١٠٢

وإذا كنت فيهم . . . . .

{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَواةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ } استدل بظاهر الخطاب للرسول صلى اللّه عليه وسلم من لا يرى صلاة الخوف بعد الرسول حيث شرط كونه فيهم ، وكونه هو المقيم

لهم الصلاة . وهو مذهب : ابن علية ، وأبي يوسف . لأن الصلاة بإمامته لا عوض عنها ، وغيره من العوض ، فيصلي الناس بإمامين طائفة بعد طائفة . وقال الجمهور : الخطاب له يتناول الأمراء بعده ، والضمير في : فيهم ، عائد على الخائفين .

وقيل : على الضاربين في الأرض . والظاهر أنّ صلاة الخوف لا تكون إلا في السفر ، ولا تكون في الحضر ، وإن كان خوف . وذهب إليه قوم . وذهب الجمهور إلى أنّ الحضر إذا كان خوف كالسفر .

ومعنى : فأقمت لهم الصلاة ، أقمت حدودها وهيآتها . والذي يظهر أنّ المعنى فأقمت بهم . وعبر بالإقامة إذ هي فرض على المصلي في قول : عن ذلك . ومعنى : فلتقم هو من القيام ، وهو الوقوف .

وقيل : فلتقم بأمر صلاتها حتى تقع على وفق صلاتك ، من قام بالأمر اهتم به وجعله شغله . والظاهر أنّ الضمير في : وليأخذوا أسلحتهم عائد على طائفة لقربها من الضمير ، ولكونها لها فيما بعدها في قوله : فإذا سجدوا .

وقيل : إن الضمير عائد على غيرهم ، وهي الطائفة الحارسة التي لم تصل . وقال النحاس : يجوز أن يكون للجميع ، لأنه أهيب للعدو : فإذا سجدوا أي : هذه الطائفة . ومعنى سجدوا : صلوا . وفيه دليل على أنّ السجود قد يعبر به عن الصلاة ، ومنه :  { إذا جاء أحدكم المسجد فليسجد سجدتين } أي فليصل ركعتين .

{فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ } : ظاهره أن الضمير في فليكونوا عائد على الساجدين ، والمعنى : أنهم إذا فرغوا من السجود انتقلوا إلى الحراسة فكانوا وراءكم .

وقال الزمخشري : فليكونوا يعني : غير المصلين من ورائكم يحرسونكم ، وجوز الوجهين ابن عطية ، قال : يحتمل أن يكون الذين سجدوا ، ويحتمل أن تكون الطائفة القائمة أولاً بإزاء العدوّ .

وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق : فلتقم بكسر اللام .

وقرأ أبو حيوة : وليات بياء بثنتين تحتها على تذكير الطائفة ، واختلف عن أبي عمرو ، في إدغام التاء في الطاء .

وفي قوله : فلتأت طائفة ، دليل على أنهم انقسموا طائفتين : طائفة حارسة أولاً ، وطائفة مصلية أولاً معه ، ثم التي صلت أولاً صارت حارسة ، وجاءت الحارسة أولاً فصلت معه . والظاهر أنّ الأمر بأخذ الأسلحة واجب ، لأنّ فيه اطمئنان المصلي ، وبه قال : الشافعي وأهل الظاهر . وذهب الأكثرون إلى الاستحباب .

ودلت هذه الكيفية التي ذكرت في هذه الآية على أنّ طائفة صلت مع الرسول صلى اللّه عليه وسلم بعض صلاة ، ولا دلالة فيها على مقدار ما صلت معه ، ولا كيفية إتمامهم ، وإنما جاء ذلك في السنة . ونحن نذكر تلك الكيفيات على سبيل الاختصار ، لأنها مبينة ما أجمل في القرآن . الكيفية

