١٩٠الذين يذكرون اللّه . . . . . {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّه قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } الظاهر أن الذكر هو باللسان مع حضور القلب ، وأنه التحميد والتهليل والتكبير ، ونحو ذلك من الاذكار . هذه الهيئات الثلاثة هي غالب ما يكون عليها المرء ، فاستعملت والمراد بها جميع الأحوال . كما قالت عائشة : { كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يذكر اللّه على كل أحيانه } وظاهر هذا الحديث والآية يدل على جواز ذكر اللّه على الخلاء . وقال بجواز ذلك : عبد اللّه بن عمر ، وابن سيرين والنخعي . وكرهه : ابن عباس ، وعطاء ، والشعبي . وعن ابن عمر وعروة بن الزبير وجماعة أنهم خرجوا يوم العيد إلى المصلى فجعلوا يذكروا اللّه فقال بعضهم : أما قال اللّه تعالى : قياماً وقعوداً ؟ فقاموا يذكرون اللّه على أقدامهم . وروي في الحديث : { من أحب أن يرتع في رياض لجنة فليكثر ذكر اللّه } وإلى أن المراد بالذكر هو الظاهر الذي ذكرناه . ذهب ابن جريج والجمهور : والذكر من أعظم العبادات ، والأحاديث فيه كثيرة . وقال ابن عباس وجماعة : المراد بالذكر الصلوات ، ففي حال العذر يصلونها قعوداً وعلى جنوبهم ، وسماها ذكراً لاشتمالها على الذكر . وقيل : المراد بالذكر صلاة النفل يصليها كيف شاء . وجلب المفسرون في هذه الآية أشياء من كيفية إيقاع الصلاة في القيام والقعود والاضطجاع ، وخلاف الفقهاء في ذلك ، ودلائلهم . وذلك مقرر في علم الفقه . وعلى الظاهر من تفسير الذكر فتقديم القيام ، لأن الذكر فيه أخف على الإنسان ، ثم انتقل إلى حالة القعود والذكر فيه أشق منه في حالة القيام ، لأن الإنسان لا يقعد غالباً إلا لشغل يشتغل به من صناعة أو غيرها . ثم انتقل إلى هيئة الاضطجاع والذكر فيها أشق منه في هيئة القعود ، لأن الاضطجاع هو هيئة استراحة وفراغ عن الشواغل . ويمكن في هذه الهيئات أن يكون التقديم لما هو أقصر زماناً ، فبدىء بالقيام لأنها هيئة زمانها في الغالب أقصر من زمان القعود ، ثم بالقعود إذ زمانه أطول ، وبالاضطجاع إذ زمانه أطول من زمان القعود . ألا ترى أنَّ الليل جميعه هو زمان الاضطجاع ، وهو مقابل لزمان القعود والقيام ، وهو النهار ؟ وأما إذا كان الذكر يراد به الصلاة المفروضة ، فالهيئات جاءت على سبيل الندرة . فمن قدر على القيام لا يصلي قاعداً ، ومن قدر على القعود لا يصلي مضطجعاً ، وأما إذا كان يراد به صلاة النفل فالهيئات على سبيل الأفضلية ، إذ الأفضل التنفل قائماً ثم قاعداً ثم مضطجعاً . وأبعد في التفسير من ذهب إلى أن المعنى : يذكرون اللّه قياماً بأوامره ، وقعوداً عن زواجره ، وعلى جنوبهم أي تجانبهم مخالفة أمره ونهيه . وهذا شبيه بكلام أرباب القلوب ، وقريب من الباطنية . وجوزوا في الذين النعت والقطع للرفع والنصب ، وعلى جنوبهم حال معطوفة على حال ، وهنا عطف المجرور على صريح الاسم . وفي قوله : دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً عطف صريح الاسم على المجرور . وإلى أن المراد بالذكر هو الظاهر الذي ذكرناه . ذهب ابن جريج والجمهور : والذكر