وقرأ عبد اللّه : للمؤمنين بلام الجر على معنى : ترتب وتهيىء . ويظهر أنَّ الأصل تعديته لواحد بنفسه ، وللآخر باللام لأن ثلاثيه لا يتعدى بنفسه ، إنما يتعدى بحرف جر . وقرأ الأشهب : مقاعد القتال على الإضافة ، وانتصاب مقاعد على أنه مفعول ثان لتبوى . ومَنْ قرأ للمؤمنين كان مفعولاً لتبوىء ، وعداه باللام كما في قوله :{ وَإِذْ بَوَّأْنَا أَنَاْ لإِبْراهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ } وقيل : اللام في لابراهيم زائدة ، واللام في للقتال لام العلة تتعلق بتبوىء . وقيل : في موضع الصفة لمقاعد . وفي الآية دليل على أن الأئمة هم الذين يتولون أمر العساكر ويختارون لهم المواضع للحرب ، وعلى الأجناد طاعتهم قاله : الماتريدي . وهو ظاهر . {وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي سميع وقوالكم ، عليم بنياتكم . وجاءت هاتان الصفتان هنا لأنّ في ابتداء هذه الغزوة مشاورة ومجاوبة بأقوال مختلفة ، وانطواء على نيات مضطربة حبسما تضمنته قصة غزوة أُحد . |
﴿ ١٢١ ﴾