١٠إن الذين يأكلون . . . . . {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } نزلت في المشركين كانوا يأكلون أموال اليتامى ولا يورثونهم ولا النساء ، قاله : ابن زيد . وقيل : في حنظلة بن الشمردل ، ولي يتيماً فأكل ماله . وقيل : في زيد بن زيد الغطفاني ولي مال ابن أخيه فأكله ، قاله : مقاتل . وقال الأكثرون : نزلت في الأوصياء الذين يأكلون من أموال اليتامى ما لم يبح لهم ، وهي تتناول كل أكل بظلم لم يكن وصياً وانتصاب ظلماً على أنه مصدر في موضع الحال أو مفعول من أجله ، وخبران هي الجملة من قوله : إنما يأكلون . وفي ذلك دليل على جواز وقوع الجملة المصدرة بأن خبراً ، لأن وفي ذلك خلاف . وحسن ذلك هنا تباعدهما بكون اسم إنّ موصولاً ، فطال الكلام بذكر صلته . وفي بطونهم : معناه ملء بطونهم يقال : أكل في بطنه ، وفي بعض بطنه . كما قال : كلوا في بعض بطنكم تعفوا فإن زمانكم زمن خميص والظاهر : تعلق في بطونهم بيأكلون ، وقاله الحوفي . وقال أبو البقاء : هو في موضع الحال من قوله : ناراً . ونبّه بقوله : في بطونهم على نقصهم ، ووصفهم بالشره في الأكل ، والتهافت في نيل الحرام بسبب البطن . وأين يكون هؤلاء من قول الشاعر ؟ تراه خميص البطن والزاد حاضر وقول الشنفري : وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل وظاهر قوله : ناراً أنهم يأكلون ناراً حقيقة . وفي حديث أبي سعيد عن ليلة الإسراء قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : { رأيت قوماً لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صحراً من نار يخرج من أسافلهم ، فقلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً ويأكلهم النار حقيقة } قالت طائفة : وقيل : هو مجاز ، لما كان أكل مال اليتيم يجر إلى النار والتعذيب ، بها عبر عن ذلك بالأكل في البطن ، ونبه على الحامل على أخذ المال وهو البطن الذي هو أخس الأشياء التي ينتفع بالمال لأجلها ، إذ مآل ما يوضع فيه إلى الاضمحلال والذهاب في أقرب زمان . ولذلك قال : { أَمَّا مَلأٌ الإِنسَانَ وِعَاء شَرّاً مِنْ بَطْنِهِ} وقرأ الجمهور : وسيصلون مبنياً للفاعل من الثلاثي . وقرأ ابن عامر وأبو بكر : بضم الياء وفتح اللام مبنياً للمفعول من الثلاثي . وابن أبي عبلة : بضم الياء وفتح الصاد واللام مشدّدة مبنياً للمفعول . والصلامن : التسخن بقرب النار ، والإحراق إتلاف الشيء بالنار . وعبر بالصلا بالنار عن العذاب الدائم بها ، إذ النار لا تذهب ذواتهم بالكلية ، بل كما قال :{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ } وهذا وعيد عظيم على هذه المعصية . وجاء يأكلون بالمضارع دون سين الاستقبال ، وسيصلون بالسين ، فإن كان الأكل للنار حقيقة فهو مستقبل ، واستغنى عن تقييده بالسين بعطف المستقبل عليه . وإن كان مجازاً فليس بمستقبل ، إذ المعنى : يأكلون ما يجر إلى النار ويكون سبباً إلى العذاب بها . ولما كان لفظ نار مطلقاً في قوله : إنما يأكلون في بطونهم ناراً ، قيد في قوله سعيراً ، إذ هو الجمر المتقد . وتضمنت هذه الآيات من ضروب البيان والفصاحة . الطباق في : واحدة وزوجها ، وفي غنياً وفقيراً ، وفي : قل أو كثر . والتكرار في : اتقوا ، وفي : خلق ، وفي : خفتم ، وأن لا تقسطوا ، وأن لا تعدلوا من جهة المعنى ، وفي اليتامى ، وفي النساء ، وفي فادفعوا إليهم أموالهم ، فإذا دفعتم إليهم أموالهم ، وفي نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ، وفي قوله : وليخش ، وخافوا من جهة المعنى على قول من جعلهما مترادفين ، وإطلاق اسم المسبب على السبب في : ولا تأكلوا وشبهه لأن الأخذ سبب للأكل . وتسمية الشيء باسم ما كان عليه في : وآتوا اليتامى ، سماهم يتامى بعد البلوغ . والتأكيد بالاتباع في : هنيئاً مريئاً وتسمية الشيء باسم ما يؤول اليه في : نصيب مما ترك ، وفي ناراً على قول من زعم أنها حقيقة . والتجنيس المماثل في : فادفعوا فإذا دفعتم ، والمغاير في : وقولوا لهم قولاً . والزيادة للزيادة في المعنى في : فليستعفف . وإطلاق كل على بعض في : الأقربون ، إذ المراد أرباب الفرائض . وإقامة الظرف المكاني مقام الزماني في : خلفهم ، أي من بعد وفاتهم . والاختصاص في : بطونهم ، خصها دون غيرها لأنها محل للمأكولات . والتعريض في : في بطونهم ، عرض بذكر البطون لحسنهم وسقوط هممهم والعرب تذم بذلك قال : دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي وتأكيد الحقيقة بما يرفع احتمال المجاز بقوله : في بطونهم . رفع المجاز العارض في قوله : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } وهذا على قول من حمله على الحقيقة ، ومن حمله على المجاز فيكون عنده من ترشيخ المجاز ، ونظير كونه رافعاً للمجاز قوله :{ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } ، وقوله :{ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} والحذف في عدة مواضع . |
﴿ ١٠ ﴾