من أعظم العبادات ، والأحاديث فيه كثيرة . وقال ابن عباس وجماعة : المراد بالذكر الصلوات ، ففي حال العذر يصلونها قعوداً وعلى جنوبهم ، وسماها ذكراً لاشتمالها على الذكر . وقيل : المراد بالذكر صلاة النفل يصليها كيف شاء . وجلب المفسرون في هذه الآية أشياء من كيفية إيقاع الصلاة في القيام والقعود والاضطجاع ، وخلاف الفقهاء في ذلك ، ودلائلهم . وذلك مقرر في علم الفقه . وعلى الظاهر من تفسير الذكر فتقديم القيام ، لأن الذكر فيه أخف على الإنسان ، ثم انتقل إلى حالة القعود والذكر فيه أشق منه في حالة القيام ، لأن الإنسان لا يقعد غالباً إلا لشغل يشتغل به من صناعة أو غيرها . ثم انتقل إلى هيئة الاضطجاع والذكر فيها أشق منه في هيئة القعود ، لأن الاضطجاع هو هيئة استراحة وفراغ عن الشواغل . ويمكن في هذه الهيئات أن يكون التقديم لما هو أقصر زماناً ، فبدىء بالقيام لأنها هيئة زمانها في الغالب أقصر من زمان القعود ، ثم بالقعود إذ زمانه أطول ، وبالاضطجاع إذ زمانه أطول من زمان القعود . ألا ترى أنَّ الليل جميعه هو زمان الاضطجاع ، وهو مقابل لزمان القعود والقيام ، وهو النهار ؟ وأما إذا كان الذكر يراد به الصلاة المفروضة ، فالهيئات جاءت على سبيل الندرة . فمن قدر على القيام لا يصلي قاعداً ، ومن قدر على القعود لا يصلي مضطجعاً ، وأما إذا كان يراد به صلاة النفل فالهيئات على سبيل الأفضلية ، إذ الأفضل التنفل قائماً ثم قاعداً ثم مضطجعاً . وأبعد في التفسير من ذهب إلى أن المعنى : يذكرون اللّه قياماً بأوامره ، وقعوداً عن زواجره ، وعلى جنوبهم أي تجانبهم مخالفة أمره ونهيه . وهذا شبيه بكلام أرباب القلوب ، وقريب من الباطنية . وجوزوا في الذين النعت والقطع للرفع والنصب ، وعلى جنوبهم حال معطوفة على حال ، وهنا عطف المجرور على صريح الاسم . وفي قوله : دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً عطف صريح الاسم على المجرور . {وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } الظاهر أنه معطوف على الصلة ، فلا موضع له من الإعراب . وقيل : الجملة في موضع نصب على الحال ، عطفت على الحال قبلها . ولما ذكر الذكر الذي محله اللسان ، ذكر الفكر الذي محله القلب . ويحتمل خلق أن يراد به المصدر ، فإن الفكرة في الخلق لهذه المصنوعات الغريبة الشكل والقدرة على إنشاء هذه من العدم الصرف ، يدل على القدرة التامة والعلم والأحدية إلى سائر الصفات العلية . وفي الفكر في ذلك ما يبهر العقول ، ويستغرق الخواطر . ويحتمل أن يراد به المخلوق ، ويكون أضافه من حيث المعنى إلى الظرفين ، لا إلى المفعول ، والفكر في ما أودع اللّه في السموات من الكواكب النيرة والأفلاك التي جاء النصر فيها وما أودع في الأرض من الحيوانات والنبات والمعادن ، واختلاف أجناسها وأنواعها وأشخاصها أيضاً يبهر العقل ويكثر العبر وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد ومر النبي صلى اللّه عليه وسلم على قوم يتفكرون في اللّه فقال : { تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدره} . وقال بعض العلماء : المتفكر في ذات اللّه