٣وإن خفتم ألا . . . . . {وَإِنْ خِفْتُمْ أَن لا تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } ثبت في صحيح مسلم عن عائشة أنها قالت :{ نزلت في أولياء اليتامى الذين يعبجهم جمال ولياتهم فيريدون أن يبخسوهم في المهر لمكان ولا يتهم عليهن . قيل لهم : أقسطوا في مهورهن ، فمن خاف أن لا يقسط فليتزوج ما طاب له من الاجنبيات اللواتي بما كسن في حقوقهن . وقاله أيضاً ربيعة . وقال عكرمة : نزلت في قريش يتزوج منهم الرجل العشرة وأكثر وأقل ، فإذا ضاق ماله مال على مال يتيمه فيتزوج منه ، فقيل له : إن خفتم عجز أموالكم حتى تجوروا في اليتامى فاقتصروا . وقال ابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة ، والسدي : كانت العرب تتخرج في أموال اليتامى ولا تتحرج في العدل بين النساء ، يتزوجون العشرة فأكثر ، فنزلت في ذلك : كما تخافون أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك فتحرجوا في النساء ، وانكحوا على هذا الحد الذي يبعد الحور عنه . وقال مجاهد : إنما الآية تحذير من الزنا وزجر عنه ، كما تتحرجون في مال اليتامى فكذلك تحرجوا من الزنا ، وانكحوا على ما حد لكم . وعلى هذه الأقوال غير الأول لا يختص اليتامى بإناث ولا ذكور ، وعلى ما روي عن عائشة يكون مختصاً بالإناث كأنه قيل في يتامى النساء . والظاهر من هذه الأقوال أن يكون التقدير : وإن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح يتامى النساء فانكحوا ما طاب لكم من غيرهن ، لما أمروا بأن يؤتوا اليتامى أموالهم ، ونهوا عن الاستبدال المذكور ، وعن أكل أموال اليتامى ، كان في ذلك مزيداً اعتناء باليتامى واحتراز من ظلمهم كما قال تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً } فحوطب أولياء يتامى النساء أو الناس بقوله : وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أي : في نكاح يتامى النساء ، فانكحوا غيرهن ، وعلى هذا الذي اخترناه من أن المعنى في نكاح اليتامى . فاليتامى إن كان أريد به اليتم الشرعي فينطلق على الصغيرات اللاتي لم يبلغن . وقد استدل بذلك أبو حنيفة على جواز نكاح اليتيمة قبل البلوغ وقال : أما بعد البلوغ فليست يتيمة ، بدليل أنها لو أرادت أن تحط عن صداق مثلها جاز لها . خلافاً لمالك والشافعي والجمهور إذ قالوا : لا يجوز وإن كان المراد اليتم اللغوي ، فيندرج فيه البالغات ، والبالغة يجوز تزويجها بدون مهر المثل إذا رضيتُ ، فأي معنى للعدول إلى نكاح غيرها ؟ والجواب : أن العدول إنما كان لأن الوليّ يستضعفها ويستولي على مالها وهي لا تقدر على مقاومته ، وإذا كان المراد باليتامى هنا البالغات فلا حجة لأبي حنيفة في الآية على جواز تزويج الصغيرة التي لم تبلغ . ومعنى : خفتم حذرتم ، وهو على موضوعه في اللغة من أن الخوف هو الحذر . وقال أبو عبيدة : معنى خفتم هنا أيقنتم ، وخاف تكون بمعنى أيقن ، ودليله قول الشاعر : فقلت لهم خافوا بألفي مدحج وما قاله لا يصح ، لا يثبت من كلام العرب خاف بمعنى أيقن ، وإنما خاف من أفعال التوقع ، وقد يميل فيه الظن إلى أحد الجائزين . وقد روى ذلك البيت : فقلت لهم : ظنوا بألفي مدحج . هذه الرواية أشهر من خافوا . قال الراغب : الخوف يقال فيما فيه رجاء مّا ، ولهذا لا يقال : خفت أن لا أقدر على بلوغ السماء ، أو نسف الجبال انتهى . ومعنى أن لا تقسطوا أي : أن لا تعدلوا . أي : وإن خفتم الجوز وأقسط : بمعنى عدل . وقرأ النخعي وابن وثاب تقسطوا بفتح التاء من قسط ، والمشهور في قسط أنه بمعنى جار . وقال الزجاج : ويقال