٢٩يا أيها الذين . . . . . الجار : القريب المسكن منك ، وألفه منقلبة عن واو لقولهم : جاورت ، ويجمع على جيران وجيرة . والجنب : البعيد . والجنابة البعد قال : فلا تحرمني نائلاً عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب وهو من الاجتناب ، وهو أن يترك الرجل جانباً . وقال تعالى : { وَاجْنُبْنِى } أي بعدني ، وهو وصف على فعل كناقة سرح . المختال : المتكبر ، وهو اسم فاعل من اختال ، وألفه منقلبة عن ياء لقولهم : الخيلاء والمخيلة . ويقال : خال الرجل يخول خولاً إذا تكبر وأعجب بنفسه ، فتكون هذه مادة أخرى ، لأن تلك مركبة من خيل خ ي ل ، وهذه مادة من خ و ل . الفخور : فعول من فخر ، والفخر عد المناقب على سبيل الشغوف والتطاول . القرين : فعيل بمعنى مفاعل ، من قارنه إذا لازمه وخالطه ، ومنه سميت الزوجة قرينة . ومنه قيل لما يلزمن الإبل والبقر : قرينان ، وللحبل الذي يشدان به قرن قال الشاعر : وابن اللبون إذا ما لزفى قرن لم يستطع صوله البزل القناعيس وقال : كمدخل رأسه لم يدنه أحد من القرينين حتى لزه القرن {ضَعِيفاً يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } تقدم شرح نظير هذه الجملة في قوله :{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ } ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه تعالى لما بين كيفية التصرف في النفوس بالنكاح ، بيّن كيفية التصرف في الأموال الموصلة إلى النكاح ، وإلى ملك اليمين ، وأن المهور والأثمان المبذولة في ذلك لا تكون مما ملكت بالباطل ، والباطل هو كل طريق لم تبحه الشريعة ، فيدخل فيه : السرقة ، والخيانة ، والغصب ، والقمار ، وعقود الربا ، وأثمان البياعات الفاسدة ، فيدخل فيه بيع العربان وهو : أن يأخذ منك السلعة ويكرى الدابة ويعطى درهماً مثلاً عرباناً ، فإن اشترى ، أو ركب ، فالدرهم من ثمن السلعة أو الكراء ، وإلا فهو للبائع . فهذا لا يصح ولا يجوز عند جماهير الفقهاء ، لأنه من باب أكل المال بالباطل . وأجاز قوم منهم : ابن سيرين ، ومجاهد ، ونافع بن عبيد ، وزيد بن أسلم : بيع العربان على ما وصفناه ، والحجج في كتب الفقه . وقد اختلف السلف في تفسير قوله : بالباطل . فقال ابن عباس والحسن : هو أن يأكله بغير عوض . وعلى هذا التفسير قال ابن عباس : هي منسوخة ، إذ يجوز أكل المال بغير عوض إذا كان هبة أو صدقة أو تمليكاً أو وارثاً ، أو نحو ذلك مما أباحت الشريعة أخذه بغير عوض . وقال السدي : هو أن يأكل بالربا والقمار والبخس والظلم ، وغير ذلك مما لم يبح اللّه تعالى أكل المال به . وعلى هذا تكون الآية محكمة وهو قول ابن مسعود والجمهور . وقال بعضهم : الآية مجملة ، لأن معنى قوله : بالباطل ، بطريق غير مشروع . ولمّا لم تكن هذه الطريق المشروعة مذكورة هنا على التفصيل ، صارت الآية مجملة . وإضافة الأموال إلى المخاطبين معناه : أموال بعضكم . كما قال تعالى : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وقوله :{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } وقيل : يشمل قوله : أموالكم ، مال الغير ومال نفسه . فنهى أن يأكل مال غيره إلا بطريق مشروع ، ونهى أن يأكل مال نفسه بالباطل ، وهو : إنفاقه في معاصي اللّه تعالى . وعبر هنا عن أخذ المال بالأكل ، لأن الأكل من أغلب مقاصده وألزمها . {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ } هذا استثناء منقطع لوجهين : أحدهما : أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل فتستثنى منها سواء أفسرت قوله بالباطل بغير عوض كما قال : ابن عباس ، أم بغير طريق شرعي كما قاله غيره . والثاني : أن الاستثناء إنما وقع على الكون ، والكون معنى من المعاني ليس مالاً من الأموال . ومن ذهب إلى أنه استثناء متصل فغير مصيب لما ذكرناه . وهذا الاستثناء المنقطع لا يدل على الحصر في أنه لا يجوز أكل المال إلا بالتجارة فقط ، بل ذكر نوع غالب من أكل المال به وهو : التجارة ، إذ أسباب الرزق أكثرها متعلق بها . وفي قوله : عن تراض دلالة على أنّ ما كان على طريق التجارة فشرطه التراضي ، وهو من اثنين : الباذل للثمن ، والبائع للعين . ولم يذكر في الآية غير التراضي ، فعلى هذا ظاهر الآية يدل على أنه لو باع ما يساوي مائة بدرهم جاز إذا تراضيا على ذلك ، وسواء أعلم مقدار ما يساوي أم لم يعلم . وقالت فرقة : إذا لم يعلم قدر الغبن وتجاوز الثلث ، ردّ البيع . وظاهرها يدل على أنه إذا تعاقد بالكلام أنه تراض منهما ولا خيار لهما ، وإن لم يتفرقا . وبه قال : أبو حنيفة ، ومالك ، وروى نحوه عن عمر . وقال الثوري ، والليث ، وعبيد اللّه بن الحسن ، والشافعي : إذا عقدا فهما على الخيار ما لم يتفرّقا ، واستثنوا صوراً لا يشترط فيها التفرق ، واختلفوا في التفرق . فقيل : بأن يتوارى كل منهما عن صاحبه . وقال الليث : بقيام كل منهما من المجلس . وكل من أوجب الخيار يقول : إذا خيره في المجلس فاختار ، فقد وجب البيع . وروى خيار المجلس عن عمر أيضاً . وأطال المفسرون بذكر الاحتجاج لكل من هذه المذاهب ، وموضوع ذلك كتب الفقه . والتجارة اسم يقع على عقود المعاوضات المقصود منها طلب الأرباح . وأن تكون في موضع نصب أي : لكن كون تجارة عن تراض غير منهي عنه . وقرأ الكوفيون : تجارة بالنصب ، على أن تكون ناقصة على قدير مضمر فيها يعود على الأموال ، أو يفسره التجارة ، والتقدير : إلا أن تكون الأموال تجارة ، أو يكون التقدير : إلا أن تكون التجارة تجارة عن تراض منكم . كما قال : إذا كان يوماً ذا كوكب أشنعا . أي إذا كان هواي اليوم يوماً ذا كوكب . واختار قراءة الكوفيين أبو عبيد ، وقرأ باقي السبعة : تجارة بالرفع ، على أنّ كان تامة . وقال مكي بن أبي طالب : الأكثر في كلام العرب أن قولهم إلا أن تكون في الاستثناء بغير ضمير فيها على معنى يحدث أو يقع ، وهذا مخالف لاختيار أبي عبيد . و قال ابن عطية : تمام كان يترجح عند بعض لأنها صلة ، فهي محطوطة عن درجتها إذا كانت سليمة من صلة وغيرها ، وهذا ترجيح ليس بالقوي ، ولكنه حسن انتهى ما ذكره . ويحتاج هذا الكلام إلى فكر ، ولعله نقص من النسخة شيء يتضح به هذا المعنى الذي أراده . وعن تراض : صفة للتجارة أي : تجارة صادرة عن تراض . {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } ظاهره النهي عن قتل الإنسان نفسه كما يفعله بعض الجهلة بقصد منه ، أو بحملها على غرر يموت بسببه ، كما يصنع بعض الفتاك بالملوك ، فإنهم يقتلون الملك ويقتلون بلا شك . وقد احتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد ، وأقر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم احتجاجه . وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : لا تفعلوا ما تستحقون به القتل من القتل والردّة والزنا بعد الإحصان . قال ابن عطية : وأجمع المتأوّلون أنّ القصد النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضاً . وقال الزمخشري عن الحسن : إن المعنى لا تقتلوا أخوانكم انتهى . وعلى هذا المعنى أضاف القتل إلى أنفسهم لأنهم كنفس واحدة ، أو من جنس واحد ، أو من جوهر واحد . ولأنه إذا قتل قتلَ على سبيل القصاص ، وكأنه هو الذي قتل نفسه . وما ذكره ابن عطية من إجماع المتأوّلين ذكر غيره فيه الخلاف . قال ما ملخصه : يحتمل أن يراد حقيقة القتل ، فيحتمل أن يكون المعنى : لا يقتل بعضكم بعضاً . ويحتمل أن يكون المعنى : لا يقتل أحد نفسه لضر نزل به ، أو ظلم أصابه ، أو جرح أخرجه عن حد الاستقامة . ويحتمل أن يراد مجاز القتل أي : يأكل المال بالباطل ، أو بطلب المال والانهماك فيه ، أو يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى الهلاك ، أو يفعل هذه المعاص والاستمرار عليها . فيكون القتل عبر به عن الهلاك مجازاً كما جاء : شاهد قتل ثلاثاً نفسه ، والمشهود له ، والمشهود عليه أي : أهلك . وقرأ علي والحسن : ولا تقتلوا بالتشديد . {إِنَّ اللّه كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } حيث نهاكم عن إتلاف النفوس ، وعن أكل الحرام ، وبين لكم جهة الحل التي ينبغي أن يكون قوام الأنفس . وحياتها بما يكتسب منها ، لأنّ طيب الكسب ينبني عليه صلاح العبادات وقبولها . ألا ترى إلى ما ورد مَن حجّ بمال حرام أنه إذا قال : لبيك قال اللّه له : لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك . وألا ترى إلى الداعي ربه ومطعمه حرام وملبسه حرام كيف جاء أنّى يستجاب له ؟ وكان النهي عن أكل المال بالباطل متقدماً على النهي عن قتل أنفسهم ، لأنه أكثر وقوعاً ، وأفشى في الناس من القتل ، لا سيما إن كان المراد ظاهر الآية من أنه نهى أن يقتل الإنسان نفسه ، فإن هذه الحالة نادرة . وقيل : رحيماً حيث لم يكلفكم قتل أنفسكم حين التوبة كما كلف بني إسرائيل قتلهم أنفسهم ، وجعل ذلك توبة لهم وتمحيصاً لخطاياهم . |
﴿ ٢٩ ﴾