٣٤الرجال قوامون على . . . . . {الرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّه بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوالِهِمْ } قيل : سبب نزول هذه الآية أنَّ امرأة لطمها زوجها فاستعدت ، فقضى لها بالقصاص ، فنزلت . فقال صلى اللّه عليه وسلم : { أردت أمراً وأراد اللّه غيره } قاله : الحسن ، وقتادة ، وابن جريج ، والسدي وغيرهم . فذكر التبريزي والزمخشري وابن عطية : أنها حبيبة بنت زيد بن أبي زهير زوج الربيع بن عمر ، وأحد النقباء من الأنصار . وطولوا القصة وفي آخرها : فرفع القصاص بين الرجل والمرأة ، وقال الكلبي : هي حبيبة بنت محمد بن سلمة زوج سعيد بن الربيع . وقال أبو روق : هي جميلة بنت عبد اللّه بن أبي أوفى زوج ثابت بن قيس بن شماس . وقيل : نزل معها : { وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْءانِ مِن قَبْلِ إَن يَقْضِى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } وفي سبب من عين المرأة أن زوجها لطمها بسبب نشوزها . وقيل : سبب النزول قول أم سلمة المتقدم : لما تمنى النساء درجة الرجال عرفن وجه الفضيلة قيل : المراد بالرحال هنا من فيهم صدامة وحزم ، لا مطلق من له لحية . فكم من ذي لحية لا يكون له نفع ولا ضر ولا حرم ، ولذلك يقال : رجل بين الرجولية والرجولة . ولذلك ادعى بعض المفسرين أنَّ في الكلام حذفا تقديره : الرجال قوامون على النساء إن كانوا رجالاً . وأنشد : أكل امرىء تحسبين امرأ ونار توقد بالليل ناراً والذي يظهر أنَّ هذا إخبار عن الجنس لم يتعرض فيه إلى اعتبار أفراده ، كأنه قيل : هذا الجنس قوام على هذا الجنس . وقال ابن عباس : قوّامون مسلطون على تأديب النساء في الحق . ويشهد لهذا القول طاعتهن لهم في طاعة اللّه . وقوام : صفة مبالغة ، ويقال : قيام وقيم ، وهو الذي يقوم بالأمر ويحفظه . وفي الحديث : { أنت قيام السموات والأرض ومن فيهن } والباء في بما للسبب ، وما مصدرية أي : بتفضيل اللّه . ومن جعلها بمعنى الذي فقد أبعد ، إذ لا ضمير في الجملة وتقديره محذوفاً مسوّغ لحذفه ، فلا يجوز . والضمير في بعضهم عائد على الرجال والنساء . وذكر تغليباً للمذكر على المؤنث ، والمراد بالبعض الأول الرجال ، وبالثاني النساء . والمعنى : أنهم قوّامون عليهن بسبب تفصيل اللّه الرجال على النساء ، هكذا قرروا هذا المعنى . قالوا : وعدل عن الضميرين فلم يأت بما فضل اللّه عليهن لما في ذكر بعض من الإبهام الذي لا يقتضي عموم الضمير ، فرب أنثى فضلت ذكراً . وفي هذا دليل على أن الولاية تستحق بالفضل لا بالتغلب والاستطالة ، وذكروا أشياء مما فضل به الرجال على النساء على سبيل التمثيل . فقال الربيع : الجمعة والجماعة . وقال الحسن : النفقة عليهن . وينبو عنه قوله : وبما أنفقوا . وقيل : التصرف والتجارات . وقيل : الغزو ، وكمال الدين ، والعقل . وقيل : العقل والرأي ، وحل الأربع ، وملك النكاح ، والطلاق ، والرجعة ، وكمال العبادات ، وفضيلة الشهادات ، والتعصيب ، وزيادة السهم في الميراث ، والديات ، والصلاحية للنبوة ، والخلافة ، والإمامة ، والخطابة ، والجهاد ، والرمي ، والآذان ، والاعتكاف ، والحمالة ، والقسامة ، وانتساب الأولاد ، واللحي ، وكشف الوجوه ، والعمائم التي هي تيجان العرب ، والولاية ، والتزويج ، والاستدعاء إلى الفراش ، والكتابة في الغالب ، وعدد الزوجات ، والوطء بملك