١٣٥والذين إذا فعلوا . . . . . {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّه فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } نزلت في قول الجمهور بسبب منهال التمار ، ويكنى : أبا مقبل ، أتته امرأة تشتري منه تمراً فضمها وقبلها ثم ندم . وقيل : ضرب على عجزها . والعطف بالواو مشعر بالمغايرة . لمّا ذكر الصنف الأعلى وهم المتقون الموصوفون بتلك الأوصاف الجميلة ، ذكر مَنْ دونهم ممن قارف المعاصي وتاب وأقلع ، وليس من باب عطف الصفات واتحاد الموصوف . وقيل : أنه من عطف الصفات ، وأنه من نعت المتقين روى ذلك عن الحسن . قال ابن عباس : الفاحشة الزنا ، وظلم النفس ما دونه من النظر واللمسة . وقال مقاتل : الفاحشة الزنا ، وظلم النفس سائر المعاصي . وقال النخعي : الفاحشة القبائح ، وظلم النفس من الفاحشة وهو لزيادة البيان . وقيل : جميع المعاصي وظلم النفس العمل بغير علم ولا حجة . وقال الباقر : الفاحشة النظر إلى الأفعال ، وظلم النفس رؤية النجاة بالأعمال . وقيل : الفاحشة الكبيرة ، وظلم النفس الصغيرة . وقيل : الفاحشة ما تظوهر به من المعاصي ، وقيل : ما أخفى منها . وقال مقاتل والكلبي : الفاحشة ما دون الزنا من قبله أو لمسة أو نظرة فيما لا يحل ، وظلم النفس بالمعصية ، وقيل : الفاحشة الذنب الذي فيه تبعة للمخلوقين ، وظلم النفس ما بين العبد وبين ربه . وهذه تخصيصات تحتاج إلى دليل . وكثر استعمال الفاحشة في الزنا ، ولذلك قال جابر حين سمع الآية : زنوا ورب الكعبة . ومعنى ذكروا اللّه ذكروا وعيده قاله : ابن جرير وغيره . وقيل : العرض على اللّه قاله الضحاك . أو السؤال عنه يوم القيامة قاله : الكلبي ومقاتل والواقدي . وقيل : نهى اللّه . وقيل : غفرانه . وقيل : تعرضوا لذكره بالقلوب ليبعثهم على التوبة . وقيل : عظيم عفوه فطمعوا في مغفرته . وقيل : إحسانه فاستحيوا من إساءتهم . وهذه الأقوال كلها على أن الذكر هو بالقلب . وقيل : هو باللسان ، وهو الاستغفار . ذكروا اللّه بقلوبهم : اللّهم اغفر لنا ذنوبنا ، قاله : ابن مسعود ، وأبو هريرة ، وعطاء في آخرين . وروي عن أبي هريرة { ما رأيت أكثر استغفاراً من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم} ولا بدّ مع ذكر اللسان من مواطأة القلب ، وإلاّ فلا اعتبار بهذا الاستغفار . ومن استغفر وهو مصرّفاً فاستغفاره يحتاج إلى استغفار . والاستغفار سؤال اللّه بعد التوبة الغفران . وقيل : ندموا وإن لم يسألوا . والظاهر الأول . ومفعول استغفروا اللّه محذوف لفهم المعنى ، أي فاستغفروه لذنوبهم . وتقدم الكلام على هذا الفعل وتعديته . {وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّه} جملة اعتراض المتعاطفين ، أو بين ذي الحال والحال . وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة إعراباً في قوله :{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } وهذه الجملة الاعتراضية فيها ترفيق للنفس ، وداعية إلى رجاء اللّه وسعة عفوه ، واختصاصه بغفران الذنب . قال الزمخشري : وصف ذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة ، وأنَّ التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له ، وأنّه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه ، وأنّ عدله يوجب المغفرة للتائب ، لأنّ العبد إذا جاء في الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه وجب العفو والتجاوز . وفيه تطييب لنفوس العباد ، وتنشيط للتوبة وبعث عليها ، وردع عن اليأس والقنوط . وأنّ الذنوب وإنْ جلت فإنَّ عفوه أجل ، وكرمه أعظم . والمعنى : أنه وحده معه مصححات المغفرة انتهى . وهو كلام حسن ، غير أنه لم يخرج عن ألفاظ المعتزلة في قوله : وإنّ عدله يوجب المغفرة للتائب . وفي قوله : وجب العفو والتجاوز ، ولو لم نعلم أن مذهبه الاعتزال لتأولنا كلامه بأن هذا الوجوب هو بالوعد الصادق ، فهو من جهة السمع لا من جهة العقل فقط . {وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي ولم يقيموا على قبيح فعلهم . وهذه الجملة معطوفة على فاستغفروا ، فهي من بعض أجزاء الجزاء المترتب على الشرط . ويجوز أن تكون الواو للحال ويكون حالاً من الفاعل في فاستغفروا فهي من بعض أجزاء الجزاء ، أي : فاستغفروا لذنوبهم غير مصرّين . وما موصولة اسمية ، ويجوز أن تكون مصدرية . قال قتادة : الإصرار المضي في الذنب قدماً . وقال الحسن : هو إتيان الذنب حتى يتوب . وقال مجاهد : لم يصرّوا لم يمضوا . وقال السدي : هو ترك الاستغفار والسكوت عنه مع الذنب . والجملة من قوله : وهم يعلمون قال الزمخشري : حال من فعل الإصرار ، وحرف النفي منصب عليهما معاً ، والمعنى : وليسوا ممن يصرّ على الذنوب وهم عالمون بقبحها وبالنهي عنها والوعيد عليها ، لأنه قد يعذر من لم يعلم قبح القبيح . وفي هذه الآيات بيان قاطع أن الذين آمنوا على ثلاث طبقات : متقون ، وتائبون ، ومصرّون . وأن الجنة للمتقين والتائبين منهم دون المصرين ، ومن خالف في ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه انتهى كلامه . وآخره على طريقته الاعتزالية من : أن من مات مصرًّا دخل النار ولا يخرج منها أبداً . وأجاز أبو البقاء أن يكون : وهم يعلمون حالاً من الضمير في فاستغفروا ، فإنْ أعربنا ولم يصرّوا جملة حالية من الضمير في فاستغفروا ، جاز أن يكون : وهم يعلمون حالاً منه أيضاً . وإن كان ولم يصروا معطوفاً على فاستغفروا كان ما قاله أبو البقاء بعيداً للفصل بين ذي الحال والحال بالجملة . وأما متعلق العلم فتقدم في كلام الزمخشري . وقال أبو البقاء : وهم يعلمون المؤاخذة بها ، أو عفو اللّه عنها . وقال ابن عباس والحسن : وهم يعلمون أن تركه أولى من التمادي . وقال مجاهد وأبو عمارة : يعلمون أن اللّه يتوب على من تاب . وقال السدي ومقاتل : يعلمون أنهم قد أذنبوا . وقيل : يذكرون ذنوبهم فيتوبون منها ، أطلق اسم العلم على الذكر لأنه من ثمرته . وقال ابن إسحاق : يعلمون ما حرمت عليهم . وقال الحسين بن الفضل : يعلمون أنّ لهم رباً يغفر الذنب . وقال ابن بحر : يعلمون بالذنب . وقيل : يعلمون العفو عن الذنوب وإن كثرت . |
﴿ ١٣٥ ﴾