١٢

ولكم نصف ما . . . . .

لما ذكر تعالى ميراث الفروع من الأصول ، وميراث الأصول من الفروع ، أخذ في ذكر ميراث المتصلين بالسبب لا بالنسب وهو للزوجية هنا ، ولم يذكر في القرآن التوارث بالموالاة ، والخلف ، والهجرة فنسخ ذلك ، وقدم ذكر ميراث سبب الزوجية على ذكر الكلالة ، وإن كان بالنسب لتواشج ما بين الزوجين ، واتصالهما ، واستغناء كل منهما بعشرة صاحبه ، دون عشرة الكلالة ، وبدئ بخطاب الرجال ، لما لهم من الدرجات على النساء ، ولما كان للذكر من الأولاد حظه مع الأنثى مثل حظ الأنثيين جعل في سبب التزوج الذكر له مثلا حظ الأنثى ، ومعنى { كان لهن ولد } أي : منكم أيها الوارثون ، أو من غيركم ، والولد هنا ظاهره أنه من ولدته لبطنها ذكرا أو انثى ، واحدا كان أو أكثر ، وحكم بتي الذكور منها ، وإن سفلوا حكم الولد للبطن في أن فرض الزوج منها الربع مع وجوده بإلإجماع { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين } الولد هنا كالولد في تلك الآية . والربع والثمن يشترك فيه الزوجات إن وجدن ، وتنفرد به الواحدة . وظاهر الآية : أنهما يعطيان فرضهما المذكور في الآيتين من غير عول ، وإلى ذلك ذهب ابن عباس . وذهب الجمهور إلى أنّ العول يلحق فرض الزوج والزوجة ، كما يلحق سائر الفرائض المسماة .

{وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلّ واحِدٍ مّنْهُمَا السُّدُسُ } الكلالة : خلو الميت عن الوالد ولولد قاله : أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وسليم بن عبيد ، وقتادة ، والحكم ، وابن زيد ، والسبيعي . وقالت طائفة : هي الخلوّ من الولد فقط . وروي عن أبي بكر وعمر ثم رجعا عنه إلى القول الأوّل . وروى أيضاً عن ابن عباس ، وذلك مستقر من قوله في الأخوة مع الوالدين : إنهم يحطون الأم ويأخذون ما يحطونه . ويلزم على قوله : إذ ورثهم بأن الفريضة كلالة أن يعطيهم الثلث بالنص . وقالت طائفة منهم : الحكم بن عيينة ، هي الخلو من الولد .

قال ابن عطية : وهذا إن القولان ضعيفان ، لأنّ من بقي والده أو ولده فهو موروث بنسب لا بتكلل . وأجمعت الأمة الآن على أنَّ الأخوة لا يرثون مع ابن ولا أرب ، وعلى هذا مضت الأعصار والأمصار انتهى .

واختلف في اشتقاقها . فقيل : من الكلال وهو الإعياء ، فكأنه يصير الميراث إلى الوارث من بعد إعياء . قال الأعشى : فا ليت لا أرثي لها من كلالة

ولا من وجى حتى نلاقي محمدا

وقال الزمخشري : والكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال ، وهو ذهاب القوة من الإعياء . فاستعيرت للقرابة

من غير جهة الولد والوالد ، لأنها بالإضافة إلى قرابتها كالة ضعيفة . انتهى .