الأولى : صلت طائفة معه ، وطائفة وجاه العدو ، وثبتت قائمة حتى تتم صلاتهم ويذهبوا وجاه العدوّ ، وجاءت هذه التي كانت وجاه العدوّ أولاً فصلى بهم الركعة التي بقيت ، ثم ثبت جالساً حتى أتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم ، وهذه كانت بذات الرقاع . الكيفية الثانية : كالأولى ، إلا أنه حين صلى بالطائفة الأخيرة ركعة سلم ، ثم قضت بعد سلامه . وهذه مروية في ذات الرقاع أيضاً . الكيفية الثالثة : صف العسكر خلفه صفين ، ثم كبر وكبروا جميعاً ، وركعوا معه ، ورفعوا من الركوع جميعاً ، ثم سجد هو بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم ، فلما سجدوا وقاموا سجد الآخرون في مكانهم ، ثم تقدموا إلى مصاف المتقدمين وتأخر المتقدمون إلى مصاف المتأخرين ، ثم ركعوا معه جميعاً ، ثم سجد فسجد معه الصف الذي يليه ، فلما صلى سجد الآخرون ، ثم سلم بهم جميعاً . وهذه صلاته بعسفان والعدو في قبلته . الكيفية الرابعة : مثل هذا إلا أنه قال : ينكص الصف المتقدم القهقرى حين يرفعون رؤوسهم من السجود ، ويتقدم الآخر فيسجدون في مصاف الأولين

الكيفية الخامسة : صلى بإحدى الطائفتين ركعة ، والأخرى مواجهة العدوّ ، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدوّ ، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلم ، ثم قضى بهؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة في حين واحد . الكيفية السادسة : يصلي بطائفة ركعة ثم ينصرفون تجاه العدوّ ، وتأتي الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم يسلم ، وتقوم التي معه تقضي ، فإذا فرغوا ساروا تجاه العدوّ ، وقضت الأخرى . الكيفية السابعة : صلى بكل طائفة ركعة ، ولم يقض أحد من الطائفتين شيئاً زائداً على ركعة واحدة . الكيفية الثامنة : صلى بكل طائفة ركعتين ركعتين ، فكانت له أربع ، ولكل رجل ركعتان . الكيفية التاسعة : يصلي بإحدى الطائفتين ركعة إن كانت الصلاة ركعتين ، والأخرى بإزاء العدو ، ثم تقف هذه بإزاء العدوّ وتأتي الأولى فتؤدي الركعة بغير قراءة ، وتتم صلاتها ثم تحرس ، وتأتي الأخرى فتؤدي الركعة بقراءة وتتم صلاتها ، وكذا في المغرب . إلا أنه يصلي بالأولى ركعتين ، وبالثانية ركعة . الكيفية العاشرة : قامت معه طائفة ، وطائفة أخرى مقابل العدوّ وظهورهم إلى القبلة ، فكبرت الطائفتان معه ، ثم ركع وركع معه الذين معه وسجدوا كذلك ، ثم قام فصارت التي معه إلى إزاء العدوّ ، وأقبلت التي كانت بإزاء العدوّ فركعوا وسجدوا وهو قائم كما هو ، ثم قاموا فركع ركعة أخرى وركعوا معه وسجدوا معه ، ثم أقبلت التي بإزاء العدوّ فركعوا وسجدوا وهو قاعد ، ثم سلم وسلم الطائفتان معه جميعاً . وهذه كانت في غزوة نجد . الكيفية الحادية عشرة : صلى بطائفة ركعتين ثم سلم ، ثم جاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعتين وسلم .

وهذه كانت ببطن نخل . واختلاف هذه الكيفيات يرد على مجاهد قوله : إنه ما صلى الرسول إلا مرتين : مرة بذات الرقاع من أرض بني سليم ، ومرة بعسفان والمشركون بضخيان بينهم وبين القبلة . وذكر ابن عباس : أنه كان في غزوة ذي قرد صلاة الخوف . وقال أبو بكر بن العربي : روي عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه صلى صلاة الخوف أربعاً وعشرين مرة ، يعني كيفية . وقال ابن حنبل : لا نعلم أنه روي في صلاة الخوف إلا حديث ثابت صحيح ، فعلى أي حديث صليت أجزأ . وكذا قال الطبري . وجمع في الأخذ بين الحذر والأسلحة ، فإنه جعل الحذر أنه يحترز بها كما يحترز بالأسلحة كما جاء : { تَبَوَّءوا الدَّارَ وَالإيمَانَ } جعل الإيمان مستقراً لتمكنهم فيه .

{وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً واحِدَةً } تقدم الكلام في لو بعدود في قوله :{ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ } أي : يشدون عليكم شدة واحدة : وقرى : وأمتعاتكم ، وهو شاذ إذ هو جمع الجمع كما قالوا : أشقيات وأعطيات في أشقية وأعطية ، جمع شقاء وعطاء . وفي هذا الإخبار تنبيه وتحذير من الغفلة ، وأفرد المسألة لأنها أبلغ في الإيصال .

