١٥٣

إذ تصعدون ولا . . . . .

الإصعاد : ابتداء السفر ، والمخرج . والصعود : مصدر صعد رقى من سفل إلى علو ، قاله : الفراء ، وأبو حاتم والزجاج . وقال القتبي : أصعد أبعد في الذهاب ، فكأنه إبعاد كإبعاد الارتفاع . قال : ألا أيهذا السائلي أين صعدت

فإن لها في أرض يثرب موعدا

وأنشد أبو عبيدة : قد كنت تبكيني على الاصعاد

فاليوم سرحت وصاح الحادي

وقال المفضل : صعد ، وأصعد ، وصعد بمعنى واحد . والصعيد : وجه الأرض . وصعدة : إسم من أسماء الأرض . وأصعد : معناه دخل في الصعيد .

فات الشيء أعجز إدراكه ، وهو متعد ، ومصدره : فوت ، وهو قياس فعل المتعدي .

النعاس : النوم الخفيف . يقال : نعس ينعس نعاساً فهو ناعس ، ولا يقال : نعسان . وقال الفراء : قد سمعتها ولكني لا أشتهيها .

المضجع : المكان الذي يتكأ فيه للنوم ، ومنه : { وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ } والمضاجع : المصارع ، وهي أماكن القتل ، سميت بذلك لضجعة المقتول فيها .

الغزو القصد وكذلك المغزى ، ثم أطلق على قصد مخصوص وهو : الإيقاع بالعدو . وتقول : غزا بني فلان ، أوقع بهم القتل والنهب وما أشبه ذلك . وغزى : جمع غازٍ ، كعاف وعفى . وقالوا : غزاء بالمدر . وكلاهما لا ينقاس . أجرى جمع فاعل الصفة من المعتل اللام مجرى صحيحها ، كركع وصوام . والقياس : فعله كقاض وقضاة .

ويقال : أغزت الناقة عسر لقاحها . وأتان مغزية تأخر نتاجها ثم تنتج .

يقال : لأن الشيء يلين ، فهو ليّن . والمصدر : لين ولَيان بفتح اللام ، وأصله في الجرم وهو نعومته ، وانتفاء خشونته ، ولا يدرك إلا باللمس . ثم

توسعوا ونقلوه إلى المعاني .

الفظاظة الجفوة في المعاشرة قولاً وفعلاً . قال الشاعر في ابنة له : أخشى فظاظة عم أو جفاء أخ

وكنت أخشى عليها من أذى الكلم

الغلظ : أصله في الجرم ، وهو تكثر أجزائه . ثم يستعمل في قلة الانفعال والإشفاق والرحمة . كما قال : يبكي علينا ولا نبكي على أحد

لنحن أغلظ أكباداً من الإبل

الانفضاض : التفرق . وفضضت الشيء كسرتُه ، وهو تفرقة أجزائه .

الخذل والخذلان : هو الترك في موضع يحتاج فيه إلى التارك . وأصله : من خذل الظبي ، ولهذا قيل لها : خاذل إذا تركتها أمها . وهذا على النسب أي ذات خذل ، لأن المتروكة هي الخاذل بمعنى مخذولة ،

ويقال : خاذلة . قال الشاعر : بجيد مغزلة إدماء خاذلة

من الظباء تراعي شادناً خرقا

ويقال أيضاً لها : خذول فعول ، بمعنى مفعول . قال : خذول تراعي ربرباً بخميلة

تناول أطراف البريد وترتدي

الغلول : أخذ المال من الغنيمة في خفاء . والفعل منه غلَّ يَغُلُّ بضم الغين . والغل الضغن ، والفعل منه غلَّ يغِلُ بكسر الغين . وقال أبو علي : تقول العرب : أغل الرجل إغلالاً ، خان في الأمانة . قال النمر : جزى اللّه عني جمرة بن نوفل

جزاء مغل بالأمانة كاذب

وقال بعض النحويين : الغلول مأخوذ من الغلل وهو الماء الجاري في أصول الشجر والروح . ويقال أيضاً في الغلول : أغل إغلالاً وأغلّ الحارز سرق شيئاً من اللحم مع الجلد .

