١٧٠فرحين بما آتاهم . . . . . {فَرِحِينَ بِمَا ءاتَاهُمُ اللّه مِن فَضْلِهِ } أي مسرورين بما أعطاهم اللّه من قربه ، ودخول جنته ، ورزقهم فيها ، إلى سائر ما أكرمهم به ، ولا تعارض بين : فرحين ، وبين { إِنَّ اللّه لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } في قصة قارون . لأنّ ذاك بالملاذ الدنيوية ، وهذا بالملاذ الأخروية . ولذلك جاء قلْ بفضل اللّه وبرحمته ، فبذلك فليفرحوا وجاء :{ وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} ومن يحتمل أن تكون للسبب ، أي : ما آتاهم اللّه متسبب عن فضله ، فتتعلق الباء بآتاهم . ويحتمل أن تكون للتبعيض ، فتكون في موضع الحال من الضمير المحذوف العائد على ما ، أي : بما آتاهموه اللّه كائناً من فضله . ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية ، فتتعلق بآتاهم . وجوّزوا في فرحين أن يكون حالاً من الضمير في يرزقون ، أو من الضمير في الظرف ، أو من الضمير في أحياء ، وأن يكون صفة لأحياء إذا نصب . {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مّنْ خَلْفِهِمْ } وهم : جميع المؤمنين ، أي : يحصل لهم البشرى بانتفاء الخوف والحزن عن أخوانهم المؤمنين الذين لم يلحقوا بهم في الشهادة ، فهم فرحون بما حصل لهم ، مستبشرون بما يحصل لأخوانهم المؤمنين قاله : الزجاج وابن فورك وغيرهما . وقال قتادة وابن جريج والربيع وغيرهم : هم الشهداء الذين يأتونهم بعد من أخوانهم المؤمنين الذين تركوهم يجاهدون فيستشهدون ، فرحوا لأنفسهم ولمن يلحق بهم من الشهداء ، إذ يصيرون إلى ما صاروا إليه من كرامة اللّه تعالى . قال ابن عطية : وليست استفعل في هذا الموضع بمعنى طلب البشارة ، بل هي بمعنى استغنى اللّه واستمجد المرخ والعفار . انتهى كلامه . أما قوله : ليست بمعنى طلب البشارة فصحيح ، وأما قوله : بل هي بمعنى استغنى اللّه واستمجد المرخ والعفار ، فيعني أنها تكون بمعنى الفعل المجرد كاستغنى بمعنى غني ، واستمجد بمعنى مجد ، ونقل أنه يقال : بشِر الرجل بكسر الشين ، فيكون استبشر بمعناه . ولا يتعين هذا المعنى ، بل يجوز أن يكون مطاوعاً لأفعل ، وهو الأظهر أي : أبشره اللّه فاستبشر ، كقولهم : أكانه فاستكان ، وأشلاه فاستشلى ، وأراحه فاستراح ، وأحكمه فاستحكم ، وأكنه فاستكنّ ، وأمرّه فاستمرّ ، وهو كثير . وإنما كان هذا الأظهر هنا ، لأنه من حيث المطاوعة يكون منفعلاً عن غيره ، فحصلت له البشر بابشار اللّه له بذلك . ولا يلزم هذا المعنى إذا كان بمعنى المجرد ، لأنه لا يدل على المطاوعة . ومعنى : من خلفهم ، قد بقوا بعدهم ، وهم قد تقدّموهم إذا كان المعنى بالذين لم يلحقوا الشهداء ، وإن كان المعنيّ بهم المؤمنين فمعنى لم يلحقوا بهم أي : لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم . {أَن لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } وجوزوا في إعراب ويستبشرون أن يكون معطوفاً على فرحين ومستبشرين كقوله :{ صافات ويقبضن } أي قابضات وأن يكون على إضمارهم . والوا للحال ، فتكون حالية من الضمير في فرحين ، أو من ضمير المفعولين في آتاهم ، أو للعطف . ويكون مستأنفاً من باب عطف الجملة الاسمية أو الفعلية على نظيرها . وإن هي المخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ضمير الشأن ، وخبرها الجملة المنفية بلا . وإن ما بعدها في تأويل مصدر مجرور على أنه بدل اشتمال من الذين ، فيكون هو المستبشر به في الحقيقة . أو منصوب على أنه مفعول من أجله ، فيكون علة للاستبشار ، والمستبشر به غيره . التقدير : لأنه لا خوف عليهم . والذوات لا يستبشر بها فلا بد من تقدير مضاف مناسب ، وتقدّم تفسير : لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فأغني عن إعادته . وفي ذكر حال الشهداء واستبشارهم بمن خلفهم بعث للباقين بعدهم على ازدياد الطاعة ، والجد في الجهاد ، والرغبة في نيل منازل الشهداء وإصابة فضلهم ، وإحماد لحال من يرى نفسه في خير فيمتنى مثله لإخوانه في اللّه ، وبشرى للمؤمنين بالفوز في المآب قاله : الزمخشري . وهو كلام حسن . قيل : وتضمنت هذه الآيات من ضروب البديع ، الطباق في قوله : لقد منّ اللّه الآية ، إذ التقدير منّ اللّه عليهم بالهداية ، فيكون في هذا المقدّر . وفي قوله : في ضلال مبين ، وفي : يقولون بأفواههم ، والقول ظاهر ويكتمون . وفي قالوا لإخوانهم وقعدوا ، إذ التقدير حين خرجوا وقعدوا هم . وفي : أمواتاً بل أحياء وفي : فرحين ويحزنون . والتكرار في : وليعلم المؤمنين ، وليعلم الذين نافقوا الاختلاف متعلق العلم . وفي فرحين ويستبشرون . والتجنيس المغاير في : إصابتكم مصيبة ، والمماثل في : أصابتكم قد أصبتم . والاستفهام الذي يراد به الإنكار في : أو لما أصابتكم . والاحتجاج النظري في : قل فادرأوا عن أنفسكم . والتأكيد في : ولا هم يحزنون . والحذف في عدة مواضع لا يتم المعنى إلا بتقديرها . |
﴿ ١٧٠ ﴾