٣٠

ومن يفعل ذلك . . . . .

{وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً } الإشارة بذلك إلى ما وقع النهي عنه في هذه الجملة من أكل المال بالباطل ، وقتل الأنفس . لأن النهي عنهما جاء متسقاً مسروداً ، ثم ورد الوعيد حسب النهي . وذهب إلى هذا القول جماعة . وتقييد أكل المال بالباطل بالاعتداء والظلم على هذا القول ليس المعنى أن يقع على جهة لا يكون اعتداء وظلماً ، بل هو من الأوصاف التي لا يقع الفعل إلا عليه .

وقيل : إنما قال : عدواناً وظلماً ليخرج منه السهو والغلط ، وما كان طريقه الاجتهاد في الأحكام .

وأما تقييد قتل الأنفس على تفسير قتل بعضنا بعضاً بقوله : عدواناً وظلماً ، فإنما ذلك لأنّ القتل يقع كذلك ، ويقع خطأ واقتصاصاً .

وقيل الإشارة بذلك إلى أقرب مذكور وهو : قتل الأنفس ، وهو قول عطاء ، واختيار الزمخشري . قال : ذلك إشارة إلى القتل أي : ومن يقدم على قتل الأنفس عدواناً وظلماً لا خطأ ولا اقتصاصاً انتهى . ويكون نظير قوله :{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } وذهب الطبري : إلى أنّ ذلك إشارة إلى ما سبق من النهي الذي لم يقترن به وعيد وهو من قوله :{ أَلِيماً يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } إلى هذا النهي الذي هو ولا تقتلوا أنفسكم ، فأما ما قبل ذلك من النهي فقد اقترن به الوعيد . وما ذهب إليه الطبري بعيد جداً لأن كل جملة قد استقلت بنفسها ، ولا يظهر لها تعلق بما بعدها إلا تعلق المناسبة ، ولا تعلق اضطرار المعنى . وأبعد من قول الطبري ما ذهب إليه جماعة من أن ذلك إشارة إلى كل ما نهى عنه من القضايا ، من أول السورة إلى النهي الذي أعقبه قوله : ومن يفعل ذلك . وجوز الماتريدي أن يكون ذلك إشارة إلى أكل المال بالباطل ، قال : وذلك يرجع إلى ما سبق من أكل المال بالباطل ، أو قتل النفس بغير حق ، أو إليهما جميعاً انتهى . فعلى هذا القول يكون في المشار إليه بذلك خمسة أقوال .

وانتصاب عدواناً وظلماً على المفعول من

أجله ، وجوزوا أن يكونا مصدرين في موضع الحال ، أي : معتدين وظالمين . وقرىء عدواناً بالكسر .

وقرأ الجمهور : نصليه بضم النون .

وقرأ النخعي والأعمش : بفتحها من صلاة ، ومنه شاة مصلية . وقرىء أيضاً : نصليه مشدداً . وقرىء : يصليه بالياء ، والظاهر أن الفاعل هو ضمير يعود على اللّه أي : فسوف يصليه هو أي : اللّه تعالى . وأجاز الزمخشري أن يعود الضمير على ذلك قال : لكونه سبباً للمصلي ، وفيه بعد . ومدلول ناراً مطلق ، والمراد واللّه أعلم تقييدها بوصف الشدّة ، أو ما يناسب هذا الجرم العظيم من أكل المال بالباطل وقتل الأنفس .

{وَكَانَ ذالِكَ عَلَى اللّه يَسِيراً } ذلك إشارة إلى إصلائه النار ، ويسره عليه تعالى سهولته ، لأن حجته بالغة وحكمه لا معقب له .

وقال الزمخشري : لأن الحكمة تدعو إليه ، ولا صارف عنه من ظلم أو نحوه ، وفيه دسيسة الاعتزال .

﴿ ٣٠