ويقال : أغله وجده غالاً كقولك : أبخلته وجدته بخيلاً . السخط مصدر سخط ، جاء على القياس . ويقال فيه : السُخْطُ بضم السين وسكون الخاء .

ويقال : مات فلان في سخطة الملك أي في سخطة . والسخط الكراهة المفرطة ، ويقابله الرضا . { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى أُخْرَاكُمْ } هذه الجمل التي تضمنت التوبيخ والعتب الشديد . إذ هو تذكار بفرار من فرّ وبالغ في الهرب ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعوه إليه . فمن شدّة الفرار واشتغاله بنفسه وهو يروم نجاتها لم يصغ إلى دعاء الرسول ، وهذا من أعظم العتب حيث فرّ ، والحالة أن رسول اللّه يدعوه إليه .

وقرأ الجمهور : تصعدون مضارع أصعد ، والهمزة في أصعد للدخول . أي : دخلتم في الصعيد ، ذهبتم فيه . كما تقول : أصب ح زيد ، أي دخل في الصباح .

فالمعنى : إذ تذهبون في الأرض . وتبين ذلك قراءة أبي : إذ تصعدون في الوادي .

وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن ومجاهد وقتادة واليزيدي : تصعدون من صعد في الجبل إذا ارتقى إليه .

وقرأ أبو حيرة : تصعدون من تصعد في السلم ، وأصله : تتصعدون ، فحذفت إحدى التاءين على الخلاف في ذلك ، أي تاء المضارعة ؟ أم تاء تفعل ؟ والجمع بينهما أنهم أولاً أصعدوا في الوادي لما أرهقهم العدو ، وصعدوا في الجبل .

وقرأ ابن محيصن وابن كثير في رواية شبل : يصعدون ولا يلوون بالياء على الخروج من الخطاب إلى الغائب . والعامل في إذا ذكر محذوفة . أو عصيتم ، أو تنازعتم ، أو فشلتم ، أو عفا عنكم ، أو ليبتليكم ، أو صرفكم ، وهذان عن الزمخشري ، وما قبله عن ابن عطية . والثلاثة قبله بعيدة لطول الفصل . والأول جيد ، لأنَّ ما قبل إذ جمل مستقلة يحسن السكوت عليها ، فليس لها تعلق إعرابي بما بعدها ، إنما تتعلق به من حيث أنَّ السياق كله في قصة واحدة . وتعلقه بصرفكم جيد من حيث المعنى ، وبعفا عنكم جيد من حيث القرب .

ومعنى ولا تلوون على أحد : أي لا ترجعون لأحد من شدة الفرار . لوى بكذا ذهب به . ولوى عليه : كر عليه وعطف . وهذا أشد في المبالغة من قوله :

أخو الجهد لا يلوي على من تعذرا

لأنه في الآية نفي عام ، وفي هذا نفي خاص ، وهو على من تعذرا ، وقال دريد بن الصمة : وهل يرد المنهزم شيء وقرىء تلؤن بإبدال واو وهمزة وذلك لكراهة إجتماع الواوين وقياس هذه الواو المضمومة ، أن لاتبدل همزة لأن الضمة فيها عارضة ، ومتى وقعت الواو غير ، وهي مضمومة فلا يجوز الإبدال منها همزة إلا بشرطين

أحدهما : أن تكون الضمة لازمة .

الثاني : أن لا تكون يمكن تخفيفها بالإسكان . مثال ذلك : فووج وفوول . وغوور . فهنا يجوز فؤوج وقؤول وغؤور بالهمز . ومثل كونها عارضة : هذا دلوك . ومثل إمكان تخفيفها بالإسكان : هذا سور ، ونور ، جمع سوار ونوار . فإنك تقول فيهما : سور ونور . ونبه بعض أصحابنا على شرط آخر وهو لا بد منه ، وهو : أن لا يكون مدغماً فيها نحو : تعود ، فلا يجوز فيه تعوذ بإبدال الواو المضمومة همزة . وزاد بعض النحويين شرطاً آخر وهو : أن لا تكون الواو زائدة نحو : الترهوك وهذا الشرط ليس مجمعاً عليه .

