١٤٢أم حسبتم أن . . . . . كائن : كلمة يكثر بها بمعنى كم الخبرية . وقلَّ الاستفهام بها . والكاف للتشبيه ، دخلت على أي وزال معنى التشبيه ، هذا مذهب سيبويه والخليل ، والوقف على قولهما بغير تنوين . وزعم أبو الفتح : أنّ أيا وزنه فعل ، وهو مصدر أوى يأوى إذا انضم واجتمع ، أصله : أوى عمل فيه ما عمل في طي مصدر طوي . وهذا كله دعوى لا يقوم دليل على شيء منها . والذي يظهر أنه اسم مبني بسيط لا تركيب فيه ، يأتي للتكثير مثل كم ، وفيه لغات : الأولى وهي التي تقدمت . وكائن ومن ادعى أن هذه اسم فاعل من كان فقوله بعيد . وكئن على وزن كعن ، وكأين وكيين ، ويوقف عليها بالنون . وأكثر ما يجيء تمييزها مصحوباً بمن . ووهم ابن عصفور في قوله : إنه يلزمه مِنْ ، وإذا حذفت انتصب التمييز سواء أوليها أم لم يليها ، نحو قول الشاعر : أطرد اليأس بالرجاء فكاين آلماً عم يسره بعد عسر وقول الآخر : وكائن لنا فضلاً عليكم ونعمة قديماً ولا تدرون ما من منعم الرعب : الخوف ، رعبته فهو مرعوب . وأصله من الملي . يقال : سيل راعب يملأ الوادي ، ورعبت الحوض ملأته . السلطان : الحجة والبرهان ، ومنه قيل للوالي : سلطان . وقيل : اشتقاق السلطان من السليط ، وهو ما يضيء به السراج من دهن السمسم . وقيل : السليط الحديد ، والسلاطة الحدة ، والسلاطة من التسليط وهو القهر . والسلطان من ذلك فالنون زائدة . والسليطة : المرأة الصخابة . والسليط : الرجل الفصيح اللسان . المثوى : مفعل من ثوى يثوى أقام . يكون للمصدر والزمان والمكان ، والثواء : الإقامة بالمكان . الحس : القتل الذريع ، يقال : حسه يحسه . قال الشاعر : حسسناهم بالسيف حساً فأصبحت بقيتهم قد شردوا وتبدّدوا وجراد محسوس قتله البرد ، وسنة حسوس أتت على كل شيء . التنازع : الاختلاف ، وهو من النزع وهو الجذب . ونزع ينزع جذب ، وهو متعد إلى واحد . ونازع متعد إلى اثنين ، وتنازع متعد إلى واحد . قال : فلما تنازعنا الحديث وأسمحت هصرت بغصن ذي شماريخ ميال {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّه الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } هذه الآية وما بعدها عتب شديد لمن وقعت منهم الهفوات يوم أحد . واستفهم على سبيل الإنكار أنْ يظنَّ أحد أنْ يدخل الجنة وهو مخلّ بما افترض عليه من الجهاد والصبر عليه . والمراد بنفي العلم انتفاء متعلقه ، لأنه منتف بانتفائه كما قال تعالى :{ وَلَوْ عَلِمَ اللّه فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ } المعنى : لم يكن فيهم خير ، لأنّ ما لم يتعلق به علم اللّه تعالى موجوداً لا يكون موجوداً أبداً . وأمْ هنا منقطعة في قول الأكثرين تتقدر ببل ، والهمزة على ما قرر في النحو . وقيل : هي بمعنى الهمزة . وقيل : أم متصلة . قال ابن بحر : هي عديلة همزة تتقدر من معنى ما تتقدم ، وذلك أنَّ قوله : { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ وَتِلْكَ الاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا } إلى آخر القصة يقتضي أن يتبع ذلك : أتعلمون أن التكليف يوجب ذلك ، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة من غير اختبار وتحمل مشقة وأن تجاهدوا فيعلم اللّه ذلك منكم واقعاً . انتهى كلامه . وتقدّم لنا إبطال مثل هذا القول . وهذا الاستفهام الذي تضمنته معناه الإنكار والإضراب الذي تضمنته أيضاً هو ترك لما قبله من غير إبطال وأخذ فيما بعده . وقال أبو مسلم الأصبهاني : أم حسبتم