١٢٧ويستفتونك في النساء . . . . . الشح : قال ابن فارس البخل مع الحرص . وتشاح الرجلان في الأمر لا يريدان أن يفوتهما ، وهو بضم الشين وكسرها . و قال ابن عطية : الشح الضبط على المعتقدات والإرادة ، ففي الهمم والأموال ونحو ذلك مما أفرط فيه ، وفيه بعض المذمة . وما صار إلى حيز الحقوق الشرعية وما تقتضيه المروءة فهو البخل ، وهو رذيلة . لكنها قد تكون في المؤمن ومنه الحديث : { قيل : يا رسول اللّه ، أيكون المؤمن بخيلاً ؟ قال : نعم } وأما الشح ففي كل أحد ، ويدل عليه : { وأحضرت الأنفس الشح } و { من يوق شح نفسه} لكل نفس شحاً وقول النبي عليه السلام : { أن تصدق وأنت صحيح شحيح } ولم يرد به واحداً بعينه ، وليس بحمد أن يقال هنا إن تصدق وأنت صحيح بخيل . المعلقة : هي التي ليست مطلقة ولا ذات بعل . قال الرجل : هل هي إلا خطة ، أو تعليق ، أو صلف ، أو بين ذاك تعليق . وفي حديث أم زرع : زوجي العشنق إن انطق أطلق ، وإن أسكت أعلق } شبهت المرأة بالشيء المعلق من شيء ، لأنه لا على الأرض استقر ، ولا على ما علق منه . وفي المثل : أرض من المركب بالتعليق . الخوض : الاقتحام في الشيء تقول : خضت الماء خوضاً وخياضاً ، وخضت الغمرات اقتحمتها ، وخاضه بالسيف حرّك سيفه في المضروب ، وتخاوضوا في الحديث تفاوضوا فيه ، والمخاضة موضع الخوض . قال الشاعر وهو عبد اللّه بن شبرمة : إذا شالت الجوزاء والنجم طالع فكل مخاضات الفرات معابر والخوضة بفتح الخاء اللؤلؤة ، واختاض بمعنى خاض وتخوض ، تكلف الخوض . الاستحواذ : الاستيلاء والتغلب قاله : أبو عبيدة والزجاج . ويقال : حاذ يحوذ حوذاً وأحاذ ، بمعنى مثل حاذ وأحاذ . وشدت هذه الكلمة فصحت عينها في النقال ، قاس عليها أبو زيد الأنصاري . {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النّسَاء قُلِ اللّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } سبب نزولها : أنّ قوماً من الصحابة رضي اللّه عنهم سألوا عن أمر النساء وأحكامهنّ في المواريث وغير ذلك . وأما مناسبتها فكذلك على تربيع العرب في كلامها أنها تكون في أمر ثم ، تخرج منه إلى شيء ، ثم تعود إلى ما كانت فيه أولاً . وهكذا كتاب اللّه يبين فيه أحكام تكليفه ، ثم يعقب بالوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب ، ثم يعقب ذلك بذكر المخالفين المعاندين الذين لا يتبعون تلك الأحكام ، ثم بما يدل على كبرياء اللّه تعالى وجلاله ، ثم يعاد لتبيين ما تعلق بتلك الأحكام السابقة . وقد عرض هنا في هذه السورة أنْ بدأ بأحكام النساء والمواريث ، وذكر اليتامى ، ثم ثانياً بذكر شيء من ذلك في هذه الآية ، ثم أخيراً بذكر شيء من المواريث أيضاً . ولما كانت النساء مطرحاً أمرهنّ عند العرب في الميراث وغيره ، وكذلك اليتامى أكد الحديث فيهنّ مراراً ليرجعوا عن أحكام الجاهلية . والاستفتاء طلب الإفتاء ، وأفتاه إفتاء وفتيا وفتوى ، وأفتيت فلاناً في رؤياه عبرتها له . ومعنى الإفتاء إظهار المشكل على السائل . وأصله من الفتى وهو الشاب الذي قوي وكمل ، فالمعنى : كأنه بيان ما أشكل فيثبت ويقوى . والاستفتاء ليس في ذوات النساء ، وإنما هو عن شيء من أحكامهن ، ولم يبين فهو مجمل . ومعنى يفتيكم فيهن : يبين لكم حال ما سألتم عنه وحكمه . {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النّسَاء الَّلَاتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ } ذكروا