١٦٨

الذين قالوا لإخوانهم . . . . .

هذه الآية نظير قوله :  { وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض } الآية وفسر الإخوان هنا بما فسر به هناك . وتحتمل لام الجر ما احتملته في تلك ، وجوزوا في إعراب الذين وجوهاً : الرفع على النعت للذين نافقوا ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو على أنه بدل من الواو في يكتمون ، والنصب على الذم أي : أذم الذين ، والجرّ على البدل من الضمير في بأفواههم أو في قلوبهم .

والجملة من قوله : وقعدوا حالية أي : وقد قعدوا . ووقوع الماضي حالاً في مثل هذا التركيب مصحوباً بقد ، أو بالواو ، أو بهما ، أو دونهما ، ثابت من لسان العرب بالسماع . ومتعلق الطاعة هو ترك الخروج . والقعود كما قعدوا هم ، وهذا منهم قول بالأجلين أي : لو وافقونا في التخلف والقعود ما قتلوا ، كما لم نقتل نحن .

وقرأ الحسن : ما قتلوا بالتشديد . { قُلْ فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أكذبهم اللّه تعالى في دعواهم ذلك ، فكأنه قيل : القتل ضرب من الموت ، فإنْ كان لكم سبيل إلى دفعه عن أنفسكم بفعل اختياري فادفعوا عنها الموت ، وإن لم يكن ذلك دلّ على أنكم مبطلون في دعواكم . والدرة : الدفع ، وتقدّمت مادته في قوله :{ فادارأتم فيها } وقال دغفل النسابة : صادف درء السيل درأ يدفعه

والعبء لا تعرفه أو ترفعه

والمعنى : إنْ كنتم صادقين في دعواكم أنَّ التحيل والتحرز ينجي من الموت ، فجدّوا أنتم في دفعه ، ولن تجدوا إلى ذلك سبيلاً بل لا بد أن يتعلق بكم بعض أسباب المنون . وهب أنكم على زعمكم دفعتم بالقعود هذا السبب الخاص ، فادفعوا سائر أسباب الموت ، وهذا لا يمكن لكم ألبتة .

قال الزمخشري{ فإن قلت } : فقد كانوا صادقين في أنهم دفعوا القتل عن أنفسهم بالقعود ، فما معنى قوله : إن كنتم صادقين ؟ { قلت} : معناه أنّ النجاة من القتل يجوز أن يكون سببها القعود عن القتال ، وأن يكون غيره . لأن أسباب النجاة كثيرة . وقد يكون قتال الرجل نجاته ، ولو لم يقاتل لقتل ، فما يدريكم أن سبب نجاتكم القعود وإنكم صادقون في مقاتلتكم وما أنكرتم أن يكون السبب غيره ؟ ووجه

آخر : إن كنتم صادقين في قولكم : لو أطاعونا وقعدوا ما قتلوا ، يعني : أنهم لو أطاعوكم وقعدوا لقتلوا قاعدين ، كما قتلوا مقاتلين . وقوله : فادرؤا عن أنفسكم الموت ، استهزاء بهم ، أي إن كنتم رجالاً دفاعين لأسباب الموت فادرؤا جميع أسبابه حتى لا تموتوا انتهى كلامه . وهو حسن على طوله .

{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللّه أَمْواتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ}

﴿ ١٦٨