وقيل : هي مشتقة من تكللّه النسب أحاط به . وإذا لم يترك والداً ولا ولداً فقد انقطع طرفاه ، وهما عمودا نسبه ، وبقي موروثه لمن يتكللّه نسبه أي : يحيط به من نواحيه كالإكليل . ومنه روض مكلل بالزهر . وقال الفرزدق : ورثتم قناة المجد لا عن كلاله

عن ابني مناف عبد شمس وهاشم

وقال الأخفش : الكلالة من لا يرثه أب ولا أم . والذي عليه الجمهور أنَّ الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا مولود ، وهو قول جمهور أهل اللغة صاحب العين ، وأبي منصور اللغوي ، وابن عرفة ، وابن الأنباري ، والعتبي ، وأبي عبيدة . وغلط أبو عبيدة في ذكر الأخ مع الأب والولد . وقطرب في قوله : الكلالة اسم اسم لمن عدا الأبوين والأخ ، وسمى ما عدا الأب والولد كلالة ، لأنه بذهاب طرفيه تكللّه الورثة وطافوا به من جوانبه . ويرجح هذا القول نزول الآية في جابر ولم يكن له يوم نزولها ابن ولا أب ، لأنّ أباه قتل يوم أحد فصارت قصة جابر بياناً لمراد الآية .

وأما الكلالة في الآية فقال عطاء : هو المال . وقالت طائفة : الكلالة الورثة ، وهو قول الراغب قال : الكلالة اسم لكل وارث . قال الشاعر : والمرء يجمع للغنى

وللكلالة ما يسيم

وقال عمرو بن عباس : الكلالة الميت الموروث . وقالت طائفة : الورثة بجملتها كلهم كلالة .

وقرأ الجمهور : يورث بفتح الراء مبنياً للمفعول ، من أورث مبنياً للمفعول .

وقرأ الحسن : كسرها مبنياً للفاعل من أورث أيضاً .

وقرأ أبو رجاء والحسن والأعمش : بكسر الراء وتشديدها . من ورّث . فأما على قراءة الجمهور ومعنى الكلالة أنه الميت أو الوارث ، فانتصاب الكلالة على الحال من الضمير المستكن في يورث . وإذا وقع على الوارث احتيج إلى تقدير : ذا كلالة ، لأن الكلالة إذ ذاك ليست نفس الضمير في يورث . وإن كان معنى الكلالة القرابة ، فانتصابها على أنها مفعول من أجله أي : يورث لأجل الكلالة .

وأما على قراءة الحسن وأبي رجاء ، فإن كانت الكلالة هي الميت فانتصابها على الحال ، والمفعولان محذوفان ، التقدير : يورث وارثه ماله في حال كونه كلالة . وإن كان المعنى بها الوارث فانتصاب الكلالة على المفعول به بيورث ، ويكون المفعول الثاني محذوفاً تقديره : يورث كلالة ماله أو القرابة ، فعلى المفعول من أجله والمفعولان محذوفان أيضاً ، ويجوز في كان أن تكون ناقصة ، فيكون يورث في موضع نصب على الخبر . وتامة فتكون في موضع رفع على الصفة . ويجوز إذا كانت ناقصة والكلالة بمعنى الميت ، أن يكون يورث صفة ، وينتصب كلالة على خبر كان ، أو بمعنى الوارث . فيجوز ذلك على حذف مضاف أي : وإن كان رجل موروث ذا كلالة . وقال عطاء : الكلالة المال ، فينتصب كلالة على أنه مفعول ثان ، سواء بني الفعل للفاعل أو للمفعول . وقال ابن زيد : الكلالة الوراثة ، وينتصب على الحال أو على النعت لمصدر محذوف تقديره : وراثة كلاله .

وقد كثر الاختلاف في الكلالة ، وملخص ما قيل فيها : أنها الوارث ، أو الميت الموروث ، أو المال الموروث ، أو الوراثة ، أو القرابة . وظاهر قوله : يورث أي : يورث منه ، فيكون هو الموروث لا الوارث . ويوضحه قراءة من كسر الراء .