نهيٌ وقع بلفظ الاستفهام الذي يأتي للتبكيت . وتلخيصه : لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولما يقع منكم الجهاد . لما قال :{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا } كان في معنى : أتعلمون أن ذلك كما تؤمرون به ، أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير مجاهدة وصبر . وإنما استبعد هذا لأن اللّه تعالى أوجب الجهاد قبل هذه الواقعة ، وأوجب الصبر على تحمل مشاقها ، وبين وجوه مصالحها في الدين والدنيا . فلما كان كذلك كان من البعد أن يصل الإنسان إلى السعادة والجنة مع إهمال هذه القاعدة انتهى كلامه . وظاهره : أن أم متصلة ، وخسبتم هنا بمعنى ظننتم الترجيحية ، وسدّ مسد مفعوليها أن وما بعدها على مذهب سيبويه ، وسد مسد مفعول واحد والثاني محذوف على مذهب أبي الحسن . ولما يعلم : جملة حالية ، وهي نفي مؤكد لمعادلته للمثبت المؤكد بقد . فإذا قلت : قد قام زيد ففيه من التثبيت والتأكيد ما ليس في قولك : قام زيد . فإذا نفيته قلت : لما يقم زيد . وإذا قلت : قام زيد كان نفيه لم يقم زيد ، قاله سيبويه وغيره . وقال الزمخشري : ولما بمعنى لم ، إلا أن فيه ضرباً من التوقع فدلَّ على نفي الجهاد فيما مضى ، وعلى توقعه فيما يستقبل . وتقول : وعدني أن يفعل كذا ، ولما تريد ، ولم يفعل ، وأنا أتوقع فعله انتهى كلامه . وهذا الذي قاله في لما أنَّها تدل على توقع الفعل المنهى بها فيما يستقبل ، لا أعلم أحداً من النحويين ذكره . بل ذكروا أنك إذا قلت : لما يخرج زيد دلَّ ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى متصلاً نفيه إلى وقت الإخبار . أمّا أنها تدل على توقعه في المستقبل فلا ، لكنني وجدت في كلام الفراء شيئاً يقارب ما قاله الزمخشري . قال : لما لتعريض الوجود بخلاف لم . وقرأ الجمهور بكسر الميم لالتقاء الساكنين . وقرأ ابن وثاب والنخعي بفتحها ، وخرج على أنه اتباع لفتحة اللام وعلى إرادة النون الخفيفة وحذفها كما قال الشاعر : لا تهين الفقير علك أن تركع يوماً والدهر قد رفعه وقرأ الجمهور : { ويعلم } برفع الميم فقيل : هو مجزوم ، وأتبع الميم اللام في الفتح كقراءة من قرأ : ولما يعلم بفتح الميم على أحد التخريجين . وقيل : هو منصوب . فعلى مذهب البصريين بإضمار أن بعد واو مع نحو ، لا تأكل السمك وتشرب اللبن . وعلى مذهب الكوفيين بواو الصرف ، وتقرير المذهبين في علم النحو . وقرأ الحسن وابن يعمر وأبو حيوة وعمرو بن عبيد بكسر الميم عطفاً على ولما يعلم . وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو ويعلم برفع الميم . قال الزمخشري : على أن الواو للحال كأنه قيل : ولما تجاهدوا وأنتم صابرون انتهى . ولا يصلح ما قال ، لأن واو الحال لا تدخل على المضارع ، لايجوز : جاء زيدو يضحك ، وأنت تريد جاء زيد يضحك ، لأن المضارع واقع موقع اسم الفاعل . فكما لا يجوز جاء زيد وضاحكاً ، كذلك لا يجوز جاء زيد ويضحك . فإنْ أوّلَ على أن المضارع خبرُ مبتدأ محذوف أمكن ذلك ، التقدير : وهو يعلم الصابرين كما أولوا قوله : نجوت وأرهنهم مالكاً ، أي وأنا أرهنهم . وخرج غير الزمخشري قراءة الرفع على استئناف الاخبار ، أي : وهو يعلم الصابرين . وفي إنكار اللّه تعالى على من ظنّ أنّ دخول الجنة يكون مع انتفاء الجهاد ، والصبر عند لقاء العدوّ دليل على فرضية الجهاد إذ ذاك ، والثبات للعدوّ وقد ذكر في الحديث : { أن التولي عند الزحف من السبع الموبقات} . |
﴿ ١٤٢ ﴾