٣٨

والذين ينفقون أموالهم . . . . .

{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَلاَ بِالْيَوْمِ الاْخِرِ } تقدم تفسير مثل هذه الآية في قوله :{ كَالَّذِى يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّه وَالْيَوْمِ الاْخِرِ } وهناً : ولا باليوم الآخر ، وهناك : واليوم الآخر . قال السدّي ، والزجاج وأبو سليمان الدّمشقي والجمهور : هم المنافقون نزلت فيهم ، وإنفاقهم هو إعطاؤهم الزكاة ، وإخراجهم المال في السفر للغزو رئاء ودفعاً عن أنفسهم ، لا إيماناً ولا حباً في الدّين .

وقال ابن عباس : ومقاتل ، ومجاهد : نزلت في اليهود . وضعفه الطبري من حيث أنهم يؤمنون باللّه واليوم الآخر . ووجه ابن عطية هذا القول بأنهم لم يؤمنوا على ما ينبغي جعل إيمانهم كلا إيمان من حيث لا ينفعهم .

وقيل : هم مشركو مكة ، لأنهم كانوا ينكرون البعث . وإنفاق اليهود هو ما أعانوا به قريشاً في غزوة أحد وغزوة الخندق ، وإنفاق مشركي مكة هو ما كان في عداوة النبي صلى اللّه عليه وسلم وطلبهم الانتصار .

وفي إعراب والذين ينفقون وجوه :

أحدها : أنه مبتدأ محذوف الخبر ، ويقدر : معذبون ، أو قرينهم الشيطان ، ويكون العطف من عطف الجمل .

والثاني : أن يكون معطوفاً على الكافرين ، فيكون مجروراً قاله : الطبري . و

الثالث : أن يكون معطوفاً على الذين يبخلون ، فيكون إعرابه كإعراب الذين يبخلون . والعطف في هذين الوجهين من عطف المفردات . ورئاء مصدر راء ، أو انتصابه على أنه مفعول من أجله ، وفيه شروطه فلاينبغي أن يعدل عنه .

وقيل : هو مصدر في موضع الحال قاله : ابن عطية ، ولم يذكر غيره . وظاهر قوله : ولا يؤمنون أنه عطف على صلة الذين ، فيكون صلة . ولا يضر الفصل بين إبعاض الصلة بمعمول للصلة ، إذ انتصاب رئاء على وجهيه بينفقون . وجوّزوا أن يكون : ولا يؤمنون في موضع الحال ، فتكون الواو واو الحال أي : غير مؤمنين ، والعامل فيها ينفقون أيضاً .

وحكى المهدوي : أنه يجوز انتصاب رئاء على الحال من نفس الموصول لا من الضمير في ينفقون ، فعلى هذا لا يجوز أن يكون : ولا يؤمنون معطوفاً على الصلة ، ولا حالاً من ضمير ينفقون ، لما يلزم من الفصل بين أبعاض الصلة ، أو بين معمول الصلة بأجنبي وهو رئاء المنصوب على الحال من نفس الموصول ، بل يكون قوله : ولا يؤمنون مستأنف . وهذا وجه متكلف . وتعلق رئاء بقوله : ينفقون واضح ، إما على المفعول له ، أو الحال ، فلا ينبغي أن يعدل عنه . وتكرار لا وحرف الجر في قوله : ولا باليوم الآخر مفيد لانتفاء كل واحد من الإيمان باللّه ، ومن الإيمان باليوم الآخر . لأنك إذا

قلت : لا أضرب زيداً وعمراً ، احتمل أن لا تجمع بين ضربيهما . ولذلك يجوز أن تقول بعد ذلك : بل أحدهما . واحتمل نفي الضرب عن كل واحد منهما علي سبيل الجمع ، وعلى سبيل الإفراد . فإذا

قلت : لا أضرب زيداً ولا عمراً ، تعين هذا الاحتمال الثاني الذي كان دون تكرار .

{وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً } لما ذكر تعالى من اتصف بالبخل والأمر به ، وكتمان فضل اللّه تعالى ، والإنفاق رئاء ، وانتفاء إيمانه باللّه وباليوم الآخر ، ذكر أن هذه من نتائج مقارنة الشيطان ومخالطته وملازمته للمتصف بذلك ، لأنها شر محض ،

إذ جمعت بين سوء الإعتقاد الصادر عنه الإنفاق رئاء ، وسائر تلك الأوصاف المذمومة . ولذلك قدم تلك الأوصاف وذكر ما صدرت عنه وهو انتفاء الإيمان بالموحد ، وبدار الجزاء . ثم ذكر أنّ ذلك من مقارنة الشيطان .

والقرين هنا فعيل بمعنى مفاعل ، كالجليس والخليط أي : المجالس والمخالط . والشيطان هنا جنس لا يراد به إبليس وحده وهو كقوله : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } وله متعلق بقريناً أي : قريناً له . والفاء جواب الشرط ، وساء هنا هي التي بمعنى بئس للمبالغة في الذم ، وفاعلها على مذهب البصريين ضمير عام ، وقريناً تمييز لذلك الضمير . والمخصوص بالذمّ محذوف وهو العائد على الشيطان الذي هو قرين ، ولا يجوز أن يكون ساء هنا هي المتعدية ومفعولها محذوف وقريناً حال ، لأنها إذ ذاك تكون فعلاً متصرفاً فلا تدخله الفاء ، أو تدخله مصحوبة بقد . وقد جوّزوا انتصاب قريناً على الحال ، أو على القطع ، وهو ضعيف . وبولغ في ذمّ هذا القرين لحمله على تلك الأوصاف الذميمة .

قال الزمخشري وغيره : ويجوز أن يكون وعيداً لهم بأن الشيطان يقرن بهم في النار انتهى . فتكون المقارنة إذ ذاك في الآخرة يقرن به في النار فيتلاعنان ويتباغضان كما قال :{ مُّقَرَّنِينَ فِى الاْصْفَادِ } و { إِذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيّقاً مُّقَرَّنِينَ} وقال الجمهور : هذه المقارنة هي في الدنيا كقوله :{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُواْ لَهُم } { ونقيض له شيطاناً فهو له قرين } { وقال قرينه ربنا ما أطغيته }

قال ابن عطية : وقرن الطبري هذه الآية بقوله تعالى :{ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } وذلك مردود ، لأنّ بدلاً حال ، وفي هذا نظر . والذي قاله الطبري صحيح ، وبدلاً تمييز لا حال ، وهو مفسر للضمير المستكن في بئس على مذهب البصريين ، والمخصوص بالذم محذوف تقديره : هم أي الشيطان وذريته . وإنما ذهب إلى إعراب المنصوب بعد نعم وبئس حالاً الكوفيون على اختلاف بينهم مقرر في علم النحو .

{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءَامَنُواْ بِاللّه وَالْيَوْمِ الاٌّ خِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّه وَكَانَ اللّه بِهِم عَلِيماً إِنَّ اللّه لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }

{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءامَنُواْ بِاللّه وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّه}

﴿ ٣٨