اليمين . وبما أنفقوا من أموالهم : معناه عليهن ، وما : مصدرية ، أو بمعنى الذي ، والعائد محذوف فيه مسوّغ الحذف . قيل : المعنى بما أخرجوا بسبب النكاح من مهورهن ، ومن النفقات عليهن المستمرة . وروى معاذ : أنه صلى اللّه عليه وسلم قال : { لَوْ أُمِرْتُ أَحَدًا ءانٍ يَسْجُدُ لاِحَدٍ} قال القرطبي : فهم الجمهور من قوله : وبما أنفقوا من أموالهم ، أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها ، وإذا لم يكن قواماً عليها كان لها فسخ العقد لزوال المعقود الذي شرع لأجله النكاح . وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة ، وهو مذهب مالك والشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يفسخ لقوله :{ أَمْوالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ اللّه} قال ابن عباس : الصالحات المحسنات لأزواجهنّ ، لأنهن إذا أحسن لأزواجهن فقد صلح حالهن معهم . وقال ابن المبارك : المعاملات بالخير . وقيل : اللائي أصلحن اللّه لأزواجهن قال تعالى : قال ابن عباس : الصالحات المحسنات لأزواجهنّ ، لأنهن إذا أحسن لأزواجهن فقد صلح حالهن معهم . وقال ابن المبارك : المعاملات بالخير . وقيل : اللائي أصلحن اللّه لأزواجهن قال تعالى :{ وَأَصْلَحْنَا لَهُ} وقيل : اللواتي أصلحن أقوالهن وأفعالهن . وقيل : الصلاة الدين هنا . وهذه الأقوال متقاربة . والقانتات : المطيعات لأزواجهن ، أوللّه تعالى في حفظ أزواجهن ، وامتثال أمرهم ، أوللّه تعالى في كل أحوالهن ، أو قائمات بما عليهن للأزواج ، أو المصليات ، أقوال آخرها للزجاج . حافظات للغيب : قال عطاء وقتادة : يحفظن ما غاب عن الأزواج ، وما يجب لهن من صيانة أنفسهن لهن ، ولا يتحدثن بما كان بينهم وبينهن . و قال ابن عطية : الغيب ، كل ما غاب عن علم زوجها مما استتر عنه ، وذلك يعم حال غيبة الزوج ، وحال حضوره . وقال الزمخشري : الغيب خلاف الشهادة ، أي حافظات لمواجب الغيب إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن ، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة من الزوج والبيوت والأموال انتهى . والألف واللام في الغيب تغني عن الضمير ، والاستغناء بها كثير كقوله :{ مِنّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً } أي رأسي . وقال ذو الرّمة : لمياء في شفتيها حوّة لعس وفي اللثات وفي أنيابها شنب تريد : وفي لثاتها . وروى أبو هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : { خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرّتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها } ، ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية . وقرأ الجمهور : برفع الجلالة ، فالظاهر أن تكون ما مصدرية ، والتقدير : بحفظ اللّه إياهن . قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد . ويحتمل هذا الحفظ وجوهاً أي : يحفظ ، أي : بتوفيقه إياهن لحفظ الغيب ، أو لحفظه إياهن حين أوصى بهن الأزواج في كتابه وأمر رسوله ، فقال : { استوصوا بالنساء خيراً } أو بحفظهن حين وعدهن الثواب العظيم على حفظ الغيب ، وأوعدهن العذاب الشديد على الخيانة . وجوزوا أن تكون ما بمعنى الذي ، والعائد على ما محذوف ، والتقدير : بما حفظه اللّه لهن من مهور أزواجهن ، والنفقة عليهن ، قاله الزجاج . و قال ابن عطية : ويكون المعنى إما حفظ اللّه ورعايته التي لا يتم أمر دونها ، وإما أوامره ونواهيه للنساء ، وكأنها حفظه ، فمعناه : أن النساء يحفظن بإزاء ذلك وبقدره . وأجاز أبو البقاء أن تكون ما نكرة موصوفة . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : بنصب الجلالة فالظاهر أنَّ ما بمعنى الذي ، وفي حفظ ضمير يعود على ما مرفوع أي : بالطاعة والبر الذي حفظ اللّه في امتثال أمره . وقيل : التقدير بالأمر الذي حفظ حق اللّه وأمانته ، وهو التعفف والتحصن والشفقة على الرجال والنصيحة لهم . وقدره ابن جني : بما حفظ دين اللّه ، أو أمر اللّه . وحذف المضاف متعين تقديره : لأن الذات المقدسة لا ينسب إليها أنها يحفظها أحد . وقيل : ما مصدرية ، وفي حفظ ضمير مرفوع تقديره : بما حفظن اللّه ، وهو عائد على الصالحات . قيل : وحذف ذلك الضمير ، وفي حذفه قبح لا يجوز إلا في الشعر كما قال : فإن الحوادث أودي بها . يريد : أو دين بها . والمعنى : يحفظن اللّه في أمره حين امتثلته . والأحسن في هذا أن لا يقال أنه حذف الضمير ، بل يقال : إنه عاد الضمير عليهن مفرداً ، كأنه لوحظ الجنس ، وكأن الصالحات في معنى من صلح ، وهذا كله توجيه شذوذ أدّى إليه قول من قال في هذه القراءة : إنّ ما مصدرية . ولا حاجة إلى هذا القول ، بل ينزه القرآن عنه . وفي قراءة عبد اللّه ومصحفه : فالصوالح قوانت حوافظ للغيب بما حفظ اللّه ، فأصلحوا إليهن . وينبغي حملها على التفسير لأنها مخالفة لسواد الإمام ، وفيها زيادة . وقد صح عنه بالنقل الذي لا شك فيه أنه قرأ : وأقرأ على رسم السواد ، فلذلك ينبغي أن تحمل هذه القراءة على التفسير . قال ابن جني : والتكسير أشبه بالمعنى ، إذ هو يعطي الكثرة وهي المقصودة هنا . ومعنى قوله : فأصلحوا إليهن أي أحسنوا ضمن أصلحوا معنى أحسنوا ، ولذلك عداه بإلى . روى في الحديث : { يستغفر للمرأة المطيعة لزوجها الطير في الهواء ، والحيتان في البحر ، والملائكة في السماء ، والسباع في البراري} . قالت أم سلمة : قلت : يا رسول اللّه نساء الدنيا أفضل أم الحور ؟ فقال : نساء الدنيا أفضل من الحور . قلت : يا رسول اللّه بم ؟ قال : بصلاتهن ، وصيامهن ، وعبادتهن ، وطاعة أزواجهن . {وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } لما ذكر تعال صالحات الأزواج وأنهن من المطيعات الحافظات للغيب ، ذكر مقابلهن وهن العاصيات للأزواج . والخوف هنا قيل : معناه اليقين ، ذهب في ذلك إلى أنّ الأوامر التي بعد ذلك إنما يوجبها وقوع النشوز لا توقعه ، واحتج في جواز وقوع الخوف موقع اليقين بقول أبي محجن الثقفي رضي اللّه عنه : ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها وقيل الخوف علي بابه من بعض الظن . قال : أتاني كلام من نصيب بقوله وما خفت ياسلام أنك عاتبي أي : وما ظننت . وفي الحديث : { أمرت بالسواك حتى خفت لأدردن } وقيل : الخوف على بابه من ضد الأمن ، فالمعنى : يحذرون ويتوقعون ، لأن الوعظ وما بعده إنما هو في دوام ما ظهر من مبادىء ما يتخوف . والنشوز : أن تتعوج المرأة ويرتفع خلقها وتستعلي على زوجها ، ويقال : نسور بالسين والراء المهملتين ، ويقال : نصور ، ويقال : نشوص . وامرأة ناشر وناشص . قال الأعشي : تجللّها شيخ عشاء فأصبحت مضاعية تأتي الكواهن ناشصا قال ابن عباس : نشوزهنّ عصيانهنّ . وقال عطاء : نشوزها أن لا تتعطر ، وتمنعه من نفسه ، وتتغير عن أشياء كانت تتصنع للزوج بها . وقال أبو منصور : نشوزها كراهيتها للزوج . وقيل : امتناعها من المقام معه في بيته ، وإقامتها في مكان لا يريد الإقامة فيه . وقيل : منعها نفسها من الاستمتاع بها إذا طلبها لذلك . وهذه الأقوال كلها متقاربة . ووعظهن : تذكيرهن أمر اللّه بطاعة الزوج ، وتعريفهن أنّ اللّه أباح ضربهن عند عصيانهن ، وعقاب اللّه لهن على العصيان قاله : ابن عباس . وقال مجاهد : يقول لها : اتقي اللّه ، وارجعي إلى فراشك . وقيل : يقول لها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : { لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها } وقال : { لا تمنعه نفسها ولو كانت على قتب} . وقال : { أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح } وزاد آخرون أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : { ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق وامرأة بات عليها زوجها ساخطاً وإمام قوم هم له كارهون} . وهجرهن في المضاجع : تركهن لكراهة في المراقد . والمضجع المكان الذي يضطجع فيه على جنب . وأصل الاضطجاع الاستلقاء ، يقال : ضجيع ضجوعاً واضطجع استلقى للنوم ، وأضجعته أملته إلى الأرض ، وكل شيء أملته من إناء وغيره فقد أضجعته . قال ابن عباس وابن جبير : معناه لا تجامعوهن . وقال الضحاك والسدي : اتركوا كلامهن ، وولوهن ظهوركم في الفراش . وقال مجاهد : فارقوهن في الفرش ، أي ناموا ناحية في فرش غير فرشهن . وقال عكرمة والحسن : قولوا لهن في المضاجع هجراً ، أي كلاماً غليظاً . وقيل : اهجروهن في الكلام ثلاثة أيام فما دونها . وكنى بالمضاجع عن البيوت ، لأن كل مكان يصلح أن يكون محلاً للاضطجاع . وقال النخعي ، والشعبي ، وقتادة ، والحسن : من الهجران ، وهو البعد وقيل : اهجروهن بترك الجماع والاجتماع ، وإظهار التجهم ، والإعراض عنهن مدة نهايتها شهراً كما فعل عليه السلام { حين حلف أن لا يدخل على نسائه شهراً} وقيل : اربطوهن بالهجار ، وأكرهوهن على الجماع من قولهم : هجر البعير إذا شده بالهجار ، وهو حبل يشدّ به البعير قاله : الطبري ورجحه . وقدح في سائر الأقوال . وقال الزمخشري في قول الطبري : وهذا من تفسير الثقلاء انتهى . وقيل في للسبب : أي اهجروهن بسبب تخلفهن عن الفرش . وقرأ عبد اللّه والنخعي : في المضجع على الأفراد وفيه معنى الجمع ، لأنه اسم جنس . وضربهن هو أن يكون غير مبرح ولا ناهك ، كما جاء في الحديث . قال ابن عباس : بالسواك ونحوه . والضرب غير المبرح هو الذي لا يهشم عظماً ، ولا يتلف عضواً ، ولا يعقب شيئاً ، والناهك البالغ ، وليجتنب الوجه . وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم : { علق سوطك حيث يراه أهلك } وعن أسماء بنت الصديق رضي اللّه عنها : كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير ، فإذا غضب على إحدانا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها . وهذا يخالف قول ابن عباس ، وكذلك ما رواه ابن وهب عن مالك : أن أسماء زوج الزبير كانت تخرج حتى عوتبت في ذلك وعيب عليها وعلى ضرّاتها ، فعقد شعر واحدة بالأخرى ، ثم ضربهما ضرباً شديداً ، وكانت الضرّة أحسن اتقاء ، وكانت أسماء لا تتقي الضرب ، فكان الضرب بها أكثر ، فشكت إلى أبيها أبي بكر رضي اللّه عنه فقال : يا بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح ، ولعله أن يكون زوجك في الجنة . وظاهر