١٨٢ذلك بما قدمت . . . . . {ذالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } الإشارة إلى ما تقدم من عقابهم ، ونسب ما قدموه من المعاصي القولية والفعلية والاعتقادية إلى الأيدي على سبيل التغليب ، لأن الأيدي تزاول أكثر الأعمال ، فكان كل عمل واقع بها . وهذه الجملة داخلة في المقول ، وبخوا بذلك ، وذكر لهم السبب الذي أوجب لهم العقاب . ويحتمل أن يكون خطاباً لمعاصري الرسول صلى اللّه عليه وسلم يوم نزل الآية ، فلا يندرج تحت معمول قوله ونقول . {وَأَنَّ اللّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ } هذا معطوف على قوله : بما قدمت أيديكم ، أي ذلك العقاب حاصل بسبب معاصيكم ، وعدل اللّه تعالى فيكم . وجاء لفظ ظلام الموضوع للتكثير ، وهذا تكثير بسبب المتعلق . وذهب بعضهم إلى أن فعالاً قد يجيء لا يراد به الكثرة ، كقول طرفة : ولست بحلال التلاع مخافة ولكن متى يسترقد القوم أرفد لا يريد أنه قد يحل التلاع قليلاً ، لأن عجز البيت يدفعه ، فدلّ على نفي البخل في كل حال ، وتمام المدح لا يحصل بإرادة الكثرة ، وقيل : إذا نفى الظلم الكثير اتبع القليل ضرورة ، لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم ، فإذا ترك الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضرر كان للظلم القليل المنفعة أترك . وقال القاضي : العذاب الذي توعد أن يفعله بهم : لو كان ظالماً لكان عظيماً ، فنفاه على جد عظمه لو كان ثابتاً والعبيد جمع عبد ، كالكليب . وقد جاء اسم الجمع على هذا الوزن نحو الضيفن وغيره من جمع التكسير ، جواز الأخبار عنه أخبار الواحد كأسماء الجموع ، وناسب لفظ هذا الجمع دون لفظ العباد ، لمناسبة الفواصل التي قبله مما جاءت على هذا الوزن ، كما ناسب ذلك في سورة فصلت ، وكما ناسب لفظ العباد في سورة غافر ما قبله وما بعده . قال ابن عطية : وجمع عبداً في هذه الآية على عبيد لأنه مكان تشقيق وتنجية من ظلم انتهى كلامه . ولا تظهر لي هذه العلة التي ذكرها في هذا الجمع . وقال الزمخشري: { فإن قلت } : فلم عطف قوله : وأن اللّه ليس بظلام للعبيد ، { عَلَى مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } وكيف جعل كونه غير ظلام للعبيد شريكاً لاجتراحهم السيئات في استحقاقهم العذاب ؟ { قلت} : معنى كونه غير ظلام للعبيد : أنه عادل عليهم ، ومن العدل أن يعاقب المسيء منهم ويثب المحسن انتهى . وفيه رائحة الاعتزال . |
﴿ ١٨٢ ﴾