في موضع ما من الإعراب : الرفع ، والنصب ، والجر ، فالرفع ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون معطوفاً على اسم اللّه أي : اللّه يفتيكم ، والمتلو في الكتاب في معنى اليتامى . قال الزمخشري : يعني قوله :{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَن لا تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى } وهو قوله أعجبني زيد وكرمه انتهى . والثاني : أن يكون معطوفاً على الضمير المستكن في يفتيكم ، وحسن الفصل بينهما بالمفعول والجار والمجرور . الثالث : أن يكون ما يتلى مبتدأ ، وفي الكتاب خبره على أنها جملة معترضة . والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ تعظيماً للمتلو عليهم ، وأن العدل والنصفة في حقوق اليتامى من عظائم الأمور المرفوعة الدرجات عند اللّه التي يجب مراعاتها والمحافظة عليها ، والمخل ظالم متهاون بما عظمه اللّه . ونحوه في تعظيم القرآن وأنه { فِى أُمّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ} وقيل في هذا الوجه : الخبر محذوف ، والتقدير : وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء لكم أو يفتيكم ، وحذف لدلالة ما قبله عليه . وعلى هذا التقدير في الكتاب بقوله : يتلى عليكم ، أو تكون في موضع الحال من الضمير في يتلى ، وفي يتامى بدل من في الكتاب . وقال أبو البقاء في الثانية : تتعلق بما تعلقت به الأولى ، لأن معناها يختلف ، فالأولى ظرف ، والثانية بمعنى الباء أي : بسبب اليتامى ، كما تقول : جئتك في يوم الجمعة في أمر زيد . ويجوز أن تتعلق الثانية بالكتاب أي : فيما كتب بحكم اليتامى . ويجوز أن تكون الثانية حالاً ، فتتعلق بمحذوف . وأما النصب فعلى التقدير : ويبين لكم ما يتلى ، لأن بفتيكم معناها يبين فدلت عليها . وأما الجر فمن وجهين : أحدهما : أن تكون الواو للقسم كأنه قال : وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب ، والقسم بمعنى التعظيم ، قاله الزمخشري : والثاني : أن يكون معطوفاً على الضمير المجرور في فيهن ، قاله محمد بن أبي موسى . وقال : أفتاهم اللّه فيما سألوا عنه ، وفي ما لم يسألوا عنه . قال ابن عطية : ويضعف هذا التأويل ما فيه من العطف على الضمير المخفوض بغير إعادة حرف الخفض . قال الزمخشري : ليس بسديد أن يعطف على المجرور في فيهن ، لاختلاله من حيث اللفظ والمعنى انتهى . والذي أختاره هذا الوجه ، وإن كان مشهور مذهب جمهور البصريين أنّ ذلك لا يجوز إلا في الشعر ، لكن قد ذكرت دلائل جواز ذلك في الكلام . وأمعنتُ في ذكر الدلائل على ذلك في تفسير قوله : { وَكُفْرٌ بِهِ } و { الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وليس مختلاً من حيث اللفظ ، لأنّا قد استدللنا علي جواز ذلك ، ولا من حيث المعنى كما زعم الزمخشري ، بل المعنى عليه ويكون على تقدير حذف أي : يفتيكم في مثلوهن وفيما يتلى عليكم في الكتاب ، من إضافة متلو إلى ضميرهن سائغة ، إذ الإضافة تكون لأدنى ملابسة لما كان متلواً فيهن صحت الإضافة إليهما . ومن ذلك قول الشاعر : إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة وأما قول الزمخشري : لاختلاله في اللفظ والمعنى فهو قول الزجاج بعينه . قال الزجاج : وهذا بعيد ، لأنه بالنسبة إلى اللفظ وإلى المعنى ، أما للفظ فإنه يقتضي عطف المظهر على المضمر ، وذلك غير جائز . كما لم يجز قوله :{ تَسَاءلُونَ بِهِ وَالاْرْحَامَ } وأما المعنى فإنه تعالى أفتى في تلك المسائل ، وتقدير العطف على الضمير يقتضي أنه أفتى فيما يتلى عليكم في الكتاب . ومعلوم أنه ليس المراد ذلك ، وإنما المراد أنه تعالى يفتي فيما سألوه من المسائل انتهى كلامه . وقد بينا صحة المعنى على تقدير ذلك المحذوف ، والرفع على العطف على اللّه ، أو على ضمير يخرجه عن التأسيس . وعلى الجملة تخرج الجملة بأسرها عن التأسيس ، وكذلك الجر على القسم . فالنصب بإضمار فعل ، والعطف على الضمير يجعله تأسيساً . وإذا أراد الأمرين : التأسيس والتأكيد ، كان حمله على التأسيس هو الأولى ، ولا يذهب إلى التأكيد إلا عند اتضاح عدم التأسيس . وتقدم الكلام في تعلق قوله : { في يتامى النساء} . وقال الزمخشري: { فإن قلت } : بم تعلق قوله : في يتامى النساء ؟ { قلت} : في الوجه الأول هو صلة يتلى أي : يتلى عليكم في معناهن : ويجوز أن يكون في يتامى النساء بدلاً من فيهنّ . وأما في الوجهين الأخيرين فبدل لا غير انتهى كلامه . ويعني بقوله في الوجه الأول : أن يكون وما يتلى في موضع رفع ، فأما ما أجازه في هذا الوجه من أنه يكون صلة يتلى فلا يتصوّر إلا إن كان في يتامى بدلاً من في الكتاب ، أو تكون في للسبب ، لئلا يتعلق حرفا جر بمعنى واحد بفعل واحد ، فهو لا يجوز إلا إن كان على طريقة البدل أو بالعطف . وأما ما أجازه في هذا الوجه أيضاً من أن في يتامى بدل من فيهن ، فالظاهر أنه لا يجوز للفصل بين البدل والمبدل منه بالعطف . ونظير هذا التركيب : زيد يقيم في الدار وعمرو في كسر منها ، ففصلت بين في الدار وبين في كسر منها بالعطف ، والتركيب المعهود : زيد يقيم في الدار في كسر منها . وعمرو واتفق من وقفنا على كلامه في التفسير على أنّ هذه الآية إشارة إلى ما مضى في صدر هذه السورة وهو قوله تعالى : { وَءاتُواْ النّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } وقوله :{ وَءاتُواْ الْيَتَامَى أَمْوالَهُمْ } وقوله :{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَن لا تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء } قالت عائشة رضي اللّه عنها : نزلت هذه الآية يعني : وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أوّلاً ، ثم سأل ناس بعدها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أمر النساء فنزلت :{ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النّسَاء قُلِ اللّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } وما يتلى عليكم فعلى ما قاله المفسرون وما نقل عن عائشة يكون يفتيكم ويتلى فيه وضع المضارع موضع الماضي ، لأن الإفتاء والتلاوة قد سبقت . والإضافة في يتامى النساء من باب إضافة الخاص إلى العامّ ، لأن النساء ينقسمن إلى يتامى وغير يتامى . وقال الكوفيون : هي من إضافة الصفة إلى الموصوف ، وهذا عند البصريين لا يجوز وذلك مقرر في علم النحو . وقال الزمخشري: { فإن قلت } : الإضافة في يتامى النساء ما هي ؟ { قلت} : إضافة بمعنى من هي إضافة الشيء إلى جنسه ، كقولك : خاتم حديد ، وثوب خز ، وخاتم فضة . ويجوز الفصل واتباع الجنس لما قبله ونصبه وجره بمن ، والذي يظهر في يتامى النساء وفي سحق عمامة أنها إضافة على معنى اللام ، ومعنى اللام الاختصاص . وقرأ أبو عبد اللّه المدني : في يتامى النساء بياءين ، وأخرجه ابن جني على أن الأصل أيامى ، فأبدل من الهمزة ياء ، كما قالوا : باهلة بن يعصر ، وإنما هو أعصر سمي بذلك لقوله : أثناك أن أباك غير لونه كر الليالي واختلاف الأعصر وقالوا في عكس ذلك : قطع اللّه أيده يريدون يده ، فأبدل من الياء همزة . وأيامى جمع أيم على وزن فعيل ، وهو مما اختص به المعتل ، وأصله : أيايم كسيايد جمع سيد ، قلبت اللام موضع العين فجاء أيامى ، فأبدل من الكسرة فتحة انقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها . وقال ابن جني : ولو قال قائل كسر أيم على أيمي على وزن سكرى ، ثم كسر أيمي على أيامي لكان وجهاً حسناً . ومعنى ما كتب لهنّ قال ابن عباس ، ومجاهد ، وجماعة : هو الميراث . وقال آخرون : هو الصداق ، والمخاطب بقوله : لا تؤتونهنّ أولياء المرأة كانوا يأخذون صدقات النساء ولا يعطونهن شيئاً . وقيل : أولياء اليتامى كانوا يزوجون اليتامى اللواتي في حجورهن ولا يعدلون في صدقاتهن . وقرىء : ما كتب اللّه لهن . وقال أبو عبيدة : وترغبون أن تنكحوهن ، هذا اللفظ يحتمل الرغبة والنفرة فالمعنى في الرغبة في أن تنكحوهن لما لهن أو لجمالهن ، والنفرة وترغبون عن أن تنكحوهن لقبحهن فتمسكوهن رغبة في أموالهن . والأول قول عائشة رضي اللّه عنها وجماعة انتهى . وكان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يأخذ الناس بالدرجة الفضلى في هذا المعنى ، فكان إذا سأل الولي عن وليته فقيل : هي غنية جميلة قال له : اطلب لها من هو خير منك وأعود عليها بالنفع . وإذا قيل : هي دميمة فقيرة قال له : أنت أولى بها وبالستر عليها من غيرك . والمستضعفين معطوف على يتامى النساء ، والذي تلي فيهم قوله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللّه فِى } الآية وذلك أن العرب كانت لا تورث الصبية ولا الصبي الصغير ، وكان الكبير ينفرد بالمال ، وكانوا يقولون : إنما يرث من يحمي الحوزة ويرد الغنيمة ، ويقاتل عن الحريم ، ففرض اللّه تعالى لكل واحد حقه . ويجوز أن يكون خطاباً للأوصياء كقوله :{ أَمْوالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيّبِ } وقيل : المستضعفين هنا العبيد والإماء . {وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ } هو في موضع جر عطفاً على ما قبله أي : وفي أن تقوموا . والذي تلي في هذا المعنى قوله تعالى :{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوالَهُمْ إِلَى أَمْوالِكُمْ } إلى غير ذلك مما ذكر في مال اليتيم . والقسط : العدل . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون منصوباً بمعنى ويأمركم أن تقوموا . وهو خطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ، ويستوفوا لهم حقوقهم ، ولا يخلوا أحداً يهتضمهم انتهى . وفي ري الظمآن : ويحتمل أن يرفع ، وأن تقوموا بالابتداء وخبره محذوف أي : خير لكم انتهى . وإذا أمكن حمله على غير حذف بكونه قد عطف على مجرور كان أولى من إضمار ناصب ، كما ذهب إليه الزمخشري . ومن كونه مبتدأ قد حذف خبره . {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّه كَانَ بِهِ عَلِيماً } لما تقدم ذكر النساء ، ويتامى النساء ، والمستضعفين من الولدان ، والقيام بالقسط ، عقب ذلك بأنه تعالى يعلم ما يفعل من الخير بسبب من ذكر ، فيجازي عليه بالثواب الجزيل . واقتصر على ذكر فعل الخير لأنه هو الذي رغب فيه ، وإن كان تعالى يعلم ما يفعل من خير ومن شر ، ويجازي على ذلك بثوابه وعقابه . |
﴿ ١٢٧ ﴾