٣٧الذين يبخلون ويأمرون . . . . . {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتَاهُمُ اللّه مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } نزلت هذه الآية في قوم كفار . روى عن ابن عباس ، ومجاهد ، وابن زيد ، وحضرمي : أنها نزلت في أحبار اليهود بخلوا بالإعلام بأمر محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وكتموا ما عندهم من العلم في ذلك ، وأمروا بالبخل على جهتين : أمروا أتباعهم بجحود أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم وقالوا للأنصار : لم تنفقون على المهاجرين فتفتقرون ؟ وقيل : نزلت في المنافقين . وقيل : في مشركي مكة . وعلى اختلاف سبب النزول اختلف أقوال المفسرين من المعنى بالذين يبخلون . وقيل : هي عامّة في كل من يبخل ويأمر بالبخل من اليهود وغيرهم . والبخل في كلام العرب : منع السائل شيئاً مما في يد المسؤول من المال ، وعنده فضل . قال طاووس : البخل أن يبخل الإنسان بما في يده ، والشح أن يشح على ما في أيدي الناس . والبخل في الشريعة ، هو منع الواجب . وقال الراغب : لم يرد البخل بالمال ، بل بجميع ما فيه نفع للغير انتهى . ولما أمر تعالى بالإحسان إلى الوالدين ومن ذكر معهما من المحتاجين على سبيل ابتداع أمر اللّه ، بيّن أنّ من لا يفعل ذلك قسمان . أحدهما : البخيل الذي لا يقدم على إنفاق المال ألبتة حتى أفرط في ذلك وأمر بالبخل . والثاني : الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ، لا لغرض أمر اللّه وامتثاله وطاعته . وذمّ تعالى القسمين بأن أعقب القسم الأول : وأعتدنا للكافرين ، وأعقب الثاني بقوله :{ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً} والبخل أنواع : بخل بالمال ، وبخل بالعلم وبخل بالطعام ، وبخل بالسلام ، وبخل بالكلام ، وبخل على الأقارب دون الأجانب ، وبخل بالجاه ، وكلها نقائض ورذائل مذمومة عقلاً وشرعاً وقد جاءت أحاديث في مدح السماحة وذم البخل منها : { مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ وَمَن نّعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ فِى الْخَلْقِ } وظاهر قوله بالبخل أنه متعلق بقوله : ويأمرون ، كما تقول : أمرت زيداً بالصبر ، فالبخل مأمور به . وقيل : متعلق الأمر محذوف ، والباء في بالبخل حالية ، والمعنى : ويأمرون الناس بشكرهم مع التباسهم بالبخل ، فيكون نحو ما أشار إليه الشاعر بقوله : أجمعت أمرين ضاع الحزم بينهما تيه الملوك وأفعال المماليك وقرأ الجمهور : بالبخل بضم الباء وسكون الخاء . وعيسى بن عمرو الحسن : بضمهما . وحمزة الكسائي : بفتحهما ، وابن الزبير وقتادة وجماعة . بفتح الباء ، وسكون الخاء . وهي كلها لغات . قال الفرّاء : البخل مثقلة لأسد ، والبخل خفيفة لتميم ، والبخل لأهل الحجاز . ويخففون أيضاً فتصير لغتهم ولغة تميم واحدة ، وبعض بكر بن وائل بقولون البخل قال جرير : تريدين أن ترضي وأنت بخيلة ومن ذا الذي يرضي الأخلاء بالبخل وأنشدني المفضل : وأوفاهم أوان بخل وينشد هذا البيت بفتحتين وضمتين : وإن امرأ لا يرتجى الخير عنده لذو بخل كل على من يصاحب واختلفوا في إعراب الذين يبخلون ، فقيل : هو في موضع نصب بدل من قوله : من كان . وقيل : من قوله مختالاً فخوراً . أفرد اسم كان ، والخبر على لفظ من ، وجمع الذين حملا على المعنى . وقيل : انتصب على الذم . ويجوز عندي أن يكون صفة لمن ، ولم يذكروا هذا الوجه . وقيل : هو في موضع رفع على إضمار مبتدأ محذوف ، أي : هم الذين . وقال أبو البقاء : يجوز أن يكون بدلاً من الضمير في فخوراً ، وهو قلق . فهذه ستة أوجه يكون فيها الذين يبخلون متعلقاً بما قبله ، ويكون الباخلون منفياً عنهم محبة اللّه تعالى ، وتكون الآية إذن في المؤمنين ، والمعنى : أحسنوا أيها المؤمنون إلى مَن سمى اللّه ، فإن اللّه لا يحب من فيه الخلال المانعة من الإحسان إليهم وهي : الخيلاء ، والفخر ، والبخل ، والأمر به ، وكتمان ما أعطاهم اللّه من الرزق والمال . وقيل : الذين يبخلون في موضع رفع على الابتداء ، واختلفوا في الخبر : أهو محذوف ؟ أم ملفوظ به ؟ فقيل : هو ملفوظ به وهو قوله :{ إِنَّ اللّه لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } ويكون الرابط محذوفاً تقديره : مثقال ذرة لهم ، أو لا يظلمهم مثقال ذرة . وإلى هذا ذهب الزجاج ، وهو بعيد متكلف لكثرة الفواصل بين المبتدأ والخبر ، ولأن الخبر لا ينتظم مع المبتدأ معناه : انتظاماً واضحاً لأنّ سياق المبتدأ وما عطف عليه ظاهراً من قوله : والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ، لا يناسب أن يخبر عنه بقوله : إن اللّه لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً ، بل مساق أنّ اللّه لا يظلم أن يكون استئناف كلام إخباراً عن عدله وعن فضله تعالى وتقدس . وقيل : هو محذوف فقدره الزمخشري : الذين يبخلون ويفعلون ويصنعون أحقاء بكل ملامة . وقدره ابن عطية : معذبون أو مجازون ونحوه . وقدره أبو البقاء : أولئك قرناؤهم الشيطان ، وقدره أيضاً : مبغضون . ويحتمل أن يكون التقدير : كافرون { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ } فإن كان ما قبل الخبر مما يقتضي كفراً حقيقة كتفسيرهم البخل بأنه بخل بصفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وبإظهار نبوّته . والأمر بالبخل لأتباعهم أي : بكتمان ذلك ، وكتمهم ما تضمنته التوراة من نبوّته وشريعته ، كان قوله : وأعتدنا للكافرين ، حقيقة فإن كان ما قبل الخبر كفر نعمة كتفسيرهم : أنها في المؤمنين ، كان قوله : وأعتدنا للكافرين كفر نعمة ولكل من هذه التقادير مناسب من الآية ، والآية على هذه التقادير . وقول الزجاج : في الكفار ، ويبين ذلك سبب النزول المتقدم . وتقدم تفسير البخل والأمر به ، والكتمان على هذا الوجه في سبب النزول . وأعتدنا للكافرين : أي أعددنا وهيأنا . والعتيد : الحاضر المهيأ والمهين الذي فيه خزي وذل ، وهو أنكى وأشد على المعذب . |
﴿ ٣٧ ﴾