٧٥

وما لكم لا . . . . .

{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللّه وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاء وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ } هذا الاستفهام فيه حثّ وتحريض على الجهاد في سبيل اللّه ، وعلى تخليص المستضعفين . والظاهر أنّ قوله : لا تقاتلون في موضع الحال ، وجوزوا أن يكون التقدير : وما لكم في أنْ لا تقاتلوا ، فلما حذف حرف الجر ، وحذف أنْ ، ارتفع الفعل ، والمستضعفين هو مطعوف على اسم اللّه أي : وفي سبيل المستضعفين . وقال المبرد والزجاج : هو معطوف على سبيل اللّه أي : في سبيل اللّه ، وفي خلاص المستضعفين .

وقرأ ابن شهاب : في سبيل اللّه المستضعفين بغير واو عطف . فإما أن يخرج على إضمار حرف العطف ،

وإما على البدل من سبيل اللّه أي : في سبيل اللّه سبيل المستضعفين لأنه سبيل اللّه تعالى . وأجاز الزمخشري أن يكون : والمستضعفين منصوباً على الاختصاص يعني : واختص من سبيل اللّه خلاص المستضعفين ، لأن سبيل اللّه عام في كل خير ، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه انتهى كلامه . ولا حاجة إلى تكلف نصبه على الاختصاص ، إذ هو خلاف الظاهر .

ويعني بالمستضعفين من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال قريش وأذاهم ، إذ كانوا لا يستطيعون خروجاً ، ولا تطيب لهم على اوذى إقامة . ومن المستضعفين : عبد اللّه بن عباس وأمه ، وقد دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالنجاة للمستضعفين من المؤمنين وسمى منهم : الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة . وقوله : من الرجال والنساء والولدان تبيين للمستضعفين .

والظاهر أنّ الولدان المراد به الصبيان ، وهو جمع وليد . قيل : وقد كون جمع ولد ، كورل وورلان . ونبه على الولدان تسجيلاً بإفراط ظلم من ظلمهم ، وهم غير مكلفين ليتأذى بذلك آباؤهم ، ولأنهم كانوا يشركون آباءهم في الدعاء طلباً لرحمة اللّه تعالى ، وتخليصهم من أذى الكفار . وهم أقرب إلى الإجابة حيث لم تكن لهم ذنوب كما فعل قوم يونس ، وكما هي السنة في خروج الصبيان في العيد ، لأنه يطلق على العبد وليد ، وعلى الأمة وليدة وغلب المذكر على المؤنث إذ درج المؤنث في الجمع

الاستسقاء .

وقيل : المراد بقوله من الرجال والنساء الأحرار ، وبالولدان المذكرو { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرَجْنَا } ليس لهم من القوة والمنعة من الظلم إلا بالدعاء والاستنصار باللّه تعالى ، والقرية هنا مكة بإجماع .

وتكلموا في جريان الظالم وهو مذكر على القرية وهو مؤنث ، وهذا من واضح النحو .

وقال الزمخشري : لو أنث فقيل : الظالمة ، أو جمع فقيل : الظالمين ، وأجاب عن ذلك وهذا لم يقرأ به ، فيحتاج إلى الكلام فيه . ولو تعرضنا لما يجوز في العربية في تراكيب القرآن لطال ذلك وخرجنا به عن طريقة التفسير . ووصف أهلها بالظلم إمّا لإشراكهم ،

وإمّا لما حصل منهم من شدة الوطأة على المؤمنين وإذلالهم .

قال ابن عطية : والآية تتناول المؤمنين والأسرى ، وحواضر الشرك إلى يوم القيامة انتهى . ولما دعوا ربهم أجاب كثيراً منهم في الخروج ، فهاجر بعضهم إلى المدينة ، وفر بعضهم إلى الحبشة ، وبقي بعضهم إلى الفتح . والجمهور على أنّ اللّه تعالى استجاب دعاءهم ، فجعل لهم من لدنه خير وليّ وناصر وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فتولاهم أحسن التولي ، ونصرهم أقوى النصر . ولما خرج من مكة ولى عليهم عتاب بن أسيد وعمره أحد وعشرون سنة ، فرأوا منه الولاية والنصر كما سألوا . قال ابن عباس : كان ينصف الضعيف من القوي ، حتى كانوا أعز بها من الظلمة .

﴿ ٧٥