{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ } قال ابن عباس : نزلت بسبب عبد الرحمن بن عوف ، كان مريضاً فوضع سلاحه فعنفه بعض الناس . ولما كانت هاتان الحالتان مما يشق حمل السلاح فيهما ، ورخص في ذلك للمريض لأن حمله السلاح مما يكره به ويزيد في مرضه ، ورخص في ذلك إن كان مطر ، لأن المطر مما يثقل العدوّ ويمنعه من خفة الحركة للقتال . وقال : إن يتأذوا من مطر إلا لحق الكفار من أذاه ما لحق المسلمين غالباً إن كانا متقاربين في المسافة ومرضاً إما لجراحة سبقت ، أو لضعف بنية ، أو غير ذلك مما يعد مرضاً ، وتكرير الأمر بأخذ الحذر في الصلاة . وفي هاتين الحالتين مما يدل على توكيد التأهب والاحتراز من العدو ، فإنّ الجيش كثيراً ما يصاب من التفريط في الحذر . وقال الضحاك في قوله : وخذوا حذركم ، أي : تقلدوا سيوفكم ، فإن ذلك حذر الغزاة .

{إِنَّ اللّه أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }

قال الزمخشري : الأمر بالحذر من العدوّ يوهم توقع غلبة واغترار ، فنفى عنهم ذلك الإيهام بإخبارهم أنّ اللّه يهين عدوهم ، ويخذلهم ، وينصرهم عليه لتقوى قلوبهم ، وليعلموا أنّ الأمر بالحذر ليس لذلك ، وإنما هو تعبد من اللّه ، كما قال :{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَواةُ فَاذْكُرُواْ اللّه قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلَواةَ } الظاهر : أنّ معنى قضيتم الصلاة أي فرغتم منها ، والصلاة هنا صلاة الخوف ، وإلى ذلك ذهب الجمهور ، وكذا فسره ابن عباس . والذكر المأمور به هنا هو الذكر باللسان إثر صلاة الخوف على حدّ ما أمروا به عند قضاء المناسك بذكر اللّه ، فأمروا بذكر اللّه من : التهليل ، والتكبير ، والتسبيح ، والدعاء بالنصر ، والتأييد في جميع الأحوال فإن ما هم فيه من ارتقاب مقارعة العدو ، حقيق بالذكر ، والالتجاء إلى اللّه . أي : فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة أي أتموها . وذهب قوم إلى أنّ معنى قضيتم الصلاة : تلبستم بالصلاة وشرعتم فيها . ومعنى الأمر بالذكر أي : صلوها قياماً في حال المسايفة والاختلاط ، وقعوداٍ جاثين على الركب من أنين ، وعلى جنوبكم مثخنين بالجراح ، فهي هيآت لأحوال على حسب تفصيلها . فإذا اطمأننتم حين تضع الحرب أوزارها وأمنتم ، فأقيموا الصلاة أي : فاقضوا ما صليتم في تلك الأحوال التي هي أحوال القلق والانزعاج ، وبهذا الوجه بدأ الزمخشري وهو خلاف الظاهر . قال : وهذا ظاهر على مذهب الشافعي في إيجابه الصلاة على المحارب في حال المسايفة ، والمشي والاضطراب في المعركة إذا حضر وقتها ، فإذا اطمأن فعليه القضاء ،

وأما عند أبي حنيفة فهو معذور في تركها إلى أن يطمئن .

وقيل : قوله : فإذا قضيتم الصلاة فذكروا ، أنه أمر بالصلاة حاله إلا من بعد الخوف قياماً للأصحاء ، وقعوداً للعجزين عن القعود لزمانة أو جراحة أو مرض لا يستطيع القعود معها ، فإذا اطمأننتم أي : أمنتم من الخوف قاله : قتادة ، والسدي . فأقيموا الصلاة أي : صلوها لا كصلاة الخوف ، بل كصلاة الأمن في السفر .

وقيل فإذا اطمأننتم أي : فإذا رجعتم من سفركم إلى الحضر فأقيموها تامة أربعاً .

﴿ ١٠٢