وقرأ الحسن : تلون ، وخرجوها على قراءة من همز الواو ، ونقل الحركة إلى اللام ، وحذف الهمزة .

قال ابن عطية : وحذفت إحدى الواوين الساكنين ، وكان قد قال في هذه القراءة : هي قراءة متركبة على قراءة من همز الواو المضمومة ، ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام انتهى . وهذا كلام عجيب تخيل هذا الرجل أنه قد نقلت الحركة إلى اللام فاجتمع واوان ساكنان ، إحداهما : الواو التي هي عين الكلمة ، والأخرى : واو الضمير . فحذفت إحدى الواوين لأنهما ساكنان ، وهذا قول من لم يمعن في صناعة النحو . لأنها إذا كانت متركبة على لغة من همز الواو ثم نقل حركتها إلى اللام ، فإن الهمزة إذ ذاك تحذف ، ولا يلتقي واوان ساكنان . ولو قال : استثقلت الضمة على الواو ، لأن الضمة كأنها واو ، فصار ذلك كأنه جمع ثلاث واواوت ، فتنقلب الضمة إلى اللام ، فالتقى ساكنان ، فحذفت الأولى منهما ، ولم يبهم في قوله إحدى الواوين لأمكن ذلك في توجيه هذه القراءة الشاذة ، أما أنْ يبنى ذلك على أنه على لغة من همز على زعمه ، فلا يتصور . ويحتمل أن يكون مضارع ولي وعدي بعلي ، على تضمين معنى العطف . أي : لا تعطفون على أحد .

وقرأ الأعمش وأبو بكر في رواية عن عاصم : تلوون من ألوى ، وهي لغة في لوى . وظاهر قوله على أحد العموم .

وقيل : المراد النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وعبر بأحد عنه تعظيماً له وصوناً لاسمه أن يذكر عند ذهابهم عنه ، قاله : ابن عباس والكلبي .

وقرأ حميد بن قيس على أُحُد بضم الهمزة والحاء ، وهو الجبل .

قال ابن عطية : والقراءة الشهيرة أقوى ، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يكن على الجبل إلا بعد ما فرّ الناس عنه ، وهذه الحال من أصعادهم إنما كانت وهو يدعوهم انتهى . وقال غيره : الخطاب فيه لمن أمعن في الهرب ولم يصعد الجبل على من صعد . ويجوز أن يكون أراد بقوله : ولا تلوون على أحد ، أي من كان على جبل أحد ، وهو النبي صلى اللّه عليه وسلم ومن معه الذين صعدوا . وتلوون هو من ليّ العنق ، لأن مَن عرج على الشيء يلوي عنقه ، أو عنان دابته . والألف واللام في الرسول للعهد . ودعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، روي أنه كان يقول :  { إليّ عباد اللّه } والناس يفرون عنه . وروي :  { أي عباد اللّه ارجعوا } قاله : ابن عباس :

وفي رواية:  { ارجعوا إليّ فإني رسول اللّه من يكر له الجنة } وهو قول : السدي ، والربيع . قال القرطبي : وكان دعاؤه تغيير للمنكر ، ومحال أن يرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المنكر وهو الانهزام ثم لا ينهى عنه .

ومعنى في أخراكم : أي في ساقتكم وجماعتكم الأخرى ، وهي المتأخرة . يقال : جئت في آخر الناس وأخراهم ، كما تقول : في أولهم وأولاهم بتأويل مقدّمتهم وجماعتهم الأولى .

وفي قوله : في أخراكم دلالة عظيمة على شجاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فإن الوقوف على أعقاب الشجعان وهم فرار والثبات فيه إنما هو للأبطال الأنجاد ، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشجع الناس . قال سلمة : كنا إذا احمرّ البأس اتقيناه برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. { فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمّ } الفاعل بأثابكم هو اللّه تعالى . وقال الفراء : الإثابة هنا بمعنى المغالبة انتهى . وسمى الغم ثواباً على معنى أنه قائم في هذه النازلة مقام الثواب الذي كان يحصل لولا الفرار . فهو نظير قوله :

تحية بينهم ضرب وجيع

وقوله : أخاف زياد أن يكون عطاؤه

أداهم سوداً أو محدرجة سمرا

جعل القيود والسياط عطاء ، ومحدرجة بمعنى مدحرجة . والباء في بغم : إمّا أن تكون للمصاحبة ، أو للسبب . فإن كانت للمصاحبة وهي التي عبر بعضهم عنها بمعنى : مع . والمعنى : غماً مصاحباً لغم ، فيكون الغمان إذ ذاك لهم . ف

الأول : هو ما أصابهم من الهزيمة والقتل .

