٢٠وإن أردتم استبدال . . . . . وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج . {وقيل} : معنى الآية : ويجعل اللّه في فراقكم لهنّ خيراً كثيراً لكم ولهن ، كقوله : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّه كُلاًّ مّن سَعَتِهِ } قاله الأصم : وهذا القول بعيد من سياق الآية ، ومما يدل عليه ما قبلها وما بعدها . وقلّ أن ترى متعاشرين يرضى كل واحد منهما جميع خلق الآخر ، ويقال : ما تعاشر إثنان إلا وأحدهما يتغاضى عن الآخر . وفي صحيح مسلم : { لا يفزك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر} . وأنشدوا في هذا المعنى : ومن لا يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب ومن يتتبع جاهداً كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً } لمّا أذن في مضارتهن إذا أتين بفاحشة ليذهب ببعض ما أعطاها ، بنى تحريم ذلك في غير حال الفاحشة ، وأقام الإرادة مقام الفعل . فكأنه قال : وإن استبدلتم . أو حذف معطوف أي : واستبدلتم . وظاهر قوله : وآتيتم أن الواو للحال ، أي : وقد آتيتم . وقيل : هو معطوف على فعل الشرط وليس بظاهر . والاستبدال وضع الشيء مكان الشيء والمعنى : أنه إذا كان الفراق من اختياركم فلا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً . واستدل بقوله : وآتيتم إحداهن قنطاراً على جواز المغالاة في الصدقات ، وقد استدلت بذلك المرأة التي خاطبت عمر حين خطب وقال :{ إِلاَّ لاِجَلٍ مّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وقال قوم : لا تدل على المغالاة ، لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة كأنه : قيل وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد ، وهذا شبيه بقوله صلى اللّه عليه وسلم : { من بنى مسجداً للّه ولو كمفحص قطاة بنى اللّه له بيتاً في الجنة } ومعلوم أن مسجداً لا يكون كمفحص قطاة ، وإنما هو تمثيل للمبالغة في الصغر . وقد قال صلى اللّه عليه وسلم لمن أمهر مائتين وجاء يستعين في مهره وغضب صلى اللّه عليه وسلم : { كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عرض الحرة } وقال محمد بن عمر الرازي : لا دلالة فيها على المغالاة لأن قوله : وآتيتم لا يدل على جواز إيتاء القنطار ، ولا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع كقوله : { مَن قَتَلَ لَهُ } انتهى . ولما كان قوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، خطاباً لجماعة كان متعلق الاستبدال أزواجاً مكان أزواج ، واكتفى بالمفرد عن الجمع لدلالة جمع المستبدلين ، إذ لا يوهم اشتراط المخاطبين في زوج واحدة مكان زوج واحدة ، ولا إرادة معنى الجماع عاد الضمير في قوله : إحداهن جمعاً والتي نهى أن نأخذ منها هي المستبدل مكانها ، إلا المستبدلة . إذ تلك هي التي أعطاها المال ، لا التي أراد استحداثها بدليل قوله :{ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ } وقال : وآتيتم إحداهن قنطاراً ليدل على أن قوله : وآتيتم المراد منه ، وأتى كل واحد منكم إحداهن ، أي إحدى الأزواج قنطاراً ، ولم يقل : وآتيتموهن قنطاراً لئلا يتوهم أن الجميع المخاطبين أتوا الأزواج قنطاراً . والمراد : آتى كل واحد زوجته قنطاراً . فدل لفظ إحداهن على أن الضمير في : آتيتم ، المراد منه كل واحد واحد ، كما دل لفظ : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج على أن المراد استبدال أزواج مكان أزواج ، فأريد بالمفرد هنا الجمع لدلالة : وإن أردتم . وأريد بقوله : وآتيتم كل واحد واحد لدلالة إحداهن ، وهي مفردة على ذلك . وهذا من لطيف البلاغة ، ولا يدل على هذا المعنى