الآية يدل : على أنه يعظ ، ويهجر في المضجع ، ويضرب التي يخاف نشوزها . ويجمع بينها ، ويبدأ بما شاء ، لأن الواو لا ترتب . وقال بهذا قوم وقال الجمهور : الوعظ عند خوف النشوز ، والضرب عند ظهوره . و قال ابن عطية : هذه العظة والهجر والضرب مراتب ، إن وقعت الطاعة عند إحداها لم يتعد إلى سائرها . وقال الزمخشري : أمر بوعظهن أولاً ، ثم بهجرانهن في المضاجع ، ثم بالضرب إن لم ينجع فيهن الوعظ والهجران . وقال الرازي ما ملخصه : يبدأ بلين القول في الوعظ ، فإن لم يفد فبخشنه ، ثم يترك مضاجعتها ، ثم بالإعراض عنها كلية ، ثم بالضرب الخفيف كاللطمة واللكزة ونحوها مما يشعر بالاحتقار وإسقاط الحرمة ، ثم بالضرب بالسوط والقضيب اللين ونحوه مما يحصل به الألم والإنكاء ولا يحصل عنه هشم ولا إراقة دم ، فإن لم يفد شيء من ذلك ربطها بالهجار وهو الحبل ، وأكرهها على الوطء ، لأن ذلك حقه . وأي شيء من هذه رجعت به عن نشوزها على ما رتبناه لم يجز له أن ينتقل إلى غيره لقوله : . {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } انتهى . وقوله : فإن أطعنكم أي : وافقنكم وانقدن إلى ما أوجب اللّه عليهن من طاعتكم . يدل على أنهن كن عاصيات بالنشوز ، وأن النشوز منهن كان واقعاً ، فإذن ليس الأمر مرتباً على خوف النشوز . وآخرها يدل على أنه مرتب على عصيانهن بالنشوز ، فهذا مما حمل على تأول الخوف بمعنى التيقن . والأحسن عندي أن يكون ثمّ معطوفاً حذف لفهم المعنى واقتضائه له ، وتقديره : واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن . كما حذف في قوله :{ أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ } تقديره فضرب فانفجرت ، لأن الانفجار لا يتسبب عن الأمر ، إنما هو متسبب عن الضرب . فرتبت هذه الأوامر على الملفوظ به . والمحذوف : أمر بالوعظ عند خوف النشوز ، وأمر بالهجر والضرب عند النشوز . ومعنى فلا تبغوا : فلا تطلبوا عليهن سبيلاً من السبل الثلاثة المباحة وهي : الوعظ ، والهجر ، والضرب . وقال سفيان : معناه لا تكلفوهن ما ليس في قدرتهن من الميل والمحبة ، فإن ذلك إلى اللّه . وقيل : يحتمل أن يكون تبعوا من البغي وهو الظلم ، والمعنى : فلا تبغوا عليهن من طريق من الطرق . وانتصاب سبيلاً على هذا هو على إسقاط الخافض . وقيل : المعنى فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً من سبل البغي لهن والإضرار بهن توصيلاً بذلك إلى نشوزهن أي : إذا كانت طائعة فلا يفعل معها ما يؤدي إلى نشوزها . ولفظ عليهن يؤذن بهذا المعنى . وسبيلاً نكرة في سياق النفي ، فيعم النهي عن الأذى بقول أو فعل . {إِنَّ اللّه كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } لما كان في تأديبهن بما أمر تعالى به الزوج اعتلاء للزوج على المرأة ، ختم تعالى الآية بصفة العلو والكبر ، لينبه العبد على أن المتصف بذلك حقيقة هو اللّه تعالى . وإنما أذن لكم فيما أذن على سبيل التأديب لهن ، فلا تستعلوا عليهن ، ولا تتكبروا عليهن ، فإنَّ ذلك ليس مشروعاً لكم . وفي هذا وعظ عظيم للأزواج ، وإنذار أنَّ قدرة اللّه عليكم فوق قدرتكم عليهن . وفي حديث أبي مسعود وقد ضرب غلاماً له اعلم أبا مسعود أن اللّه أقدر عليك منك على هذا العبد . أو يكون المعنى : إنكم تعصونه تعالى على علو شأنه وكبرياء سلطانه ، ثم يتوب عليكم ، فيحق لكم أن تعفوا عنهن إذا أطعنكم . |
﴿ ٣٤ ﴾