١٧١

يستبشرون بنعمة من . . . . .

الحظ النصيب ، وإذا لم يقيد فإنما يستعمل في الخير . ماز و مير : فصل الشيء من الشيء . قال يعقوب : هما لغتان بمعنى واحد انتهى . والتضعيف ليس للنقل .

وقيل : التشديد أقرب إلى الفخامة وأكثر في الاستعمال ، ألا ترى أنهم استعملوا المصدر على نية التشديد فقالوا : التمييز ، ولم يقولوا الميز انتهى . ويعني : ولم تقولوه مسموعاً ،

وأما بطريق القياس فيقال .

وقيل : لا يكون ما زالا في كثير من كثير ، فأما واحد من واحد فيتميز على معنى يعزل ، ولهذا قال أبو معاذ : يقال : ميزت بين شيئين ، ومزت بين الأشياء . اجتبى : اختار واصطفى ، وهي من جبيت الماء ، والمال وجبوتهما فاجتبى ، افتعل منه . فيحتمل أن تكون اللام واو أو ياء .

{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللّه وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّه لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } كرر الفعل على سبيل التوكيد ، إن كانت النعمة والفضل بياناً لمتعلق الاستبشار الأول ، قاله : الزمخشري . قال : وكرّر يستبشرون ليعلق به ما هو بيان لقوله :{ أَن لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } من ذكر النعمة والفضل ، وأن ذلك أجر لهم على إيمانهم ، يجب في عدل اللّه وحكمته أن يحصل لهم ولا يضيع انتهى . وهو على طريقة الاعتزال ، في ذكره وجوب الأجر وتحصيله على إيمانهم . وسلك ابن عطية طريقة أهل السنة فقال : أكد استبشارهم بقوله : يستبشرون ، ثم بين بقوله : وفضل إدخالهم الجنة الذي هو فضل منه ، لا بعمل أحد ،

وأما النعمة في الجنة والدرجات فقد أخبر أنها على قدر الأعمال انتهى .

وقال غيرهما : هو بدل من الأول ، فلذلك لم يدخل عليه واو العطف . ومن ذهب إلى أنّ الجملة حال من الضمير في يحزنون ، ويحزنون هو العامل فيها ، فبعيد عن الصواب . لأن الظاهر اختلاف المنفى عنه الحزن والمستبشر ، ولأن الحال قيد ، والحزن ليس بمقيد . والظاهر أنَّ قوله : يستبشرون ليس بتأكيد للأول ، بل هو استئناف متعلق بهم أنفسهم ، لا بالذين لم يلحقوا بهم . فقد اختلف متعلق الفعلين ، فلا تأكيد لأن هذا المستبشر به هو لهم ، وهو : نعمة اللّه عليهم وفضله . وفي التنكثير دلالة على بعض غير معين ، وإشارة إلى إبهام المراد تعظيماً لأمره وتنبيهاً على صعوبة إدراكه ، كما جاء فيها { مَا لاَ عِينٌ وَيَجْعَلُونَ للّه الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشّرَ } والظاهر تباين النعمة والفضل للعطف ، ويناسب شرحهما أن ينزل على قوله :{ لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى } وزيادة فالحسنى هي النعمة ، والزيادة هي الفضل لقرينة قوله : أحسنوا وقوله { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}

وقال الزجاج : النعمة هي الجزاء والفضل زائد عليه قدر الجزاء .

وقيل : النعمة قدر الكفاية ، والفضل المضاعف عليها مع مضاعفة السرور بها واللذة .

وقيل : الفضل داخل في النعمة دلالة على اتساعها ، وأنها ليست كنعم الدنيا .

وقرأ الكسائي وجماعة : وإن اللّه بكسر الهمزة على الاستئناف ويؤيده قراءة عبد اللّه ومصحفه : واللّه لا يضيع أجره .

وقال الزمخشري : وعلى أن

الجملة اعتراض ، وهي قراءة الكسائي انتهى . وليست الجملة هنا اعتراضاً لأنها لم تدخل بين شيئين أحدهما يتعلق بالآخر ، وإنما جاءت لاستئناف أخبار .

وقرأ باقي السبعة والجمهور : بفتح الهمزة عطفاً على متعلق الاستبشار ، فهو داخل فيه . قال أبو علي : يستبشرون بتوفير ذلك عليهم ، ووصوله إليهم ، لأنه إذا لم يضعه وصل إليهم ولم يبخسوه . ولا يصح الاستبشار بأن اللّه لا يضيع أجر المؤمنين ، لأن الاستبشار إنما يكون بما لم يتقدم به علم ، وقد علموا قبل موتهم إن اللّه لا يضيع أجر المؤمنين ، فهم يستبشرون بأن اللّه ما أضاع أجورهم حتى اختصهم بالشهادة ومنحهم أتم النعمة ، وختم لهم بالنجاة والفوز ، وقد كانوا يخشون على إيمانهم ، ويخافون سوء الخاتمة المحبطة للأعمال ، فلما رأوا ما للمؤمنين عند اللّه من السعادة وما اختصهم به من حسن الخاتمة التي تصحّ معها الأجور وتضاعف الأعمال ، استبشروا ، لأنهم كانوا على وجل من ذلك انتهى كلامه . وفيه تطويل شبيه بالخطابة . قيل : ويجوز أن يكون الاستبشار لمن خلفوه بعدهم من المؤمنين لما عاينوا منزلته عند اللّه .

﴿ ١٧١