بأوجز من هذا ولا أفصح . وتقدّم الكلام في قنطار في أول آل عمران والضمير في منه عائد على قنطار . وقرأ ابن محيصن : بوصل ألف إحداهن ، كما قرىء : أنها لإحدى الكبقر بوصل الألف ، حذفت على جهة التحقيق كما قال : وتسمع من تحت العجاج لها ازملا وقال : إن لم أقاتل فألبسوني برقعا وظاهر قوله : فلا تأخذوا منه شيئاً تحريم أخذ شيء مما آتاها إذا كان استبدال مكانها بإرادته . قالوا : وهذا مقيد بقوله : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ } قالوا : وانعقد عليه الإجماع . ويجري هذا المجرى المختلعة لأنها طابت نفسها أن تدفع للزوج ما افتدت به . وقال بكر بن عبد اللّه المزني : لا تأخذ من المختلعة شيئاً لقوله : فلا تأخذوا منه شيئاً وآية البقرة منسوخة بهذا ، وتقدّم الكلام في ذلك في سورة البقرة . وظاهر قوله : وآتيتم إحداهن قنطاراً ، والنهي بعده يدل على عموم ما آتاها ، سواء كان مهراً أو غيره . أفضى بعضكم إلى بعض لأن هذا لا يقتضي أن يكون الذي آتاها مهراً فقط ، بل المعنى : أنه قد صار بينهما من الاختلاط والامتزاج ما لا يناسب أن يأخذ شيئاً مما آتاها ، سواء كان مهراً أو غيره . وقال أبو بكر الرازي : لا يمتنع أن يكون أول الخطاب عموماً في جميع ما تضمنه الاسم ، ويكون المعطوف عليه بحكم خاص فيه ، ولا يوجب ذلك خصوص اللفظ الأوّل انتهى كلامه . وهو منه تسليم أن المراد بقوله : وكيف تأخذونه ، أي المهر . وبينا أنه لا يلزم ذلك . قال أبو بكر الرازي : وفي الآية دليل على أن من أسلف امرأته نفقتها لمدة ثم ماتت قبل انقضاء المدة ، لا يرجع في ميراثها بشيء مما أعطاها لعموم اللفظ لأنه جائز ، أن يريد أن يتزوج أخرى بعد موتها مستبدلاً بها مكان الأولى . وظاهر الأمر قد تناول هذه الحالة انتهى . وليس بظاهرٍ لأنّ الاستبدال يقتضي وجود البدل والمبدل منه ، أما إذا كان قد عدم فلا يصح ذلك ، لأن المستبدل يترك هذا ويأخذ آخر بدلاً منه ، فإذا كان معدوماً فكيف يتركه ويأخذ بدله آخر ؟ وظاهر الآية يدل على تحريم أخذ شيء مما أعطاها إن أراد الاستبدال ، وآخر الآية يدل بتعليله بالإفضاء على العموم ، في حالة الاستبدال وغيرها . ومفهوم الشرط غير مراد ، وإنما خص بالذكر لأنها حالة قد يتوهم فيها أنه لمكان الاستبدال وقيام غيرها مقامها ، له أن يأخذ مهرها ويعطيه الثانية ، وهي أولى به من المفارقة . فبيّن اللّه أنه لا يأخذ منها شيئاً . وإذا كانت هذه التي استبدل مكانها لم يبح له أحد شيء مما آتاها ، مع سقوط حقه عن بضعها ، فأحرى أن لا يباح له ذلك مع بقاء حقه واستباحة بضعها ، وكونه أبلغ في الانتفاع بها منها بنفسه . وقرأ أبو السمال وأبو جعفر : شيا بفتح الياء وتنوينها ، حذف الهمزة وألقى حركتها على الياء . {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } أصل البهتان : الكذب الذي يواجه به الإنسان صاحبه على جهة المكابرة فيبهت المكذوب عليه . أي : يتحير ثم سمى كل باطل يتحير من بطلانه بهتاناً . وهذا الاستفهام على سبيل الإنكار ، أي : أتفعلون هذا مع ظهور قبحه ؟ وسمي بهتاناً لأنهم كانوا إذا أرادوا تطليق امرأة رموها بفاحشة حتى تخاف وتفتدي منه مهرها ، فجاءت الآية على الأمر الغالب . وقيل : سمي بهتاناً لأنه كان فرض لها المهر ، واسترداده يدل على أنه يقول : لم أفرضه ، وهذا بهتان . وانتصب بهتاناً وإثماً على أنهما مصدران في موضع الحال من الفاعل ، التقدير : باهتين وآثمين . أو من المفعول التقدير : مبهتاً محيراً لشنعته وقبح الأحدونة ، أو مفعولين من أجلهما أي : أتأخذونه لبهتانكم وإثمكم ؟ قال ذلك الزمخشري قال : وإن لم يكن غرضاً كقولك : قعد عن القتال جبناً . |
﴿ ٢٠ ﴾