١٤٠إن يمسسكم قرح . . . . . {ءانٍ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ } المعنى : إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم يوم بدر ، ثم لم يضعفوا إنْ قاتلوكم بعد ذلك ، فلا تضعفوا أنتم . أو فقد مس القوم في غزوة أحد قبل مخالفة أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونحوه ، فإنهم يألمون كما تألمون ، وترجون من اللّه ما لا يرجون . وهذه تسلية منه تعالى للمؤمنين والتأسي فيه أعظم مسلاة . وقالت الخنساء : ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي والمثلية تصدق بأدنى مشابهة . وقال ابن عباس والحسن : أصاب المؤمنين يوم أحد ما أصاب المشركين يوم بدر ، استشهد من المؤمنين يوم أحد سبعون . وقال الزمخشري : قتل يومئذ أي يوم أحد خلق من الكفار ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } فعلى قوله يكون مس القوم قرح مثله يوم بدر . وأبعد من ذهب إلى أن القوم هنا الأمم التي قد خلت ، أي نال مؤمنهم من أذى كافرهم مثل الذي نالكم من أعدائكم . ثم كانت العاقبة للمؤمنين ، فلكم بهم أسوة . فإنّ تأسيكم بهم مما يخفف ألمكم ، ويثبت عند اللقاء أقدامكم . وقرأ الأخوان وأبو بكر والأعمش من طريقة قُرح بضم القاف فيهما ، وباقي السبعة بالفتح ، والسبعة على تسكين الراء . قال أبو علي : والفتح أولى انتهى . ولا أولوية إذ كلاهما متواتر . وقرأ أبو السمال وابن السميقع قَرَح بفتح القاف والراء ، وهي لغة : كالطرد والطرد ، والشل والشلل . وقرأ الأعمش : إنْ تمسسكم بالتاء من فوق قروح بالجمع ، وجواب الشرط محذوف تقديره : فتأسوا فقد مس القوم قرح ، لأن الماضي معنى يمتنع أن يكون جواباً للشرط . ومن زعم أن جواب الشرط هو فقد مس ، فهو ذاهل . {وَتِلْكَ الاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } أخبر تعالى على سبيل التسلية أن الأيام على قديم الدهر لا تبقى لناس على حالة واحدة . والمراد بالأيام أوقات الغلبة والظفر ، يصرفها اللّه على ما أراد تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء ، كما جاء الحرب سجال . وقال : فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر وسمع بعض العرب الأقحاح قارئاً يقرأ هذه الآية فقال : إنما هو نداولها بين العرب ، فقيل له : إنما هو بين الناس ، فقال : أنا اللّه ، ذهب ملك العرب ورب الكعبة . وقرىء شاذاً . يداولها بالياء . وهو جار على الغيبة قبله وبعده . وقراءة النون فيها التفات ، وإخبار بنون العظمة المناسبة لمداولة الأيام ، والأيام : صفة لتلك ، أو بدل ، أو عطف بيان . والخبر نداولها ، أو خبر لتلك ، ونداولها جملة حالية . {وَلِيَعْلَمَ اللّه الَّذِينَ ءامَنُواْ } هذه لام كي قبلها حرف العطف ، فتتعلق بمحذوف متأخر أي : فعلنا ذلك وهو المداولة ، أو نيل الكفار منكم . أو هو معطوف على سبب محذوف هو وعامله أي : فعلنا ذلك ليكون كيت وكيت وليعلم . هكذا قدّره الزمخشري وغيره ، ولم يعين فاعل العلة المحذوفة إنما كنى عنه بكيت وكيت ، ولا يكنى عن الشيء حتى يعرف . ففي هذا الوجه حذف العلة ، وحذف عاملها ، وإبهام فاعلها . فالوجه الأول أظهر إذ ليس فيه غير حذف العامل . ويعلم هنا ظاهره التعدي إلى واحد ، فيكون كعرف . وقيل : يتعدّى إلى ثنين ، الثاني محذوف تقديره : مميزين بالإيمان من غيرهم . أي الحكمة في هذه المداولة : أنْ يصير الذين آمنوا متميزين عن من يدعي الإيمان بسبب صبرهم وثباتهم على الإسلام . وعلم اللّه تعالى لا يتجدد ، بل لم يزل عالماً بالأشياء قبل كونها ، وهو من باب التمثيل بمعنى فعلنا ذلك فعْلَ مَنْ يريد أن يعلم من الثابت على الإيمان منكم من غير الثابت . وقيل : معناه ليظهر في الوجود إيمان الذين قد علم أزلاً أنهم يؤمنون ، ويساوق علمه إيمانهم ووجودهم ، وإلا فقد علمهم في الأزل . إذْ علمه لا يطرأ عليه التغير . ومثلُه أن يضرب حاكم رجلاً ثم يبين سبب الضرب ويقول : فعلت هذا التبيين لا ضرب مستحقاً معناه : ليظهر أن فعلي وافق استحقاقه . وقيل : معناه وليعلمهم علماً يتعلق به الجزاء ، وهو أن يعلمهم موجوداً منهم الثبات . وقيل : العلم باق على مدلوله ، وهو على حذف مضاف التقدير : وليعلم أولياء اللّه ، فأسند ذلك إلى نفسه تفخيماً . { وَيَتَّخِذُ مِنْهُمْ شُهَدَاء } أي بالقتل في سبيله ، فيكرمهم بالشهادة . يعني يوم أحد . وقد ورد في فضل الشهيد غير ما آية وحديث . أو شهداء على الناس يوم القيامة أي وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بما يبتلي به صبركم على الشدائد من قوله تعالى :{ لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} والقول الأول أظهر وأليق بقصة أحد . {وَاللّه لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } أي لا يحب من لا يكون ثابتاً على الإيمان صابراً على الجهاد . وفيه إشارة إلى أن من انخذل يوم أحد كعبد اللّه بن أبي وأتباعه من المنافقين ، فإنهم بانخذالهم ، لم يطهر إيمانهم بل نجم نفاقهم ، ولم يصلحوا لاتخاذهم شهداء بأن يقتلوا في سبيل اللّه . وذلك إشارة أيضاً إلى أن ما فعل من ادالة الكفار ، ليس سببه المحبة منه تعالى ، بل ما ذكر من الفوائد من ظهور إيمان المؤمن وثبوته ، واصطفائه من شاء من المؤمنين للشهادة . وهذه الجملة اعترضت بين بعض العلل وبعض ، لما فيها من التشديد والتأكيد . وأ مناط انتفاء المحبة هو الظلم ، وهو دليل على فحاشته وقبحه من سائر الأوصاف القبيحة . |
﴿ ١٤٠ ﴾