١٠٠

ومن يهاجر في . . . . .

{وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللّه يَجِدْ فِى الاْرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } قيل : نزلت في أكتم بن صيفي ، ولما رغّب تعالى في الهجرة ذكر ما يترتب عليها من وجود السعة والمذاهب الكثيرة ، ليذهب عنه ما يتوهم وجوده في الغربة ومفارقة الوطن من الشدة ، وهذا مقرر ما قالته الملائكة :{ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّه واسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا}

ومعنى مراغماً : متحولاً ومذهباً قاله : ابن عباس ، والضحاك ، والربيع ، وغيرهم . وقال مجاهد : المزحزح عما يكره . وقال ابن زيد : المهاجر . وقال السدي : المبتغى للمعيشة .

وقرأ الجراح ، ونبيح ، والحسن بن عمران : مرغماً على وزن مفعل كمذهب . قال ابن جني : هو على حذف الزوائد من راغم . والسعة هنا في الرزق قاله : ابن عباس ، والضحاك ، والربيع ، وغيرهم . وقال قتادة : سعة من الضلالة إلى الهدى ، ومن القلة إلى الغنى . وقال مالك : السعة سعة البلاد .

قال ابن عطية : والمشبه لفصاحة العرب أن يريد سعة الأرض وكثرة المعاقل ، وبذلك تكون السعة في الرّزق واتساع الصدر عن همومه وفكره ، وغير ذلك من وجوه الفرح ، ونحو هذا المعنى قول الشاعر : لكان لي مضطرب واسع

في الأرض ذات الطول والعرش

انتهى . وقد مراغمة الأعداء على سعة العيش ، لأن الابتهاج برغم أنوف الأعداء لسوء معاملتهم أشد من الابتهاج بالسعة .

{وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّه وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ اللّه} قيل : نزلت في جندب بن ضمرة وتقدمت قصته قبل .

وقيل : في ضمرة بن بغيض .

وقيل : أبو بغيض ضمرة بن زنباع الخزاعي .

وقيل : خالد بن حرام بن خويلد أخو حكيم بن حرام خرج مهاجراً إلى الحبشة ، فمات في الطريق .

وقيل : ضمرة بن ضمرة بن نعيم .

وقيل : ضمرة بن خزاعة .

وقيل : رجل من كنانة هاجر فمات في الطريق ، فسخر منه قومه فقالوا : لا هو بلغ ما يريد ، ولا هو أقام في أهله حتى دفن . والصحيح : أنه ضمرة بن بغيض ، أو بغيض بن ضمرة بن الزنباع ، لأنّ عكرمة سأل عنه أربع عشرة سنة ، وصححه . وجواب الشرط فقد وقع أجره على اللّه ، وهذه مبالغة في ثبوت الأجر ولزومه ، ووصول الثواب إليه فضلاً من اللّه وتكريماً ، وعبر عن ذلك بالوقوع مبالغة .

وقرأ النخعي وطلحة بن مصرّف : ثم يدركه برفع الكاف . قال ابن جني : هذا رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي : ثم هو يدركه الموت ، فعطف الجملة من المبتدأ والخبر على الفعل المجزوم ، وفاعله . وعلى هذا حمل يونس قول الأعشى : إن تركبوا فركوب الخير عادتنا

أو تنزلون فإنا معشر نزل

المراد : أو أنتم تنزلون ، وعليه قول الآخر :

إن تذنبوا ثم يأتيني نعيقكم

فما عليّ بذنب عندكم قوت

المعنى : ثم أنتم يأتيني نعيقكم . وهذا أوجه من أن يحمل على ألم يأتيك انتهى . وخرج على وجه آخر وهو : أن رفع الكاف منقول من الهاء ، كأنه أراد أن يقف عليها ، ثم نقل حركة الهاء إلى الكاف كقوله : من عرى سلبي لم أضربه يريد : لم أضربه ، فنقل حركة الهاء إلى الباء المجزومة .

