١٨١

لقد سمع اللّه . . . . .

الزبر : جمع زبور ، وهو الكتاب . يقال : زبرت أي كتبت ، فهو بمعنى مفعول أي : مزبور ، كالركوب بمعنى المركوب . وقال امرؤ القيس : لمن طلل أبصرته فشجاني

كخط زبور في عسيب يمان

ويقال : زبرته قرأته ، وزبرته حسنته ، وتزبرته زجرته .

وقيل : اشتقاق الزبور من الزبرة ، وهي القطعة من الحديد التي تركت بحالها .

الزحزحة : التنحية والإبعاد ، تكرير الزح وهو الجذب بعجلة

ويقال : مكان زحزح أي بعيد .

الفوز : النجاة مما يحذر والظفر بما يؤمل ، وسميت الأرض القفر البعيدة المخوف من الهلاك فيها مفازة على سبيل التفاؤل ، لا من قطعها فاز .

وقيل : لأنها مظنة تفويز ، ومظنة هلاك . تقول العرب : فوّز الرجل مات .

{لَّقَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّه فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } نزلت في فنحاص بن عازوراء ، حاوره أبو بكر في الإسلام وأن يقرض اللّه قرضاً حسناً فقال : هذه المقالة فضربه أبو بكر ومنعه من قبله العهد ، فشكاه إلى الرسول وأنكر ما قال ، فنزلت تكذيباً لفنحاص ، وتصديقاً للصديق قاله : ابن عباس ، وعكرمة ، والسدّي ، ومقاتل ، وابن إسحاق رضي اللّه عنهم ، وساقوا القصة مطولة . وقال قتادة : نزلت في حيي بن أخطب ، وقال هو أيضاً والحسن ومعمر وغيرهم : في اليهود . وذكر أبو سليمان الدمشقي في الياس بن عمر . ولما نزل { مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللّه قَرْضًا حَسَنًا } قال أو قالوا : إنما يستقرض الفقير الغني ، والظاهر أن قائل ذلك جمع ، فيمكن أن ذلك صدر من فنحاص أو حيي أولاً ، ثم تقاولها اليهود ، أو صدر ذلك من واحد فقط ، ونسب للجماعة على عادة كلام العرب في نسبتها إلى القبيلة فعل الواحد منها .

ومعنى لقد سمع اللّه : أنه لم يخف عليه تعالى مقالتهم ، ومقالتهم هذه إما على سبيل الاستهزاء بما نزل من طلب الإقراض ،

وإما على سبيل الجدل والإلزام ، لأن من طلب الإقراض كان فقيراً .

وإما على الإعتقاد ، ولا يستبعد ذلك من عقولهم ، إذ قد حكى اللّه عنهم { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } وأياماً كان من هذه الأسباب ، فذلك دليل

على تمردهم في الكفر والمبالغة فيه ، حيث نسبوا الموجَد الأشياء من العدم الصرف إلى الوجود الغني بذاته عما أوجده الوصف الدال على الافتقار لبعض ما أوجده ، ونسبوا العكس إلى أنفسهم ، وجاءت الجملة مؤكدة باللام مؤذنة بعلمه بمقالتهم ومؤكدة له ، وحيث نسبوا إلى اللّه ما نسبوا ، أكدوا الجملة بأن على سبيل المبالغة . وحيث نسبوا إلى أنفسهم ما نسبوا لم يؤكدوا ، بل أخرجوا الجملة مخرج ما لا يحتاج إلى تأكيد ، كأنَّ الغنى وصف لهم لا يمكن فيه نزاع ، فيحتاج إلى أنْ يؤكد .

{سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الاْنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ } الظاهر إجراء الكتابة على أنها حقيقة ، قال ذلك كثير من العلماء . وأنها تكتب الأعمال في صحف ، وأن تلك الصحف هي التي توزن ، ويحدث اللّه سبحانه وتعالى فيها الخفة والثقل بحسب ما كتب فيها من الخير والشر .

وقيل : سنكتب ما قالوا في القرآن حتى يعلم القوم شدة تعنتهم وحسدهم في الطعن عليه صلى اللّه عليه وسلم. وذهب قوم : إلى أن الكتابة مجاز ومعناها الإحصاء للشيء وضبطه وعدم إهماله وكينونته في علم اللّه شيئاً محفوظاً لا ينسى ، كما يثبت المكتوب . وذهب إلى أن معنى سنكتب : سنوجب عليهم في الآخرة جزاء ما قالوه في الدنيا كقوله :{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ } وجاء سنكتب بلفظ المستقبل دون لفظ الماضي ، لأنه تضمن المجازاة على ما قالوه . وفيه من التهديد والوعيد ما لا يخفى . ونسب إليهم قتلهم الأنبياء ، وإن كان من فعل آبائهم ، لما كانوا راضين به . وقد سموا أيضاً رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهموا بقتله ، ودل هذا القول وهذا الفعل على جميع الأقوال والأفعال القبيحة التي صدرت منهم . إذ القول في هذه الآية أشنع الأقوال في اللّه تعالى ، والقتل أشنع الأفعال التي فعلوها مع أنبياء اللّه تعالى ، وتشريك القتل مع هذا القول يدل على أنهما يسببان في استحقاق العقاب . ولما كان الصادر منهم قولاً وفعلاً ناسب أن يكون الجزاء قولاً وفعلاً ، فتضمن القول والفعل قوله تعالى : ونقول ذوقوا عذاب الحريق . وفي الجمع بين القول والفعل أعظم انتقام ، ويقال للمنتقم منه : أحس وذق .

وقال أبو سفيان لحمزة رضي اللّه عنه لما طعنه وحشي : ذق عقق ، واستعير لمباشرة العذاب الذوق ، لأن الذوق من أبلغ أنواع المباشرة ، وحاستها متميزة جداً . والحريق : المحرق فعيل بمعنى مفعل ، كأليم بمعنى مؤلم .

وقيل : الحريق طبقة من طباق جهنم .

وقيل : الحريق الملتهب من النار ، والنار تشمل الملتهبة وغير الملتهبة ، والملتهبة أشدها . والظاهر أنَّ هذا القول يكون عند دخولهم جهنم .

وقيل : قد يكون عند الحساب ، أو عند الموت . وأنَّ وما بعدها محكى بقالوا . وأجاز أبو البقاء أن يكون محكياً بالمصدر ، فيكون من باب الأعمال . قال : وإعمالُ الأول أصلٌ ضعيف ، ويزداد ضعفاً لأن الثاني فعل والأول مصدر ، وإعمال الفعل أقوى . والظاهر أنَّ ما فيما قالوا موصولة بمعنى الذي ، وأجيز أن تكون مصدرية .

وقرأ الجمهور : سنكتب وقتلهم بالنصب . ونقول : بنون المتكلم المعظم . أو تكون للملائكة .

وقرأ الحسن والأعرج سيكتب بالياء على الغيبة .

وقرأ حمزة : سيكتب بالياء مبنياً للمفعول ، وقتلهم بالرفع عطفاً على ما ، إذ هي مرفوعة بسيكتب ، ويقول بالياء على الغيبة .

وقرأ طلحة بن مصرّف : سنكتب ما يقولون .

وحكى الداني عنه : ستكتب ما قالوا بتاء مضمومة على معنى مقالتهم .

وقرأ ابن مسعود : ويقال ذوقوا . ونقلوا عن أبي معاذ النحويّ أنّ في حرف ابن مسعود سنكتبُ ما يقولون ونقول لهم ذوقوا .

﴿ ١٨١