والثاني : إشراف خالد بخيل المشركين عليهم ، قاله : ابن عباس ، ومقاتل .

وقيل : الغم الأوّل سببه فرارهم الأوّل ، والثاني سببه فرارهم حين سمعوا أن محمداً قد قتل قاله : مجاهد .

وقيل : الأوّل ما فاتهم من الغنيمة وأصابهم من الجراح والقتل . والثاني حين سمعوا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قتل ، قاله : قتادة والربيع .

وقيل : عكس هذا الترتيب ، وعزاه ابن عطية إلى قتادة ومجاهد .

وقيل : الأول ما فاتهم من الغنيمة والفتح .

والثاني : إشراف أبي سفيان عليهم ، ذكره الثعلبي .

وقيل : الأول هو قتلهم وجراحهم وكل ما جرى في ذلك المأزق .

والثاني : إشراف أبي

سفيان على النبي صلى اللّه عليه وسلم ومن كان معه ، قاله : السدي ومجاهد أيضاً وغيرهما . وعبر الزمخشري عن هذا المعنى وهو اجتماع الغمين لهم بقوله : غماً بعد غم ، وغماً متصلاً بغم من الاغتمام بما أرجف به من قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والجرح ، والقتل ، وظفر المشركين ، وفوت الغنيمة ، والنصر انتهى كلامه . وقوله : غماً بعد غم تفسير للمعنى ، لا تفسير إعراب . لأن الباء لا تكون بمعنى بعد . وإن كان بعضهم قد ذهب إلى ذلك . ولذلك قال بعضهم : إن المعنى غماً على غم ، فينبغي أن يحمل على تفسير المعنى ، وإن كان بعضهم قد ذهب إلى ذلك . ولذلك قالبعضهم : إن المعنى غماً على غم ، فينبغي أن يحمل على تفسير المعنى ، وإن كان بعضهم قد ذهب إلى ذلك . وإن كانت الباء للسبب وهي التي عبر بعضهم عنها أنها بمعنى الجزا ، فيكون الغم الأوّل للصحابة . والثاني قال الحسن وغيره : متعلقه المشركون يوم بدر . والمعنى : أثابكم غماً بالغم الذي أوقع على أيديكم بالكفار يوم بدر .

قال ابن عطية : فالباء على هذا باء معادلة ، كما قال أبو سفيان يوم بدر : والحرب سجال . وقال قوم منهم الزجاج ، وتبعه الزمخشري : متعلقه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والمعنى : جازاكم غماً بسبب الغم الذي أدخلتموه على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسائر المؤمنين بفشلكم وتنازعكم وعصيانكم .

قال الزمخشري : ويجوز أن يكون الضمير في : فأثابكم للرسول ، أي فآساكم في الاغتمام ، وكما غمكم ما نزل به من كسر الرباعية والشجة وغيرهما غمه ما نزل بكم ، فأثابكم عما اغتمه لأجلكم بسبب غم اغتممتموه لأجله ، ولم يثربكم على عصيانكم ومخالفتكم ، وإنما فعل ذلك ليسليكم وينفس عنكم ، كيلا تحزنوا على ما فاتكم من نصر اللّه ، ولا على ما أصابكم من غلبة العدوّ انتهى كلامه . وهو خلاف الظاهر . لأن المسند إليه الأفعال السابقة هو اللّه تعالى ، وذلك في قوله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّه وَعْدَهُ } وقوله :{ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ }{ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } واللّه فيكون قوله :{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّه وَعْدَهُ } وقوله :{ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ }{ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } واللّه فيكون قوله : فأثابكم مسنداً إلى اللّه تعالى . وذكر الرسول إنما جاء في جملة حالية نعى عليهم فرارهم مع كون من اهتدوا على يده يدعوهم ، فلم يجيء مقصوداً لأن يحدث عنه ، إنما الجملة التي ذكر فيها في تقدير المفرد إذ هي حال .