وقال الزمخشري{ فإن قلت } : فإن جعلت يورث على البناء للمفعول من أورث فما وجهه ؟ { قلت} : الرجل حينئذ هو الوارث لا الموروث . { فإن قلت} : فالضمير في قوله : فلكل واحد منهما إلى من يرجع حينئذ ؟ { قلت} : إلى الرجل وإلى أخيه وأخته ، وعلى الأول إليهما { فإن قلت} : إذا رجع

الضمير إليهما أفاد استواءهما في حيازة السدس من غير مفاضلة الذكر والأنثى ، فهل تبقى هذه الفائدة قائمة في هذا الوجه ؟

قلت : نعم ، لأنك إذا

قلت : السدس له ، أو لواحدٍ من الأخ أو الأخت على التخيير ، فقد سويت بين الذكر والأنثى انتهى كلامه . وملخص ما قال : أن يكون المعنى : إن كان أحد اللذين يورثهما غيرهما من رجل أو امرأة له أحد هذين من أخ أو أخت ، فلكل واحد منهما السدس . وعطف وامرأة على رجل ، وحذف منها ما قيد به الرجل لدلالة المعنى ، والتقدير : أو امرأة تورث كلالة . وإن كان مجرد العطف لا يقتضي تقييد المعطوف بقيد المعطوف عليه . والضمير في : وله ، عائد على الرجل نظير :  { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } في كونه عاد على المعطوف عليه . وإن كان يجوز أن يعاد الضمير على المعطوف تقول : زيد أو هند قامت ، نقل ذلك الأخفش والفراء . وقد تقدم لنا ذكر هذا الحكم . وزاد الفراء وجهاً ثالثاً وهو : أن يسند الضمير إليهما . قال الفراء : عادة العرب إذا رددت بين اسمين بأو ، وأن تعيد الضمير إليهما جميعاً ، وإلى حدهما أيهما شئت . تقول : مَن كان له أخ أو أخت فليصله . وإن شئت فليصلها انتهى . وعلى هذا الوجه ظاهر قوله : في كونه عاد على المعطوف عليه . وإن كان يجوز أن يعاد الضمير على المعطوف تقول : زيد أو هند قامت ، نقل ذلك الأخفش والفراء . وقد تقدم لنا ذكر هذا الحكم . وزاد الفراء وجهاً ثالثاً وهو : أن يسند الضمير إليهما . قال الفراء : عادة العرب إذا رددت بين اسمين بأو ، وأن تعيد الضمير إليهما جميعاً ، وإلى حدهما أيهما شئت . تقول : مَن كان له أخ أو أخت فليصله . وإن شئت فليصلها انتهى . وعلى هذا الوجه ظاهر قوله :{ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّه أَوْلَى بِهِمَا } وقد تأوله من منع الوجه . وأصل أخت أخوة على وزن شررة ، كما أن بنتاً أصله بنية على أحد القولين في ابن ، أهو المحذوف منه واو أو ياء ؟ قيل : فلما حذفت لام الكلمة وتاء التأنيث ، وألحقوا الكلمة بقفل وجذع بزيادة التاء آخرهما قال الفراء : ضم أول أخت ليدل على أن المحذوف واو ، وكسر أول بنت ليدل على أن المحذوف ياء انتهى . ودلت هذه التاء التي للإلحاق على ما دلت عليه تاء التأنيث من التأنيث . وظاهر قوله : وله أخ أو أخت الإطلاق ، إذ الأخوة تكون بين الأحقاف والأعيان وأولاده العلات ، وأحمعوا على أنّ المراد في هذه الآية الأخوة للأم . ويوضح ذلك قراءة أبيّ وله أخ أو أخت من الأم . وقراءة سعد بن أبي وقاص : وله أخ أو أخت من أم ، واختلاف الحكمين هنا ، وفي آخر السورة يدل على اختلاف المحكوم له ، إذ هنا الإبنان أو الأخوة يشتركون في الثلث فقط ذكوراً أو إناثاً بالسوية بينهم . وهناك يحوزون المال للذكر مثل حظ الأنثيين ، والبنتان لهما الثلثان ، والضمير في منهما الظاهر أنه يعود على أخ أو أخت . وعلى ما جوزه الزمخشري يعود على أحد رجل وامرأة واحد أخ وأخت ، ولو ماتت عن زوج وأم وأشقاء فله النصف ولهما السدس ، ولهم الباقي أولاً فلهم الثلث . أو أخوين لأم أشقاء فهذه الحمادية . فهل يشترك الجميع في الثلث ، أم ينفرد به الأخوان لأم ؟ قولان ، قال بالتشريك عمر في آخر قضائه ، وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو حنيفة وأصحابه . وقال بالانفراد : علي وأبو موسى ، وأبي ، وابن عباس .

