٦٦ولو أنا كتبنا . . . . . {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ } قالت اليهود لما لم يرض المنافق بحكم الرسول : ما رأينا أسخف من هؤلاء لا يؤمنون بمحمد ويتبعونه ، ويطؤن عقبه ، ثم لا يرضون بحكمه ، ونحن قد أمرنا بقتل أنفسنا ففعلنا ، وبلغ القتل فينا سبعين ألفاً . فقال ثابت بن قيس : لو كتب ذلك علينا لفعلنا فنزلت . وروي هذا السبب بألفاظ متغايرة والمعنى قريب . ومعنى الآية : أنه تعالى لو فرض عليهم أنْ يقتلوا أنفسهم ، إمّا أن يقتل نفسه بيده ، أو يقتل بعضهم بعضاً ، أو أن يخرجوا من ديارهم كما فرض ذلك على بني إسرائيل حين استتيبوا من عبادة العجل لم يطع منهم إلا القليل ، وهذا فيه توبيخ عظيم حيث لا يمتثل أمر اللّه إلا القليل . وقال السبيعي : لما نزلت قال رجل : لو أمرنا لفعلنا ، والحمد للّه الذي عافانا . فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : { إنّ من أمتي رجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي } قال ابن وهب : الرجل القائل ذلك هو أبو بكر . وروي عنه أنه قال : لو كتب علينا ذلك لبدأت بنفسي وأهل بيتي . وذكر النقاش : أنه عمر . وذكر أبو الليث السمرقندي : أن القائل منهم عمار ، وابن مسعود ، وثابت بن قيس . والضمير في عليهم قيل : يعود على المنافقين ، أي : ما فعله إلا قليل منهم رياء وسمعة ، وحينئذ يصعب الأمر عليهم وينكشف كفرهم . وقيل : يعود على الناس مؤمنهم ومنافقهم . وكسر النون مِن أن ، وضم الواو من أو ، أبو عمرو . وكسرهما حمزة وعاصم ، وضمهما باقي السبعة . وأن هنا يحتمل أن تكون تفسيرية ، وأن تكون مصدرية على ما قرروا أنَّ أنْ توصل بفعل الأمر . وفي الآية دليل على صعوبة الخروج من الديار ، إذ قرنه اللّه تعالى بقتل الأنفس ، وقد خرج الصحابة المهاجرون من ديارهم وفارقوا أهاليهم حين أمرهم اللّه تعالى بالهجرة ، وارتفع قليل ، على البدل من الواو في فعلوه على مذهب البصريين ، وعلى العطف على الضمير على قول الكوفيين وبالرفع قرأ الجمهور . وقرأ أبيّ ، وابن أي إسحاق ، وابن عامر ، وعيسى بن عمر : إلا قليلاً بالنصب ، ونص النحويون على أن الاختيار في مثل هذا التركيب اتباع ما بعد إلا لما قبلها في الإعراب على طريقة البدل أو العطف ، باعتبار المذهبين اللذين ذكرناهما . وقال الزمخشري : وقرىء إلا قليلاً بالنصب على أصل الاستثناء ، أو على إلا فعلاً قليلاً انتهى . الأما النصب على أصل الاستثناء فهو الذي وجه الناس عليه هذه القراءة . وأما قوله : على إلا فعلا قليلاً فهو ضعيف لمخالفة مفهوم التأويل قراءة الرفع ، ولقوله منهم فإنه تعلق على هذا التركيب : لو قلت ما ضربوا زيداً إلا ضرباً قليلاً منهم لم يحسن أن يكون منهم لا فائدة في ذكره . وضمير النصب في فعلوه عائد على أحد المصدرين المفهومين من قوله : أن اقتلوا أو اخرجوا . وقال أبو عبد اللّه الرازي : الكناية في قوله ما فعلوه عائد على القتل والخروج معاً ، وذلك لأن الفعل جنس واحد ، وإن اختلفت صورته انتهى . وهو كلام غير نحوي . {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } الضمير في : ولو أنهم مختص بالمنافقين ، ولا يبعد أن يكون أول الآية عاماً وآخرها خاصاً . قال الزمخشري : ما يوعظون به من اتباع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وطاعته ، والانقياد لما يراه ويحكم به ، لأنه الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ، لكان خيراً لهم في عاجلهم وآجلهم ، وأشد تثبيتاً لإيمانهم ، وأبعد من الاضطراب فيه . و قال ابن عطية : ولو أن هؤلاء المنافقين اتعظوا وأنابوا لكان خيراً لهم ، وتثبيتاً معناه يقيناً وتصديقاً انتهى . وكلاهما شرح ما يوعظون به بخلاف ما يدل عليه الظاهر . لأنّ الذي يوعظ به ليس هو اتباع الرسول وطاعته ، وليس مذلول ما يوعظون به اتعظوا وأنابوا ، وقيل : الوعظ هنا بمعنى الأمر أي : ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به فانتهوا عما نهوا عنه . وقال في ري الظمآن : ما يوعظون به أي : ما يوصون ويؤمرون به من الإخلاص والتسليم . وقال الراغب : أخبر أنهم لو قبلوا الموعظة لكان خيراً لهم . وقال أبو عبد اللّه الرازي : المراد أنهم لو فعلوا ما كلفوا به وأمروا ، وسمي هذا التكليف والأمر وعظاً ، لأن تكاليف اللّه تعالى مقرونة بالوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب ، والثواب والعقاب ، وما كان كذلك فإنه يسمى وعظاً . وقال الماتريدي : وقيل ما يوعظون به من الأمر من القرآن . وهذه كلها تفاسير تخالف الظاهر ، لأن الوعظ هو التذكار بما يحل بمن خالف أمر اللّه تعالى من العقاب ، فلموعظ به هي الجمل الدالة على ذلك ، ولا يمكن حمله على هذا الظاهر ، لأنهم لم يؤمروا بأنْ يفعلوا الموعظ به ، وإنما عرض لهم شرح ذلك بما خالف الظاهر ، لأنهم علقوا به بقوله : ما يوعظون ، على طريقة ما يفهم من قولك : وعظتك بكذا ، فتكون الباء قد دخلت على الشيء الموعظ به وهي الجملة الدالة على الوعظ . أما إذا كان المعنى على أنّ الباء للسببية فيحمل إذ ذاك اللفظ على الظاهر ، ويصح المعنى ، ويكون التقدير : ولو أنهم فعلوا الشيء الذي يوعظون بسببه أي : بسبب تركه . ودلّ على حذف تركه قوله : ولو أنهم فعلوا . ويبقى لفظ يوعظون على ظاهره ، ولا يحتاج إلى ما تأولوه . لكان خيراً لهم : أي يحصل لهم خير الدارين ، فلا يكون أفعل التفضيل . ويحتمل أن يكونه أي : لكان أنفع لهم من غيره : وأشد تثبيتاً ، لأنه حق ، فهو أبقى وأثبت . أو لأنّ الطاعة تدعو إلى أمثالها ، أو لأنّ الإنسان يطلب أولاً تحصيل الخير ، فإذا حصله طلب بقاءه . فقوله : لكان خيراً لهم إشارة إلى الحالة الأولى . وقوله : وأشد تثبيتاً إشارة إلى الحالة الثانية . قاله : أبو عبد اللّه الرازي . |
﴿ ٦٦ ﴾