وقرأ الحسن بن أبي الحسن ، ونبيح ، والجراح : ثم يدركه بنصب الكاف ، وذلك على إضمارات كقول الأعشى :

ويأوي إليها المستجير فيعصما قال ابن جني : هذا ليس بالسهل ، وإنما بابه الشعر لا القرآن وأنشد أبو زيد فيه :

سأترك منزلي لبني تميم

وألحق بالحجاز فأستريحا

والآية أقوى من هذا لتقدم الشرط قبل المعطوف انتهى . وتقول : أجرى ثم مجرى الواو والفاء ، فكما جاز نصب الفعل بإضمار أنْ بعدهما بين الشرط وجوابه ، كذلك جاز في ثم إجراء لها مجراهما ، وهذا مذهب الكوفيين ، واستدلوا بهذه القراءة . وقال الشاعر في الفاء :

ومن لا يقدم رجله مطمئنة

فيثبتها في مستوى القاع يزلق

وقال آخر في الواو :

ومن يقترب منا ويخضع نوؤه

ولا يخش ظلماً ما أقام ولا هضما

وقالوا : كل هجرة لغرض ديني من : طلب علم ، أو حج ، أو جهاد ، أو فراء إلى بلد يزداد فيه طاعة ، أو قناعة ، وزهداً في الدنيا ، أو ابتغاء رزق طيب ، فهي هجرة إلى اللّه ورسوله . وإنْ أدركه الموت فأجرُه على اللّه تعالى .

قيل : وفي الآية دليل على أن الغازي إذا خرج إلى العزو ومات قبل القتال فله سهمه وإن لم يحضر الحرب . روي ذلك عن أهل المدينة ، وابن المبارك ، وقالوا : إذا لم يحرم الأجر لم يحرم الغنيمة . ولا تدل هذه الآية على ذلك ، لأن الغنيمة لا تستحق إلا بعد الحيازة ، فالسهم متعلق بالحيازة ، وهذا مات قبل أن يغنم ، ولا حجة في قوله : فقد وقع أجره على اللّه على ذلك ، لأنه لا خلاف في أنه لو مات في دار الإسلام وقد خرج إلى الغزو وما دخل في دار الحرب ، أنه لا يسهم له ، وقد وقع أجره على اللّه كما وقع أجر الذي خرج مهاجراً فمات قبل بلوغه دار الهجرة .

{وَكَانَ اللّه غَفُوراً رَّحِيماً } أي : غفوراً لما سلف من ذنوبه ، رحيماً بوقوع أجره عليه ومكافأته على هجرته ونيته .

وتضمنت هذه الآيات أنواعاً من البلاغة والبديع . منها الاستعارة في قوله : إذا ضربتم في سبيل اللّه ، استعار الضرب للسعي في قتال الأعداء ، والسبيل لدينه ، وفي : لا يستوي عبَّر به وهو حقيقة في المكان عن التساوي في المنزلة والفضيلة وفي : درجة حقيقتها في المكان فعبر به عن المعنى الذي القتضى التفضيل ، وفي : يدركه استعار الإدراك الذي هو صفة من فيه حياة لحلول الموت ، وفي : فقد وقع

استعار الوقوع الذي هو من صفات الإجرام لثبوت الأجر . والتكرار في : اسم اللّه تعالى ، وفي : فتبينوا ، وفي : فضل اللّه المجاهدين على القاعدين . والتجنيس المماثل في : مغفرة وغفوراً . والمغاير في : أن يعفو عنهم وعفواً ، وفي : يهاجر ومهاجراً . وإطلاق الجمع على الواحد في : توفاهم الملائكة على قول من قال أنه ملك الموت وحده . والاستفهام المراد منه التوبيخ في : فيم كنتم ، وفي : ألم تكن . والإشارة في كذلك وفي : فأولئك . والسؤال والجواب في : فيم كنتم وما بعدها . والحذف في عدة مواضع .

{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الاٌّ رْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلواةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَواةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىأَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّه أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً}

﴿ ١٠٠