١٣٤

الذين ينفقون في . . . . .

{الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَالضَّرَّاء } قال ابن عباس والكلبي ومقاتل : السراء اليسر ، والضراء العسر . وقال عبيد بن عمير والضحاك : الرخاء والشدّة .

وقيل : في الحياة ، وبعد الموت بأن يوصى .

وقيل : في الفرح وفي

الترح .

وقيل : فيما يسرّ كالنفقة على الولد والقرابة ، وفيما يضر كالنفقة على الأعداء .

وقيل : في ضيافة الغني والإهداء إليه ، وفيما ينفقه على أهل الضر ويتصدّق به عليهم .

وقيل : في المنشط والمكره . ويحتمل التقييد بهاتين الحالتين ، ويحتمل أن يعني بهما جميع الأحوال ، لأن هاتين الحالتين لا يخلو المنفق أن يكون على إحداهما . والمعنى : لا يمنعهم حال سرور ولا حال ابتلاء عن بذل المعروف . وروي عن عائشة أنها تصدّقت بحبة عنب . وعن بعض السلف ببصلة . وابتدىء بصفة التقوى الشاملة لجميع الأوصاف الشريفة ، ثم جيء بعدها بصفة البذل ، إذ كانت أشق على النفس وأدل على الإخلاص . وأعظم الأعمال للحاجة إلى ذلك في الجهاد ، ومواساة الفقراء . ويجوز في الدين الاتباعُ والقطعُ للرفع والنصب .

{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ } أي الممسكين ما في أنفسهم من الغيظ بالصبر ، ولا يظهر له أثر ، والغيظ : أصل الغضب ، وكثيراً ما يتلازمان ، ولذلك فسره بعضهم هنا بالغضب .

والغيظ فعل نفساني لا يظهر على الجوارح ، والغضب فعل لها معه ظهور في الجوارح ، وفعل مّا ولا بد ، ولذلك أسند إلى اللّه تعالى إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم ، ولا يسند الغيظ إليه تعالى . ووردت أحاديث في كظم الغيظ وهو من أعظم العبادة . وروي عنه صلى اللّه عليه وسلم : { من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأه اللّه أمناً وإيماناً } وعنه عليه السلام{ ما من جرعة يتجرعها العبد خير له وأعظم أجراً من جرعة غيظ في اللّه } وعن عائشة أن خادماً لها غاظها فقالت : للّه در التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء وقال مقاتل : بلغنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في هذه الآية : { إن هذه في أمّتي لقليل وقد كانوا أكثر في الأمم الماضية} . وأنشد أبو القاسم بن حبيب : وإذا غضبت فكن وقوراً كاظما

للغيظ تبصر ما تقول وتسمع

فكفى به شرفاً تصبر ساعة

يرضى بها عنك الإله ويدفع

{وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ } أي الجناة والمسيئين .

وقال ابن عباس وأبو العالية والربيع : المماليك . وهذا مثال ، إذ الأرقاء تكثر ذنوبهم لجهلهم وملازمتهم ، وإنفاذ العقوبة عليهم سهل للقدرة عليهم . وقال الحسن : والكاظمين الغيظ عن الأرقاء ، والعافين عن الناس إذا جهلوا عليهم . ووردت أخبار نبوية في العفو منها : { ينادي مناد يوم القيامة أين الذين كانت أجورهم على اللّه فليدخلوا الجنة ، فيقال : من ذا الذي أجره على اللّه فلا يقوم إلا من عفا} . ورواه أبو سفيان للرشيد وقد غضب على رجل فخلاه . ويجوز في الكاظمين والعافين القطع إلى النصب والاتباع ، بشرط اتباع الذين ينفقون { وَاللّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } الألف واللام للجنس ، فيتناول كل محسن . أو للعهد فيكون ذلك إشارة إلى من تقدّم ذكره من المتصفين بتلك الأوصاف . والأظهر الأول ، فيعم هؤلاء وغيرهم . وهذه الآية في المندوب إليه . ألا ترى إلى حديث جبريل عليه السلام : { ما الإيمان } فبين له العقائد { ما الإسلام} ؟ فبين له الفرائض . { ما الإحسان ؟} قال :  { أن تعبد اللّه كأنك تراه } والمعنى : أن اللّه يحب المحسنين ، وهم الذين يوقعون الأعمال الصالحة ، مراقبين اللّه كأنهم مشاهدوه . وقال الحسن : الإحسان أن تعم ولا تخص ، كالريح والمطر والشمس والقمر . وقال الثوري : الإحسان أن تحسن إلى المسيء ، فإنَّ الإحسان إليه مناجزة كنقد السوق ، خذ مني وهات .

﴿ ١٣٤