{فَإِن كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذالِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِى الثُّلُثِ } الإشارة بذلك إلى أخ أو أخت ، أي أكثر من واحد . لأنّ المحكوم عليه بأن له السدس هو كل واحد من الأخ والأخت فهو واحد ، ولم يحكم على الاثنين بأن لهما جميعاً السدس ، فتصح الأكثرية فيما أشير إليه وهو ذلك ، بل المعنى هنا بأكثر يعني : فإن كان من يرث زائداً على ذلك أي : على الواحد ، لأنه لا يصح أن يقول هذا أكثر من واحد إلا بهذا المعنى ، لتنافي معنى كثير وواحد ، إذ الواحد لا كثرة فيه .

وفي قوله : فإن كانوا ، وفهم شركاء غلب ضمير المذكر ، ولذلك جاء بالواو وبلفظ ، فهم هذا كله على ما قررت فيه الأحكام . وظاهر الآية : أنه إذا ترك أخاً أو أختاً ، أي أحد هذين ، فلكل واحد منهما السدس أو أكثر اشتركوا في الثلث ، أما إذا ترك اثنين من أخ أو أخت ، فلا يدل على ذلك ظاهر الآية .

{مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارّ وَصِيَّةً مّنَ اللّه} الضمير في يوصي عائد على رجل ، كما عاد عليه في : وله أخ . ويقوي عود الضمير عليه أنه هو الموروث لا الوارث ، لأن الذي يوصي أو يكون عليه الدين هو الموروث لا الوارث . ومن فسر قوله :{ وَإِن كَانَ رَجُلٌ } أنه هو الوارث لا الموروث ، جعل الفاعل في يوصي عائداً على ما دل عليه المعنى من الوارث . كما دل المعنى على الفاعل في قوله :{ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } لأنه علم أن الموصي والتارك لا يكون إلا الموروث ، لا الوارث . والمراد : غير مضار ، ورثته بوصيته أو دينه . ووجوه المضارة كثيرة : كان يوصي بأكثر من الثلث ، أو

لوارثه ، أو بالثلث ، أو يحابى به ، أو يهبه ، أو يصرفه إلى وجوه القرب من عتق وشبهه فراراً عن وارث محتاج ، أو يقر بدين ليس عليه . ومشهور مذهب مالك أنه ما دام في الثلث لا بعد مضاراً ، وينبغي اعتبار هذا القيد وهو انتفاء الضرر فيما تقدم من ذكر قوله : { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا }{ وتوصون ويوصين } ويكون قد حذف مما سبق لدلالة ما بعده عليه ، فلا يختص من حيث المعنى انتفاء الضرر بهذه الآية المتأخرة . قال ابن عباس : الضرار في الوصية من الكبائر ، ورواه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. وعنه صلى اللّه عليه وسلم من حديث أبي هريرة : { من ضار في وصيته ألقاه اللّه في وادي جهنم} . وقال قتادة : نهى اللّه عن الضرار في الحياة وعند الممات .

