١٥واللاتي يأتين الفاحشة . . . . . العشرة : الصحبة والمخالطة . يقال : عاشروا ، وتعاشروا ، واعتشروا . وكان ذلك من أعشار الجذور ، لأنها مقاسمة ومخالطة . الإفضاء إلى الشيء : الوصول إلى فضاء منه ، أي سعة غير محصورة . وفي مثل الناس فوضى فضى أي : مختلطون ، يباشر بعضهم بعضاً . ويقال : فضاً يفضو فضاًء إذا اتسع ، فألف أفضى منقلبة عن ياء أصلها واو . المقت : البغض المقرون باستحقار حصل بسبب أمر قبيح ارتكبه صاحبه . العمة : أخت الأب . الخالة : أخت الأم ، وألفها منقلبة عن واو ، دليل ذلك قولهم : أخوال في جمع الخال ، ورجل مخول كريم الأخوال . الربيبة : بنت زوج الرجل من غيره . الحَجر بفتح الحاء وكسرها : مقدّم ثوب الإنسان وما بين يديه منه في حال اللبس ، ثم استعملت اللفظة في السير والحفظ ، لأن اللابس إنما يحفظ طفلاً ، وما أشبهه في ذلك الموضع من الثوب ، وجمعه حجور . الحليلة : الزوجة ، والحليل الزوج قال : أغشى فتاة الحي عند حليلها وإذا غزا في الجيش لا أغشاها سميت حليلة لأنها تحل مع الزوج حيث حل ، فهي فعيلة بمعنى فاعلة . وذهب الزجاج وغيره إلى أنها من لفظ الحلال ، فهي حليلة بمعنى محللة . وقيل : كل واحد منهما يحل إزار صاحبه . الصلب : الظهر ، وصلب صلابة قوي واشتدّ . وذكر الفراء في كتاب لغات القرآن له : أن الصلب وهو الظهر ، على وزن قفل هو لغة أهل الحجاز ويقول فيه تميم وأسد : الصلب بفتح الصاد واللام . قال : وأنشدني بعضهم : وصلب مثل العنان المؤدم قال وأنشدني بعض بني أسد إذا أقوم أتشكي صلبي المحصنة : المرأة العفيفة . يقال : أحصنت فهي محصن ، وحصنت فهي حصان عفت عن الرّيبة ومنعت نفسها منها . وقال شمر : يقال امرأة حصان ، وحاصن . قال : وحاصن من حاصنات ملس من الأذى ومن فراق الوقس ومصدر حصنت حصن . قال سيبويه : وقال أبو عبيدة والكسائي : حصانة . ويقال في اسم الفاعل من أحصن وأسهب وأبعج ، مفعل بفتح عين الكلمة ، وهو شذوذ نقله ثعلب عن ابن الأعرابي . وأصل الإحصان المنع ، ومنه قيل للدرع وللمدينة : حصينة والحصن وفرس حصان . المسافحة والسفاح : الزنا ، وأصله من السفح وهو الصب ، يسفح كل من الزانيين نطفته . الخدن والخدين : الصاحب . الطول : الفضل ، يقال منه : طال عليه يطول طولاً فضل عليه . وقال الليث والزجاج : الطول القدرة . انتهى . ويقال له : عليه طول أي زيادة وفضل ، وقد طاله طولاً فهو طائل . قال الشاعر : لقد زادني حباً لنفسي أنني بغيض إلى كل امرىء غير طائل ومنه الطول في الجسم لأنه زيادة فيه ، كما أن القصر قصور فيه ونقصان . الفتاة الحديثة السن والفتاء الحداثة . قال : فقد ذهب المروءة والفتاء . وقال ابن منصور الجواليقي : المتفتية والفتاة المراهقة ، والفتى الرفيق ، ومنه : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ } والفتى : العبد . ومنه :{ لا يَقُلْ أَحَدَكُمُ} الميل : العدول عن طريق الاستواء .{ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَاللَاتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مّنْكُمْ } قال مجاهد واختاره أبو مسلم بن بحر الأصبهاني : هذه الآية نزلت في النساء . والمراد بالفاحشة هنا : المساحقة ، جعل حدّهن الحبس إلى أن يمتن أو يتزوجن . قال : ونزلت { وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ } في أهل اللواط . والتي في النور : في { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى } وخالف جمهور المفسرين . وبناه أبو مسلم على أصل له : وهو يرى أنه ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ . ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما أمر بالإحسان إلى النساء فذكر إيتاء صدقاتهن وتوريثهن ، وقد كن لا يورثن في الجاهلية ، ذكر التغليظ عليهن فيما يأتينه من الفاحشة ، وفي الحقيقة هو إحسان إليهن ، إذ هو نظر في أمر آخرتهن ، ولئلا يتوهم أنّ من الإحسان إليهن أن لا تقام عليهن الحدود فيصير ذلك سبباً لوقوعهن في أنواع المفاسد . ولأنه تعالى لمّا ذكر حدوده وأشار بتلك إلى جميع ما وقع من أول السورة إلى موضع الإشارة ، فكان في مبدأ السورة التحصن بالتزويج ، وإباحة ما أباح من نكاح أربع لمن باح ذلك ، استطرد بعد ذلك إلى حكم من خالف ما أمر اللّه به من النكاح من الزواني ، وأفردهن بالذكر أولاً ، لأنهن على ما قيل أدخل في باب الشهوة من الرجال ، ثم ذكرهن ثانياً مع الرجال الزانين في قوله :{ وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ } فصار ذكر النساء الزواني مرّتين : مرة بالإفراد ، ومرّة بالشمول . واللاتي جمع من حيث المعنى للتي ، ولها جموع كثيرة أغربها : اللاآت ، وإعرابها إعراب الهندات . ومعنى يأتين الفاحشة : يجئن ويغشين . والفاحشة هنا الزنا بإجماع من المفسرين ، إلا ما نقل عن مجاهد وتبعه أبو مسلم في أن المراد به المساحقة ، ويأتي الكلام معه في ذلك ، وأطلق على الزنا اسم الفاحشة لزيادتها في القبح على كثير من القبائح . قيل : فإن قيل : القتل والكفر أكبر من الزنا ، قيل : القوى المدبرة للبدن ثلاث : الناطقة وفسادها بالكفر والبدعة وشبههما ، والغضبية وفسادها بالقتل والغضب وشبههما ، وشهوانية وفسادها بالزنا واللواط والسحر وهي : أخس هذه القوى ، ففسادها أخس أنواع الفساد ، فلهذا خص هذا العمل بالفاحشة . وحجة أبي مسلم في أن الفاحشة هي السحاق قوله :{ وَاللَاتِى يَأْتِينَ وَمِنْ نِسَائِكُمْ } وفي الرجال :{ وَاللَّذَانَ } ومنكم وظاهره التخصيص ، وبأن ذلك لا يكون فيه نسخ ، وبأنه لا يلزم فيه التكرار . ولأن تفسير السبيل بالرجم أو الجلد والتغريب عند القائلين بأنها نزلت في الزنا ، يكون عليهن لا لهن ، وعلى قولنا : يكون السبيل تيسر الشهوة لهن بطريق النكاح . وردوا على أبي مسلم بأن ما قاله لم يقله أحد من المفسرين ، فكان باطلاً . وأجاب : بأنه قاله مجاهد ، فلم يكن إجماعاً وتفسير السبيل بالحديث الثابت :{ قَدْ جَعَلَ اللّه لَهُنَّ سَبِيلاً } { الثيب ترجم والبكر تجلد } فدل على أن ذلك في الزناة . وأجاب بأنه يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد ، وأنه غير جائز . وبأن الصحابة اختلفوا في أحكام اللوطية ولم يتمسك أحد منهم بقوله : واللذان يأتيانها منكم ، فدل على أنها ليست فيهم . وأجاب بأن مطلوب الصحابة : هل يقام الحد على اللوطي وليس فيها دلالة على ذلك لا بالنفي ولا بالإثبات ؟ فلهذا لم يرجعوا إليه . انتهى . ما احتج به أبو مسلم ، وما ردّ به عليه ، وما أجاب به . والذي يقتضيه ظاهر اللفظ هو قول مجاهد وغيره : أن اللاتي مختص بالنساء ، وهو عام أحصنت أو لم تحصن . وإن واللذان مختص بالذكور ، وهو عام في المحصن وغير المحصن . فعقوبة النساء الحبس ، وعقوبة الرجال الأذى . ويكون هاتان الآيتان وآية النور قد استوفت أصناف الزناة ، ويؤيد هذا الظاهر قوله : من نسائكم وقوله : منكم ، لا يقال : إن السحاق واللواط لم يكونا معروفين في العرب ولا في الجاهلية ، لأن ذلك كان موجوداً فيهم ، لكنه كان قليلاً . ومن ذلك قول طرفة بن العبد : ملك النهار وأنت الليل مومسة ماء الرجال على فخذيك كالقرس وقال الراجز : يا عجباً لساحقات الورس الجاعلات المكس فوق المكس وقرأ عبد اللّه : واللاتي يأتين بالفاحشة ، وقوله : من نسائكم اختلف ، هل المراد الزوجات أو الحرائر أو المؤمنات أو الثيبات دون الأبكار ؟ لأن لفظ النساء مختص في العرف بالثيب ، أقوال . الأول : قاله قتادة والسدي وغيرهما . قال ابن عطية : قوله من نسائكم إضافة في معنى الإسلام ، لأن الكافرة قد تكون من نساء المسلمين ينسب ولا يلحقها هذا الحكم انتهى . وظاهر استعمال النساء مضافة للمؤمنين في الزوجات كقوله تعالى : { لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ }{ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نّسَائِهِمْ } وكون المراد الزوجات وأن الآية فيهم ، هو قول أكثر المفسرين . وأمر تعالى باستشهاد أربعة تغليظاً على المدعي ، وستراً لهذه المعصية . وقيل : يترتب على كل واحد شاهدان . وقوله : عليهن ، أي على إتيانهن الفاحشة . والظاهر أنه يختص بالذكور المؤمنين لقوله : أربعة منكم ، وأنه يجوز الاستشهاد لمعاينة الزنا . وإن تعمد النظر إلى الفرح لا يقدح في العدالة إذا كان ذلك لأجل الزنا . وإعراب اللاتي مبتدأ ، وخبره فاستشهدوا . وجاز دخول الفاء في الخبر ، وإن كان لا يجوز فاضربه على الابتداء والخبر ، لأن المبتدأ موصول بفعل مستحق به الخبر ، وهو مستوف شروط ما تدخل الفاء في خبره ، فأجرى الموصول لذلك مجرى اسم الشرط . وإذ قد أجرى مجراه بدخول الفاء فلا يجوز أن ينتصب بإضمار فعل يفسره فاستشهدوا ، فيكون من باب الاشتغال ، لأن فاستشهدوا لا يصح أن يعمل فيه لجريانه مجرى اسم الشرط ، فلا يصح أن يفسر هكذا . قال بعضهم : وأجاز قوم النصب بفعل محذوف تقديره : اقصدوا اللاتي . وقيل : خير اللاتي محذوف تقديره : فيما يتلى عليكم حكم اللاتي يأتين ، كقول سيبويه في قوله :{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ } وفي قوله :{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى } وعلى ذلك جملة سيبويه . ويتعلق من نسائكم بمحذوف ، لأنه في موضع الحال من الفاعل في : يأتين ، تقديره : كائنات من نسائكم . ومنكم يحتمل أن يتعلق بقوله : فاستشهدوا ، أو بمحذوف فيكون صفة لأربعة ، أي : كائنين منكم . {فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّه لَهُنَّ سَبِيلاً } أي : فإن شهد أربعة منكم عليهن . والمخاطب بهذا الأمر : أهم الأزواج أمروا بذلك إذا بدت من الزوجة فاحشة الزنا ، ولا تقربوهن عقوبة لهن وكانت من جنس جريمتهن ؟ أم الأولياء إذا بدت ممن لهم عليهن ولاية ونظر يحبسن حتى يمتن ؟ أو أولو الأمر من الولاة والقضاة إذ هم الذين يقيمون الحدود وينهون عن الفواحش ؟ أقوال ثلاثة . والظاهر أن الإمساك في البيوت إلى الغاية المذكورة كان على سبيل الحدِّ لهن ، وأنَّ حدهن كان ذلك حتى نسخ ، وهو الصحيح ، قاله : ابن عباس ، والحسن . والحبس في البيت آلم وأوجع من الضرب والإهانة ، لا سيما إذا انضاف إلى ذلك أخذ المهر على ما ذكره السدي ، لأن ألم الحبس مستمر ، وألم الضرب يذهب . قال ابن زيد : منعن من النكاح حتى يمتن عقوبة لهن حين طلبن النكاح من غير وجهه . وقال قوم : ليس بحدٍ بل هو إمساك لهن بعد أن يحدهنّ الإمام صيانة لهن أن يقعن في مثل ما جرى لهن بسبب الخروج من البيوت ، وعلى هذا لا يكون الإمساك حداً . وإذا كان يتوفى بمعنى يميت ، فيكون التقدير حتى يتوفاهن ملك الموت . وقد صرح بهذا المضاف المحذوف ، وهنا في قوله : قل يتوفاكم ملك الموت . وإن كان المعنى بالتوفي الأخذ ، فلا يحتاج إلى حذف مضاف ، إذ يصير التقدير : حتى يأخذهن الموت . والسبيل الذي جعله اللّه لهن مبني على الاختلاف المراد بالآية . فقيل : هو النكاح المحصن لهن المغنى عن السفاح ، وهذا على تأويل أن الخطاب للأولياء أو للأمراء أو القضاة ، دون الأزواج . وقيل : السبيل هو ما استقر عليه حكم الزنا من الحد ، وهو { البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب } رمى بالحجارة . وثبت تفسير السبيل بهذا من حديث عبادة بن الصامت في صحيح مسلم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فوجب المصير إليه . وحديث عبادة ليس بناسخ لهذه الآية ، ولا لأنه الجلد ، بل هو مبين لمجمل في هذه الآية إذ غيا إمساكهن في البيوت إلى أن يجعل لهن سبيلاً ، وهو مخصص لعموم آية الجلد . وعلى هذا لا يصح طعن أبي بكر الرازي على الشافعي في قوله : إن السنة لا تنسخ القرآن ، بدعواه أنَّ آية الحبس منسوخة ، بحديث عبادة ، وحديث عبادة منسوخ بآية الجلد ، فيلزم من ذلك نسخ القرآن بالسنة ، والسنة بالقرآن ، خلاف قول الشافعي ، بل البيان والتخصيص أولى من ادعاء نسخ ثلاث مرات على ما ذهب إليه أصحاب أبي حنيفة ، إذ زعموا أن آية الحبس منسوخة بالحديث ، وأن الحديث منسوخ بآية الجلد ، وآية الجلد منسوخة بآية الرجم . |
﴿ ١٥ ﴾