كالناظر في عين الشمس ، لأنه تعالى ليس كمثله شيء . وإنما التفكر وانبساط الذهن في المخلوقات وفي مخلوق الآخرة . وفي الحديث : { لا عبادة كتفكر} . وذكر المفسرون من كلام الناس في التفكر ومن أعيان المتفكرين كثيراً ، رأينا أن لا نطول كتابنا بنقلها { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } هذه الجملة محكية بقول محذوف تقديره : يقولون . وهذا الفعل في موضع نصب على الحال ، والإشارة بهذا إلى الخلق إن كان المراد المخلوق ، أو إلى السموات والأرض لأنها في معنى المخلوق . أي : ما خلقت هذا المخلوق العجيب باطلاً . قيل : المعنى خلقاً أي : لغير غاية ، بل خلقته وخلقت البشر لينظر فيه ، فيوحد ويعبد . فمن فعل ذلك نعمته ، ومن ضل عن ذلك عذبته . وقال الزمخشري : المعنى ما خلقته خلقاً باطلاً بغير حكمة بل خلقته لداعي حكمة عظيمة وهو : أن تجعلها مساكن للمكلفين وأدلة لهم على معرفتك ، ووجوب طاعتك ، واجتناب معصيتك . ولذلك وصل به قوله : فقنا عذاب النار ، ولأنه جزاء من عصى ولم يطع انتهى . وفيه إشارات المعتزلة من قوله : بل خلقته لداعي حكمة عظيمة ، وعلى هذا فيكون انتصاب باطلاً على أنه نعت لمصدر محذوف . وقيل : انتصب باطلاً على الحال من المفعول . وقيل : انتصب على إسقاط الباء ، أي بباطل ، بل خلقته بقدرتك التي هي حق . وقيل : على إسقاط اللام وهو مفعول من أجله ، وفاعل بمعنى المصدر أي بطولاً . وقيل : على أنه مفعول ثان لخلق ، وهي بمعنى جعل التي تتعدى إلى اثنين ، وهذا عكس المنقول في النحو وهو : أنَّ جعل يكون بمعنى خلق ، فيتعدى لواحد . أما أن خلق يكون بمعنى جعل فيتعدى لاثنين ، فلا أعلم أحداً ممن له معرفة ذهب إلى ذلك . والباطل : الزائل الذاهب ومنه : ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل والأحسن من أعاريبه انتصابه على الحال من هذا ، وهي حال لا يستغنى عنها نحو قوله : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } لا يجوز في هذه الحال أن تحذف لئلا يكون المعنى على النفي ، وهو لا يجوز . ولما تضمنت هذه الجملة الإقرار بأنّ هذا الخلق البديع لم يكن باطلاً ، والتنبيه على أن هذا كلام أولي الألباب الذاكرين اللّه على جميع أحوالهم والمتفكرين في الخلق ، دلّ على أن غيرهم من أهل الغفلة والجهالة يذهبون إلى خلاف هذه المقالة ، فنزهوه تعالى عن ما يقول أولئك المبطلون مَن ما أشار إليه تعالى في قوله : لاعبين ، وفي قوله :{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً } واعترض بهذا التنزيه المتضمن براءة اللّه من جميع النقائص وأفعال المحدثين . بين ذلك الإقرار وبين رغبتهم إلى ربهم بأن يقيهم عذاب النار ، ولم يكن لهم همّ في شيء من أحوال الدنيا ، ولا اكتراث بها ، إنما تضرّعوا في سؤال وقايتهم العذاب يوم القيامة . وهذا السؤال هو نتيجة الذكر والفكر والإقرار والتنزيه . والفاء في : فقنا للعطف ، وترتيب السؤال على الإقرار المذكور . وقيل : لترتيب السؤال على ما تضمنه سبحان من الفعل ، أي : نزهناك عما يقول الجاهلون فقنا . وأبعد من ذهب إلى أنه للترتيب على ما تضمن النداء . |
﴿ ١٩١ ﴾