قالوا : وانتصاب غير مضار على الحال من الضمير المستكن في يوصي ، والعامل فيهما يوصي . ولا يجوز ما قالوه ، لأن فيه فصلاً بين العامل والمعمول بأجنبي منهما وهو قوله : أو دين . لأن قوله : أو دين ، معطوف على وصية الموصوفة بالعامل في الحال . ولو كان على ما قالوه من الأعراب لكان التركيب من بعد وصية يوصي بها غير مضار أو دين . وعلى قراءة من قرأ : يوصَى بفتح الصاد مبنياً للمفعول ، لا يصح أن يكون حالاً لما ذكرناه ، ولأنّ المضار لم يذكر لأنه محذوف قام مقامه المفعول الذي لم يسم فاعله ، ولا يصح وقوع الحال من ذلك المحذوف . لو

قلت : تُرسل الرياح مبشراً بها بكسر الشين ، لم يجز وإن كان المعنى يرسل اللّه الرياح مبشراً بها . والذي يظهر أنه يقدر له ناصب يدل عليه ما قبله من المعنى ، ويكون عاماً لمعنى ما يتسلط على المال بالوصية أو الدين ، وتقديره : يلزم ذلك ماله أو يوجبه فيه غير مضار بورثته بذلك الإلزام أو الإيجاب .

وقيل : يضمر يوصي لدلالة يوصي عليه ، كقراءة يسبح بفتح الباء . وقال رجال : أي يسبحه رجال . وانتصاب وصية من اللّه على أنه مصدر مؤكد أي : يوصيكم اللّه بذلك وصية ، كما انتصب { لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مّنَ اللّه}

و

قال ابن عطية : هو مصدر في موضع الحال ، والعامل يوصيكم .

وقيل : هو نصب على لخروج من قوله :{ فَلِكُلّ واحِدٍ مّنْهُمَا السُّدُسُ } أو من قوله :{ فَهُمْ شُرَكَاء فِى الثُّلُثِ } وجوز هو والزمخشري نصب وصية بمضار على سبيل التجوز ، لأن المضارة في الحقيقة إنما تقع بالورثة لا بالوصية ، لكنه ما كان الورثة قد وصى اللّه تعالى بهم صار الضرر الواقع بالورثة كأنه وقع بالوصية . ويؤيد هذا التخريج قراءة الحسن غير مضار وصية ، فخفض وصية بإضافة مضار إليه ، وهو نظير يا سارق الليلة المعنى : يا سارقي في الليلة ، لكنه اتسع في الفعل فعداه إلى الظرف تعديته للمفعول به ، وكذلك التقدير في هذا غير مضار في : وصية من اللّه ، فاتسع وعدي اسم الفاعل إلى ما يصل إليه بوساطة في تعديته للمفعول به .

{وَاللّه عَلِيمٌ حَلِيمٌ } عليم بمن جار أو عدل ، حليم عن الجائر لا يعاجله بالعقوبة قاله : الزمخشري . وفيه دسيسة الاعتزال أي : أنّ الجائر وإن لم يعاجله اللّه بالعقوبة فلا بد له منها . والذي يدل عليه لفظ حليم هو أن لا يؤاخذ بالذنب كما يقوله أهل السنة . وعلى قولهم يكون هذا الوصف يدل على الصفح عنه البتة . وحسن ذلك هنا لأنه لما وصف نفسه بقوله : عليم ، ودل على اطلاعه على ما يفعله الموروث في مضارته بورثته في وصيته ودينه ، وأنّ ذكر علمه بذلك دليل على مجازاته على مضارته ، أعقب ذلك بالصفة الدالة على الصفح عمن شاء ، وذلك على عادة أكثر القرآن بأنه لا يذكر ما يدل على العقاب ، إلا ويردف بما دل على العفو . وانظر إلى حسن هذا التقسيم في الميراث ، وسبب الميراث هو الاتصال بالميت ، فإن كان بغير واسطة فهو النسب أو الزوجية ، أو بواسطة فهو الكلالة . فتقدّم الأول على الثاني لأنه ذاتي ، والثاني عرض ، وأخّر الكلالة عنهما لأن الاثنين لا يعرض لهما سقوط بالكلية ، ولكون اتصالهما بغير واسطة ، ولأكثرية المخالطة .

انتهى ملخصاً من كلام الرازي في تفسيره .

﴿ ١٢