قسط بمعنى أقسط أي عدل . فإن حملت هذه القراءة على مشهور اللغة كانت لا زائدة ، أي : وإن خفتم أن تقسطوا أي : إن تجوروا ، والآن لا يتم إلا باعتقاد زيادتها . وإن حملت على أن تقسطوا بمعنى تقسطوا ، كانت للنفي كما في تقسطوا . وقرأ ابن أبي عبلة من طاب . وقرأ الجمهور : ما طاب . فقيل : ما بمعنى من ، وهذا مذهب من يجوز وقوع ما على آحاد العقلاء ، وهو مذهب مرجوح . وقيل : عبر بما عن النساء ، لأن إناث العقلاء لنقصان عقولهن يجرين مجرى غير العقلاء . وقيل : ما واقعة على النوع ، أي : فانكحوا النوع الذي طاب لكم من النساء ، وهذا قول أصحابنا أنّ ما تقع على أنواع من يعقل . وقال أبو العباس : ما لتعميم الجنس على المبالغة ، وكان هذا القول هو القول الذي قبله . وقيل : ما مصدرية ، والمصدر مقدّر باسم الفاعل . والمعنى : فانحوا النكاح الذي طاب لكم . وقيل : ما نكرة موصوفة ، أي : فانكحوا جنساً أو عدداً يطيب لكم . وقيل : ما ظرفية مصدرية ، أي : مدة طيب النكاح لكم . والظاهر أنّ ما مفعولة بقوله : فانكحوا ، وأنّ من النساء معناه : من البالغات . ومن فيه إما لبيان الجنس للإبهام الذي في ما على مذهب من يثبت لها هذا المعنى ، وإمّا للتبعيض وتتعلق بمحذوف أي : كائناً من النساء ، ويكون في موضع الحال . وأما إذا كانت ما مصدرية أو ظرفية ، فمفعول فانكحوا هو من النساء ، كما تقول : أكلتُ من الرغيف ، والتقدير فيه : شيئاً من الرغيف . ولا يجوز أن يكون مفعول فانكحوا مثنى ، لأن هذا المعدول من العدد لا يلي العوامل كما تقرر في المفردات . وقرأ ابن أبي إسحاق والجحدري والأعمش طاب بالامالة . وفي مصحف أبي طيب بالياء ، وهو دليل الإمالة . وظاهر فانكحوا الوجوب ، وبه قال أهل الظاهر مستدلين بهذا الأمر وبغيره . وقال غيرهم : هو ندب لقوم ، وإباحة الآخرين بحسب قرائن المرء ، والنكاح في الجملة مندوب إليه . ومعنى ما طاب : أي ما حل ، لأن المحرمات من النساء كثير قاله : الحسن وابن جبير وأبو مالك . وقيل : ما استطابته النفس ومال إليه القلب . قالوا : ولا يتناول قوله فانكحوا الجيد . ولما كان قوله : ما طاب لكم من النساء عامًّا في الأعداد كلها ، خص ذلك بقوله : مثنى وثلاث ورباع . فظاهر هذا التخصيص تقسيم المنكوحات إلى أنَّ لنا أن أن نتزوج اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، ولا يجوز لنا أن نتزوج خمسة خمسة ، ولا ما بعد ذلك من الأعداد . وذلك كما تقول : أقسم الدراهم بين الزيدين درهمين درهمين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، فمعنى ذلك أن تقع القسمة على هذا التفصيل دون غيره . فلا يجوز لنا أن نعطى أحداً من المقسوم عليهم خمسة خمسة ، ولا يسوغ دخول أو هنا مكان الواو ، لأنه كان يصير المعنى أنهم لا ينكحون كلهم إلا على أحد أنواع العدد المذكور ، وليس لهم أن يجعلوا بعضه على تثنية وبعضه على تثليث وبعضه على تربيع ، لأن أو لأحد الشيئين أو الأشياء . والواو تدل على مطلق الجمع ، فيأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها على طريق الجمع إن شاؤا مختلفين في تلك الأعداد ، وإن شاؤا متفقين فيها محظوراً عليهم ما زاد . وذهب بعض الشيعة : إلى أنه يجوز النكاح بلا عدد ، كما يجوز التسري بلا عدد . وليست الآية تدل على توقيت في العدد ، بل تدل على الإباحة كقولك : تناول ما أحببت واحداً واثنين وثلاثاً . وذكر بعض مقتضى العموم جاء على طريق التبيين ، ولا يقتضي الاقتصار عليه . وذهب بعضهم إلى أنه يجوز نكاح تسع ، لأن الواو تقتضي الجمع . فمعنى : مثنى وثلاث ورباع اثنين وثلاثاً وأربعاً وذلك تسع ، وأكد ذلك بأن النبي صلى اللّه عليه وسلم مات عن تسع . وذهب بعضهم إلى أنَّ هذه الأعداد وكونها عطفت بالواو تدلّ على نكاح جواز ثمانية عشر ، لأن كل عدد منها معدول عن مكرر مرتين ، وإذا جمعت تلك المكررات كانت ثمانية عشر . والكلام على هذه الأقوال استدلالاً وإبطالاً مذكور في كتب الفقه الخلافية . وأجمع فقهاء الأمصار على أنه لا تجوز الزيادة على أربع . والظاهر أنه لا يباح النكاح مثنى أو ثلاث أو رباع إلا لمن خاف الجور في اليتامى لأجل تعليقه عليه ، أما مَن لم يخف فمفهوم الشرط يدل على أنه لا يجوز له ذلك ، والإجماع على خلاف ما دلّ عليه الظاهر من اختصاص الإباحة بمن خاف الجور . أجمع المسلمون على أنَّ مَن لم يجف الجور في أموال اليتامى يجوز له أن ينكح أكثر من واحدة ثنتين وثلاثاً وأربعاً كمن خاف . فدل على أن الآية جواب لمن خاف ذلك ، وحكمها أعم . وقرأ النخعي وابن وثاب : وربع ساقطة الألف ، كما حذفت في قوله : وحلياناً برداً يريد بارداً . وإذا أعربنا ما من ما طاب مفعوله وتكون موصولة ، فانتصاب مثنى وما بعده على الحال منها ، وقال أبو البقاء : حال من النساء . و قال ابن عطية : موضعها من الإعراب نصب على البدل من ما طاب ، وهي نكرات لا تتصرف لأنها معدولة وصفه انتهى . وهما إعرابان ضعيفان . أمّا الأوّل فلأن المحدث عنه هو ما طاب ، ومن النساء جاء على سبيل التبيين وليس محدثاً عنه ، فلا يكون الحال منه ، وإن كان يلزم من تقييده بالحال تقييد المنكوحات . وأما الثاني فالبدل هو على نية تكرار العامل ، فيلزم من ذلك أن يباشرها العامل . وقد تقرر في المفردات أنها لا يباشرها العامل . وأيضاً فإنه قال : إنها نكرة وصفة ، وما كان نكرة وصفة فإنه إذا جاء تابعاً لنكرة كان صفة لها كقوله تعالى : { أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } وما وقع صفة للنكرة وقع حالاً للمعرفة . وما طاب معرفة فلزم أن يكون مثنى حالاً . {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } أي أن لا تعدلوا بين ثنتين إن نكحتموهما ، أو بين ثلاث أو أربع إن نكحتموهن في القسم أو النفقة أو الكسوة ، فاختاروا واحدة . أو ما ملكت أيمانكم هذا إن حملنا فانكحوا على تزوجوا ، وإن حملناه على الوطء قدرنا الفعل الناصب لقوله : فواحدة . فانكحوا واحدة أو ما ملكت أيمانكم . ويحتمل أن يكون من باب علفتها تبناً وماء باردا على أحد التخريجين فيه ، والتقدير : فانكحوا أي تزوجوا واحدة ، أوطئوا ما ملكت أيمانكم . ولم يقيد مملوكات اليمين بعدد ، فيجوز أن يطأ ما شاء منهن لأنه لا يجب العدل بينهن لا في القسم ولا في النفقة ولا في الكسوة . وقرأ الحسن والجحدري وأبو جعفر وابن هرمز : فواحدة بالرفع . ووجه ذلك ابن عطية على أنه مرفوع بالابتداء ، والخبر مقدر أي : فواحدة كافية . ووجهه الزمخشري على أنه مرفوع على الخبر أي : فالمقنع ، أو فحسبكم واحدة ، أو ما ملكت أيمانكم . وأو هنا لأحد الشيئين : إما على التخيير ، وإما على الإباحة . وروي عن أبي عمرو : فما ملكت أيمانكم يريد به الإماء ، والمعنى : على هذا أن خاف أن لا يعدل في عشرة واحدة فما ملكت يمينه . وقرأ ابن أبي عبلة : أو من ملكت أيمانكم ، وأسند الملك إلى اليمين لأنها صفة مدح ، واليمين مخصوصة بالمحاسن . ألا ترى أنها هي المنفقة في قوله : { حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه } وهي المعاهدة والمتلقية لرايات المجد ، والمأمور في تناول المأكول بالأكل بها ، والمنهي عن