وقال الزمخشري : فأثابكم عطف على صرفكم انتهى . وفيه بعدٌ لطول الفصل بين المتعاطفين . والذي يظهر أنه معطوف على تصعدون ولا تلوون ، لأنه مضارع في معنى الماضي ، لأن إذ تصرف المضارع إلى الماضي ، إذ هي ظرف لما مضى . والمعنى : إذ صعدتم وما لويتم على أحد فأثابكم .

{لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ } اللام لام كي ، وتتعلق بقوله : فأثابكم . فقيل : لا زائدة لأنه لا يترتب على الاغتمام انتفاء الحزن .

فالمعنى : على أنه غمهم ليحزنهم عقوبة لهم على تركهم موافقتهم قاله : أبو البقاء وغيره . وتكون كهي في قوله :{ لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ } إذ تقديره : لأن يعلم . ويكون أعلمهم بذلك تبكيتاً لهم ، وزجراً أنْ يعودوا لمثله . والجمهور على أن لا ثابتة على معناها من النفي . واختلفوا في تعليل الإثابة بانتفاء الحزن على ما ذكر .

فقال الزمخشري : لكيلا تحزنوا لتتمرّنوا على تجرع الغموم ، وتضروا باحتمال الشدائد ، فلا تحزنوا فيما بعد على فائت من المنافع ، ولا على مصيب من المضار انتهى . فجعل العلة في الحقيقة ثبوتية ، وهي التمرن على تجرع الغموم والاعتياد لاحتمال الشدائد ، ورتب على ذلك انتفاء الحزن ، وجعل ظرف الحزن هو مستقبل لا تعلق به بقصة أحد ، بل لينتفي الحزن عنكم بعد هذه القصة . و

قال ابن عطية : المعنى لتعلموا أن ما وقع بكم إنما هو بجنايتكم ، فأنتم أذيتم أنفسكم . وعادة البشر أنَّ جاني الذنب يصبر للعقوبة ، وأكثر قلق المعاقب وحزنه إنما وقع هو مع ظنه البراءة بنفسه انتهى . وهذا تفسير مخالف لتفسير الزمخشري . ومن المفسرين من ذهب إلى أن قوله :

لكيلا تحزنوا متعلق بقوله : ولقد عفا عنكم ، ويكون اللّه أعلمهم بذلك تسلية لمصابهم وعوضاً لهم عن ما أصابهم من الغم ، لأن عفوه يذهب كل غم . وفيه بعد لطول الفصل ، ولأن ظاهره تعلقه بمجاورة وهو فأثابكم .

قال ابن عباس : والذي فاتهم من الغنيمة ، والذي أصابهم من الفشل والهزيمة ، ومما تحتمله الآية : أنه لما ذكر اصعادهم وفرارهم مجدّين في الهرب في حال ادعاء الرسول صلى اللّه عليه وسلم إليه بالرجوع عن الهرب والانحياز إلى فئته ، كان الجد في الهرب سبباً لاتصال الغموم بهم ، وشغلهم بأنفسهم طلباً للنجاة من الموت ، فصار ذلك أي : شغلهم بأنفسهم واغتمامهم المتصل بهم من جهة خوف القتل سبباً لانتفاء الحزن على فائت من الغنيمة ، ومصاب من الجراح والقتل لإخوانهم ، كأنه قيل : صاروا في حالة من اغتمامهم واهتمامم بنجاة أنفسهم بحيث لا يخطر لهم ببال حزن على شيء فايت ولا مصاب وإن جل ، فقد شغلهم بأنفسهم لينتفي الحزن منهم . { وَاللّه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } هذه الجملة تقتضي تهديداً ، وخص العمل هنا وإن كان تعالى خبيراً بجميع الأحوال من الأعمال والأقوال والنيات ، تنبيهاً على أعمالهم من تولية الأدبار والمبالغة في الفرار ، وهي أعمال تخشى عاقبتها وعقابها .

﴿ ١٥٣