١٣٣

إن يشأ يذهبكم . . . . .

{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِاخَرِينَ } ظاهره أنّ الخطاب لمن تقدم له الخطاب أولاً .

وقال ابن عباس : الخطاب للمشركين والمنافقين ، والمعنى : ويأت بآخرين منكم . وقريب منه ما نقله الزمخشري : من أنه خطاب لمن كان يعادي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من العرب . وقال أبو سليمان الدمشقي : الخطاب للكفار وهو تهديد لهم ، كأنه قال : إن يشاء يهلككم كما أهلك من قبلكم إذ كفروا برسله .

وقيل : للمؤمنين ينطلق عليه اسم الناس ، والمعنى : إن شاء يهلككم كما أنشأكم وأنشأ قوماً آخرين يعبدونه . وقال الطبري : الخطاب للذين شفعوا في طعمة بن أبيرق ، وخاصم وخاصموا عنه في أمر خيانته في الدّرع والدّقيق . وهذا التأويل بعيد ، وقد يظهر العموم فيكون خطاباً للعالم الحاضر الذي يتوجه إليه الخطاب والنداء . ويأت بآخرين أي : بناس غيركم ، فالمأتى به من نوع المذهب ، فيكون من جنس المخاطب المنادي وهم الناس .

وروي أنها لما نزلت ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده على ظهر سلمان وقال :{ أَنَّهُمْ قَوْمٌ هَاذَا يُرِيدُ ابْنُ } ، وأجاز الزمخشري وابن عطية وغيرهما أن يكون المراد بآخرين من نوع المخاطبين .

قال الزمخشري : ويأت بآخرين مكانكم أو خلقاً آخرين غير الإنس .

قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون وعيداً لجميع بني آدم ، ويكون الآخرون من غير نوعهم . كما أنه قد روي أنه كان في الأرض ملائكة يعبدون اللّه قبل بني آدم انتهى . وما جوّزه لا يجوز ، لأنّ مدلول آخر في اللغة هو مدلول غير خاص بجنس ما تقدم ، فلو

قلت : جاء زيد وآخر معه ، أو مررت بامرأة وأخرى معها ، أو اشتريت فرساً وآخر ، وسابقت بين حمار وآخر ، لم يكن آخر ولا أخرى مؤنثه ، ولا تثنيته ولا جمعه إلا من جنس ما يكون قبله . ولو

قلت : اشتريت ثوباً وآخر ، ويعني به : غير ثوب لم يجز ، فعلى هذا تجويزهم أن يكون قوله : بآخرين من غير جنس ما تقدم وهم الناس ليس بصحيح ، وهذا هو الفرق بين غير وبين آخر ، لأنّ غيراً تقع على المغاير في جنس أو في صفة ، فتقول : اشتريت ثوباً وغيره ، فيحتمل أن يكون ثوباً ، ويحتمل أن يكون غير ثوب وقلّ من يعرف هذا الفرق .

{بِاخَرِينَ وَكَانَ اللّه عَلَى ذالِكَ قَدِيراً } أي على إذهابكم والإتيان بآخرين . وأتى بصيغة المبالغة في القدرة ، لأنه تعالى لا يمتنع عليه شيء أراده ، وهذا غضب عليهم وتخويف ، وبيان لاقتداره .

﴿ ١٣٣