الاستنجاء بها . وهذان شرطان مستقلان لكل واحد منهما جواب مستقل ، فأول الشرطين : وإن ختفم أن لا تقسطوا ، وجوابه : فانكحوا . صرف من خاف من الجور في نكاح اليتامى إلى نكاح البالغات منهن ومن غيرهن وذكر تلك الأعداد . وثاني الشرطين قوله : فإن خفتم أن لا تعدلوا وجوابه : فواحدة ، أو ما ملكت أيمانكم صرف من خاف من الجور في نكاح ما ذكر من العدد إلى نكاح واحدة ، أو تسرّ بما ملك وذلك على سبيل اللطف بالمكلف والرفق به ، والتعطف على النساء والنظر لهن . وذهب بعض الناس إلى أن هذه الجمل اشتملت على شرط واحد ، وجملة اعتراض . فالشرط : وإن خفتم أن لا تقسطوا ، وجوابه : فواحدة . وجملة الاعتراض قوله : فانكحوا ما طاب لكمك من النساء مثنى وثلاث ورباع ، وكرر الشرط بقوله : فإن خفتم أن لا تعدلوا . لما طال الكلام بالاعتراض إذ معناه : كما جاء في فلما جاءهم ما عرفوا بعد قوله ، ولما جاءهم كتاب من عند اللّه إذ طال الفصل بين لما وجوابها فأعيدت . وكذلك { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ } بعد قوله :{ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ } إذ طال الفصل بما بعده بين : لا تحسبن ، وبين بمفازة ، فأعيدت الجملة ، وصار المعنى على هذا التقدير ، إن لم تستطيعوا أن تعدلوا فانكحوا واحدة . قال : وقد ثبت أنهم لا يستطيعون العدل بقوله :{ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } انتهى هذا القول وهو منسوب إلى أبي علي . ولعله لا يصح عنه ، فإن أبا علي كان من علم النحو بمكان ، وهذا القول فيه إفساد نظم القرآن التركيبي ، وبطلان للأحكام الشرعية : لأنه إذا أنتج من الآيتين هذه وقوله : ولن تستطيعوا بما نتج من الدلالة ، اقتضى أنه لا يجوز أن يتزوج غير واحدة ، أو يتسرّى بما ملكت يمينه . ويبقى هذا الفصل بالاعتراض بين الشرط وبين جوابه لغواً لا فائدة له على زعمه . والعدل المنفي استطاعته غير هذا العدل المنفي هنا ، ذاك عدل في ميل القلب وقد رفع الحرج فيه عن الإنسان ، وهذا عدل في القسم والنفقة . ولذلك نفيت هناك استطاعته ، وعلق هنا على خوف انتفائه ، لأن الخوف فيه رجاء وظن غالباً . وانتزع الشافعي من قوله : فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ، أن الاشتغال بنوافل العبادات أفضل من الاشتغال بالنكاح ، خلافاً لأبي حنيفة ، إذ عكس . ووجه انتزاعه ذلك واستدلاله بالآية أنه تعالى خير بين تزوج الواحدة والتسري ، والتخيير بين الشيئين مشعر بالمساواة بينهما في الحكمة المطلوبة ، والحكمة سكون النفس بالأزواج ، وتحصين الدين ومصالح البيت ، وكل ذلك حاصل بالطريقين ، وأجمعنا على أن الاشتغال بالنوافل أفضل من التسري ، فوجب أن يكون أفضل من النكاح ، لأن الزائد على المتساويين يكون زائداً على المساوي الثاني لا محالة . {ذَلِكَ أَدْنَى أَن لا تَعْدِلُواْ } الإشارة إلى اختيار الحرة الواحدة والأمة . أدنى من الدنو أي : أقرب أن لا تعولوا ، أي : أن لا تميلوا عن الحق . قاله : ابن عباس ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، وأبو مالك ، والسدّي . وقال مجاهد : لا تضلوا . وقال النخعي : لا تخونوا . وقالت فرقة منهم زيد بن أسلم وابن زيد والشافعي : معناه لا يكثر عيالكم . وقد رد على الشافعي في هذا القول من جهة المعنى ومن جهة اللفظ ، أما من جهة المعنى فقال أبو بكر بن داود والرازي ما معناه : غلط الشافعي ، لأن صاحب الإماء في العيال كصاحب الأزواج . وقال الزجاج : إن اللّه قد أباح كثرة السراري ، وفي ذلك تكثير العيال ، فكيف يكون أقرب إلى أن لا يكثروا ؟ وقال صاحب النظم : قال : أولاً أن لا تعدلوا فيجب أن يكون ضد العدل هو الجور ، وأما من جهة اللفظ ويقتضي أيضاً الرد من جهة المعنى ، فتفسير الشافعي تعولوا بتعيلوا . وقالوا : يقال أعال يعيل إذا كثر عياله ، فهو من ذوات الياء لا من ذوات الواو ، فقد اختلفا في المادة ، فليس معنى تعولوا تعيلوا . وقال الرازي أيضاً عن الشافعي : أنه خالف المفسرين . وما قاله ليس بصحيح ، بل قد قال بمقالته زيد بن أسلم وابن زيد كما قدمناه وغيرهم . وأما تفسيره تعولوا بتعيلوا فليس فيه دليل على أنه أراد أن تعولوا وتعيلوا من مادة واحدة ، وأنهما يجمعهما اشتقاق واحد ، بل قد يكون اللفظان في معنى واحد ولا يجمعهما اشتقاق واحد ، نحو قولهم : دمت ودشير ، وسبط وسبطة ، فكذلك هذا . وقد نقل عال الرجل يعول ، أي كثر عياله ابن الأعرابي ، كما ذكرناه في المفردات . ونقله أيضاً الكسائي قال : وهي لغة فصيحة . قال الكسائي : العرب تقول : عال يعول ، وأعال يعيل كثر عياله ، ونقلها أيضاً أبو عمرو الدوري المقري وكان إماماً في اللغة غير مدافع قال : هي لغة حمير . وأنشد أبو عمرو حجة لها : وإن الموت يأخذ كل حي بلا شك وأن أمشي وعالا أمشي كثرت ماشيته ، وعال كثر عياله . وجعل الزمخشري كلام الشافعي وتفسيره تعولوا تكثر عيالكم على أن جعله من قولك : عال الرجل عياله يعولهم . وقال : لا يظن به أنه حول تعيلوا إلى تعولوا ، وأثنى على الشافعي بأنه كان أعلى كعباً وأطول باعاً في كلام العرب من أن يخفى عليه مثل هذا . قال : ولكن للعلماء طرقاً وأساليب ، فسلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات . وأما ما رد به ابن داود والرازي والزجاج ف قال ابن عطية : هذا القدح يشير إلى قدح الزجاج غير صحيح ، لأن السراري إنما هي مال يتصرف فيه بالبيع ، وإنما العيال القادح الحرائر ذوات الحقوق الواجبة . وقال الزمخشري : الغرض بالتزوج التوالد والتناسل ، بخلاف التسري . ولذلك جاز العزل عن السراري بغير إذنهن ، فكان التسري مظنة لقلة الولد بالإضافة إلى التزوج ، والواحدة بالإضافة إلى تزوج الأربع . وقال القفال : إذا كثرت الجواري فله أن يكلفهن الكسب فينفقن على أنفسهن وعلى مولاهن أيضاً ، وتقل العيال . أما إذا كانت حرة فلا يكون الأمر كذلك انتهى . وروي عن الشافعي أيضاً أنه فسر قوله تعالى : أن لا تعولوا بمعنى أن لا تفتقروا ، ولا يريد أن تعولوا من مادة تعيلوا من عال يعيل إذا افتقر ، إنما يريد أيضاً الكناية ، لأن كثرة العيال يتسبب عنها الفقر . والظاهر أن المعنى : أن اختيار الحرة الواحدة أو الأمة أقرب إلى انتفاء الجور ، إذا هو المحذور المعلق على خوفه الاختيار المذكور . أي : عبر عن قوله : أن لا تعولوا بأن لا يكثر عيالكم ، فإنه عبر عن المسبب بالسبب ، لأن كثرة العيال ينشأ عنه الجور . وقرأ طلحة أن لا تعيلوا بفتح التاء ، أي لا تفتقروا من العيلة كقوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ } وقال الشاعر : فما يدري الفقير متى غناه ولا يدري الغني متى يعيل وقرأ طاوس : أن لا تعيلوا من أعال الرجل إذا كثر عياله ، وهذه القراءة تعضد تفسير الشافعي من حيث المعنى الذي قصده . وأن تتعلق بأدنى وهي في موضع نصب أو جر على الخلاف ، إذ التقدير : أدنى إلى أن لا تعولوا . وافعل التفضيل إذا كان الفعل يتعدى بحرف جر يتعدّى هو إليه . تقول : دنوت إلى كذا فلذلك كان التقدير أدنى إلى أن تعولوا . ويجوز أن يكون الحرف المحذوف لام الجر ، لأنك تقول : دنوت لكذا . |
﴿ ٣ ﴾