١٢٢إذ همت طائفتان . . . . . {إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ } الطائفتان : بنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، وهما الجناحان قاله : ابن عباس ، وجابر ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، والربيع ، والسدي ، وجمهور المفسرين . وقيل : الطائفتان هما من الأنصار والمهاجرين . روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج في ألف . وقيل : في تسعمائة وخمسين ، والمشركون في ثلاثة آلاف . ووعدهم الفتح إن صبروا ، فانخذل عبد اللّه بن أبي بثلث الناس . وسببُ انخذاله أنه أشار على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة حين شاوره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يشاوره قبلها ، فأشار عليه بالمقام في المدينة فلم يفعل وخرج ، فغضب عبد اللّه وقال : أطاعهم ، وعصاني . وقال : يا قوم علامَ نقتل أنفسنا وأولادنا ، فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري . وفي رواية أبو جابر السلمي فقال : أنشدكم اللّه في نبيكم وأنفسكم . فقال عبد اللّه : لو نعلمُ قتالاً لاتبعناكم ، فهم الجبان باتباع عبد اللّه ، فعصمهم اللّه ومضوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال ابن عباس : أضمروا أن يرجعوا ، فعزم اللّه لهم على الرشد فثبتوا ، وهذا لهمّ غير مؤاخذ به ، إذ ليس بعزيمة ، إنما هو ترجيح من غير عزم . ولا شك أن النفس عندما تلاقى الحروب ومن يجالدها يزيد عليها مثلين وأكثر ، يلحقها بعض الضعف عن الملاقاة ، ثم يوطئها صاحبها على القتال فتثبت وتستقر . ألا ترى إلى قول الشاعر : وقولي : كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي وإذ همت : بدل من إذ غدوت . قال الزمخشري : أو عمل فيه معنى سميع عليم انتهى . وهذا غير محرر ، لأن العامل لا يكون مركباً من وصفين ، فتحريره أن يقول : أو عمل فيه معنى سميع أو عليم ، وتكون المسألة من باب التنازع . وجوز أن يكون معمولاً لتبوى ، ولغدوت . وهمّ يتعدى بالباء ، فالتقدير : بأن تفشلا والمعنى : أن تفشلا عن القتال . وأما أحسن قول الشاعر في التحريض على القتال والنهي عن الفشل : قاتلوا القوم بالخداع ولا يأخذكم عن قتالهم فشل القوم أمثالكم لهم شعر في الرأس لا ينشرون إن قتلوا وأدغم السبعة تاء التأنيث في الطاء ، وعن قالون خلاف ذكرناه في عقد اللآلىء في القراءات السبع العوالي من إنشائنا . والظاهر أن هذا لهم كان عند تبوئة الرسول صلى اللّه عليه وسلم مقاعد للقتال وانخذال عبد اللّه بمن انخذل . وقيل : حين أشاروا عليه بالخروج وخالفوا عبد اللّه بن أبي . وفي قوله : طائفتان إشارة لطيفة إلى الكناية عن من يقع منه ما لا يناسب والستر عليه ، إذ لم يعين الطائفتين بأنفسهما ، ولا صح بمن هما منه من القبائل ستراً عليهما . {وَاللّه وَلِيُّهُمَا } معنى الولاية هنا التثبيت والنصر ، فلا ينبغي لهما أن يفشلا . وقيل : جعلها من أوليائه المثابرين على طاعته . وفي البخاري عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : فينا نزلت { إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّه وَلِيُّهُمَا } قال : نحن الطائفتان بنو حارثة ، وبنو سلمة . وما تحب أنها لم تنزل لقول اللّه : { وَاللّه وَلِيُّهُمَا } ، قال ذلك جابر لفرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء اللّه ، وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية ، وأنّ تلك الهمة المصفوح عنها لكونها ليست عزماً ، كانت سبباً لنزولها . وقرأ عبد اللّه : واللّه وليهم أعاد الضمير على المعنى لا على لفظ التثنية ، كقوله :{ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ }{ هَاذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ } وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب ، بل جاءت مستأنفة لثناء اللّه على هاتين الطائفتين . {وَعَلَى اللّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } لما ذكر تعالى ما همت به الطائفتان من الفشل ، وأخبر تعالى أنه وليهما ، ومَنْ كان اللّه وليه فلا يفوض أمره لا إليه . أمرهم بالتوكل عليه ، وقدم المجرور للاعتناء بمن يتوكل عليه ، أو للاختصاص على مذهب من يرى ذلك . ونبّه على الوصف الذي يقتضي ذلك وهو الإيمان ، لأنَّ مَنْ آمن باللّه خير أن لا يكون اتكاله إلا عليه ، ولذلك قال :{ وَعَلَى اللّه فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } وأتى به عاماً لتندرج الطائفتان الهامّتان وغيرهم في هذا الأمر ، وأن متعلقة من قام به الإيمان . وفي هذا الأمر تحريض على التغبيط بما فعلته الطائفتان من اتباع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمسير معه . |
﴿ ١٢٢ ﴾