١٩٦لا يغرنك تقلب . . . . . {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى الْبِلَادِ } قيل : نزلت في اليهود كانوا يضربون في الأرض فيصيبون الأموال قاله : ابن عباس . وقال أيضاً : هم أهل مكة . وروي أنَّ ناساً من المؤمنين كانوا يرون ما كانوا فيه من الخصب والرخاء ولين العيش ، فيقولون : إنّ أعداء اللّه فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد . وقال مقاتل : في مشركي العرب والذين كفروا لفظ عام ، والكاف للخطاب . فقيل : لكل سامع . وقيل : هو خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، والمراد أمته . قاله : ابن عطية . وقال : نزلت لا يغرنك في هذه الآية منزلة لا تظن أن حال الكفار حسنة فتهتم لذلك ، وذلك أن المغتر فارح بالشيء الذي يغتر به . فالكفار مغترون بتقلبهم ، والمؤمنون مهتمون به . لكنه ربما يقع في نفس مؤمن أنَّ هذا الإملاء للكفار إنما هو خير لهم ، فيجيء هذا جنوحاً إلى حالهم ، ونوعاً من الاغترار ، ولذلك حسنت لا يغرنك . ونظيره قول عمر لحفصة : { لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم } المعنى : لا تغتري بما يتم لتلك من الإدلال فتقعي فيه فيطلقك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انتهى . وقال الزمخشري : لا يغرنك الخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،أو لكل أحد . أي : لا تنظر إلى ما هم عليه من سعة الرزق ، والمضطرب ودرك العاجل وإصابة حظوظ الدنيا ، ولا نغترر بظاهر ما ترى من تبسطهم في الأرض وتصرفهم في البلاد . { فإن قلت} : كيف جاز أن يغتر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك حتى ينهى عنه وعن الاغترار به ؟ { قلت} : فيه وجهان : أحدهما أن مدرة القوم ومقدمهم يخاطب بشيء فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعاً ، فكأنه قيل : لا يغرنكم . والثاني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان غير مغرور بحالهم ، فأكد عليه ما كان وثبت على التزامه كقوله : { وَلاَ تَكُنْ مّنَ الْكَافِرِينَ }{ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ }{ فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذّبِينَ } وهذا في النهي نظير قوله في الأمر : { اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }{ خَبِيراً يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ } وقد جعل النهي في الظاهر للتقلب ، وهو في المعنى للمخاطب . وهذا من تنزيل السبب منزلة المسبب ، لأن التقلب لو غره لاغتر به ، فمنع السبب ليمتنع المسبب انتهى كلامه . وملخص الوجهين اللذين ذكرهما : أن يكون الخطاب له والمراد أمّته ، أوله على جهة التأكيد والتنبيه ، وإن كان معصوماً من الوقوع فيه كما قيل : قد يهزّ الحسام وهو حسام ويجب الجواد وهو جواد وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب : لا يغرنك ولا يصدنك ولا يغرنكم وشبهه بالنون الخفيفة . وتقلبهم : هو تصرفهم في التجارات قاله : ابن عباس ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج . أو ما يجري عليهم من النعم قاله : عكرمة ، ومقاتل . أو تصرّفهم غير مأخوذين بذنوبهم قاله : بعض المفسرين . |
﴿ ١٩٦ ﴾