٣٩

وماذا عليهم لو . . . . .

ظاهر هذا الكلام أنه ملتحم لحمة واحدة ، والمراد بذلك : ذمّهم وتوبيخهم وتجهيلهم بمكان سعادتهم ، وإلا فكل الفلاح والمنفعة في اتصافهم بما ذكر تعالى . فعلى هذا الظاهر يحتمل أن يكون الكلام جمليتن ، وتكون لو على بابها من كونها حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره ، والتقدير : وماذا عليهم في الإيمان باللّه واليوم الآخر والإنفاق في سبيل اللّه لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم اللّه لحصلت لهم السعادة . ويحتمل أن يكون جملة واحدة ، وذلك على مذهب من يثبن أن لو تكون مصدرية في معنى : أن كأنه قيل : وماذا عليهم أن آمنوا ، أي في الإيمان باللّه ، ولا جواب لها إذ ذاك ، فيكون كقوله : وماذا عليه أن ذكرت أوانسا

كغزلان رمل في محاريب أقيال

قالوا : ويجوز أن يكون قوله : وماذا عليهم ، مستقلاً لا تعلق به بما بعده ، بل ما بعده مستأنف . أي : وماذا عليهم يوم القيامة من الوبال والنكال باتصافهم بالبخل وتلك الأوصاف المذمومة ، ثم استأنف وقال : لو آمنوا ، وحذف جواب لو . و

قال ابن عطية : وجواب لو في قوله : ماذا ، فهو جواب مقدم انتهى . فإن أراد ظاهر هذا الكلام فليس موافقاً لكلام النحويين ، لأن الاستفهام لا يقع جواب لو ، ولأن قولهم : أكرمتك لو قام زيد ، إن ثبت أنه من كلام العرب حمل على أكرمتك دال على الجواب ، لا جواب كما قالوا في قولهم : أنت ظالم إن فعلت . وإن أراد تفسير المعنى فيمكن ما قاله .

وماذا : يحتمل أن تكون كلها استفهاماً ، والخبر في عليهم . ويحتمل أن يكون ما هو الاستفهام ، وذا بمعنى الذي وهو الخبر ، وعليهم صلة ذا . وإذا كان لو آمنوا باللّه واليوم الآخر من متعلقات قوله : وماذا

عليهم ، كان في ذلك تفجع عليهم واحتياط وشفقة ، وقد تعلقت المعتزلة بذلك . قال أبو بكر الرازي : تدل على بطلان مذهب الجهمية أهل الجبر ، لأنهم لو لم يكونوا مستطيعين للإيمان باللّه والإنفاق لما أجاز أن يقال ذلك فيهم ، لأنّ عَذرهم واضح وهو أنّهم غير متمكنين مما دعوا إليه ، ولا قادرين ، كما لا يقال للأعمى : ماذا عليه لو أبصر ، ولا يقال للمريض ماذا عليه لو كان صحيحاً . وفي ذلك أوضح دليل على أنّ اللّه قد قطع عذرهم في فعل ما كلفهم من الإيمان وسائر الطاعات ، وأنهم متمكنون من فعلها انتهى كلامه . وهو قول المعتزلة والمذاهب في هذا أربعة كما تقرر : الجبرية ، والقدرية ، والمعتزلة ، وأهل السنة .

قال ابن عطية : والانفصال عن شبهة المعتزلة أنّ المطلوب إنما هو تكسبهم واجتهادهم وإقبالهم على الإيمان ،

وأما الاختراع فاللّه المنفرد به انتهى . ولما صفهم تعالى بتلك الأوصاف المذمومة كان فيه الترقي من وصف قبيح إلى أقبح منه ، فبدأ أولاً بالبخل ، ثم بالأمر به ، ثم بكتمان فضل اللّه ، ثم بالإنفاق رياء ، ثم بالكفر باللّه وباليوم الآخر . ولما وبخهم وتلطف في استدعائهم بدأ بالإيمان باللّه واليوم الآخر ، إذ بذلك تحصل السعادة الأبدية ، ثم عطف عليه الإنفاق أي : في سبيل اللّه ، إذ به يحصل نفي تلك الأوصاف القبيحة من البخل ، والأمر به وكتمان فضل اللّه والإنفاق رئاء الناس .

{وَكَانَ اللّه بِهِم عَلِيماً } خبر يتضمن وعيداً وتنبيهاً على سوء بواطنهم ، وأنه تعالى مطلع على ما أخفوه في أنفسهم .

قيل : وتضمنت هذه الآيات أنواعاً من الفصاحة والبلاغة والبديع . التكرار وهو في : نصيب مما اكتسبوا ، ونصيب مما اكتسبن . والجلالة : في واسئلوا اللّه ، إن اللّه ، وحكماً من أهله ، وحكماً من أهلها ، وبعضكم على بعض ، والجار ذي القربى ، والجار الجنب ، والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر . وقوله : لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم اللّه وقريناً وساء قريناً . والجلالة في : مما رزقهم اللّه ، وكان اللّه . والتجنيس المغاير في : حافظات للغيب بما حفظ اللّه ، وفي : يبخلون وبالبخل . ونسق الصفات من غير حرف في : قانتات حافظات . والنسق بالحروف على طريق ذكر الأوكد فالأوكد في : وبالوالدين إحساناً وما بعده . والطابق المعنوي في : نشوزهنّ فإن أطعنكم ، وفي : شقاق بينهما ويوفق اللّه . والاختصاص في قوله : من أهله ومن أهلها ،

وفي قوله : عاقدت أيمانكم . والإبهام في قوله : به شيئاً وإحساناً ، وما ملكت فشيوع شيئاً وإحساناً وما واضح . والتعريض في : مختالاً فخوراً . أعرض بذلك إلى ذم الكبر المؤدّي للبعد عن الأقارب الفقراء واحتقارهم واحتقار من ذكر معهم . والتأكيد بإضافة الملك إلى اليمين في : وما ملكت أيمانكم . والتمثيل : في ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً . والحذف في عدّة مواضع .

﴿ ٣٩