١٤١

الذين يتربصون بكم . . . . .

{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ اللّه قَالُواْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ } المعنى الذين ينتظرون بكم ما يتجدد من الأحوال من ظفر لكم أو بكم ، فإن كان لكم فتح من اللّه قالوا : ألم نكن معكم مظاهرين . والمعنى : فاسهموا لنا بحكم إنّنا مؤمنون ، وإن كان للكافرين أي اليهود نصيب ، أي : نيل من المؤمنين قالوا : ألم نستحوذ عليكم ، أي : ألم نغلبكم وننتمكن من قتلكم وأسركم ، وأبقينا عليكم ، ونمنعكم من المؤمنين بأن ثبطناهم عنكم ، فاسهموا لنا بحكم أننا نواليكم فلا نؤذيكم ، ولا نترك أحداً يؤذيكم . قيل : المعنى أنّ الكفار واليهود هموا بالدخول في الإسلام فحذرهم المنافقون عن ذلك ، وبالغوا في تنفيرهم سيضعف أمر الرسول ، فمنوا عليهم عند حصول نصيب لهم بأنهم قد أرشدوهم لهذه المصالح ، فيكون التقدير : ونمنعكم من اتباع المؤمنين والدخول في دينهم فاسهموا لنا .

وقيل : المعنى ألم

نخبركم بأمرِ محمد وأصحابه ونطلعكم على سرهم ؟

وعن ابن عباس : ألم نحط من ورائكم ؟ والذين يتربصون بدل من الذين يتخذون ، أو صفة للمنافقين ، أو نصب على الذم ، أو رفع على خبر الابتداء محذوف . وسمى تعالى ظفر المؤمنين فتحاً عظيماً لهم ، وجعل منه تعالى فقال : فتح من اللّه ، وظفر الكافرين نصيباً ، ولم ينسبه إليه تعالى تحقيراً لهم وتخسيساً لما نالوه من المؤمنين ، لأن ظفر المؤمنين أمر عظيم تفتح له أبواب السماء كما قال أبو تمام في فتح المعتصم عمورية بلاد الروم : فتح تفتح أبواب السماء له

وتبرز الأرض في أثوابها القشب

وأما ظفر الكافرين فهو حظ دنيوي يصيبونه .

وقرأ ابن أبي عبلة : ونمنعكم بنصب العين بإضمار بعد واو الجمع ، والمعنى : ألم نجمع بين الاستحواذ عليكم ، ومنعكم من المؤمنين ؟ ونظيره قول الحطيئة : ألم أك جاركم ويكون بيني

وبينكم المودة والإخاء

و

قال ابن عطية : ونمنعكم بفتح العين على الصرف انتهى . يعني الصرف عن التشريك لما بعدها في إعراب الفعل الذي قبلها ، وليس النصب على الصرف من اصطلاح البصريين .

وقرأ أُبي : ومنعناكم من المؤمنين ، وهذا معطوف على معنى التقدير : لأن المعنى إما استخوذنا عليكم ومنعناكم كقوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا} إذ المعنى : أما شرحنا لك صدرك ووضعنا .

{فَاللّه يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } أي وبينهم وينصفكم من جميعهم . ويحتمل أن لا عطف ، ومعنى بينكم أي : بين الجمع منكم ومنهم ، وغلب الخطاب . وهذه تسلية للمؤمنين وأنس بما وعدهم به .

{وَلَن يَجْعَلَ اللّه لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } يعني يوم القيامة قاله : عليّ وابن عباس . وروي عن سبيع الحضرمي قال : كنت عند عليّ فقال له رجل : يا أمير المؤمنين أرأيت قول اللّه تعالى :{ وَلَن يَجْعَلَ اللّه لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } كيف ذلك وهم يقاتلوننا ويظهرون علينا أحياناً ؟ فقال عليّ : معنى ذلك يوم القيامة ، يوم الحكم .

قال ابن عطية : وبهذا قال جميع أهل التأويل . قال ابن العربي : وهذا ضعيف لعدم فائدة الخبر فيه ، وإنْ أوهم صدر الكلام معناه لقوله : فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة .

وقيل : أنه تعالى لا يمحو بالكفر ملة الإسلام ولا يستبيح بيضتهم كما جاء في صحيح مسلم من حديث ثوبان قال :{ فَإِنّي دُونِ اللّه أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الاْرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السَّمَاواتِ أَمْ ءاتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيّنَةٍ مّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً}

وقيل : المعنى أنْ لا يتواصوا بالباطل ، ولا يتناهوا عن المنكر ، ويتقاعدوا عن التوبة ، فيكون تسليط العدو عليهم من قبلهم كما

قال تعالى :{ وَمَا أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} قال ابن العربي : وهذا بين جداً ، ويدل عليه قوله في حديث ثوبان : حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً . وذلك أنّ غاية ، فيقتضي ظاهر الكلام أنه لا يسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم هلاك بعضهم بعضاً ، وسبي بعضهم لبعض . وقد وجد ذلك في هذه الأزمان بالفتن الواقعة بين المسلمين ، فغلظت شوكة الكفار ، واستولوا على بلاد المسلمين حتى لم يبق من الإسلام إلا أقله .

وقيل : سبيلاً من جهة الشرع ، فإن وجد فبخلاف الشرع .

وقيل : سبيلاً حجة شرعية ولا عقلية

يستظهرون بها إلا أبطلها ودحضت .

وقيل : سبيلاً أي ظهوراً قاله : الكلبي . ويحمل على الظهور الدائم الكلي ، فيؤول معناه إلى أنهم لا يستبيحون بيضة الإسلام وإلا فقد ظهروا في مواطن كأحد قبل .

وقد تضمنت هذه الآيات من الفصاحة والبديع فنوناً التجنيس المغاير في : أن يصالحا بينهما صلحاً ، وفي : فلا تميلوا كل الميل ، وفي : فقد ضل ضلالاً ، وفي : كفروا وكفروا . والتجنيس المماثل في : ويستفتونك ويفتيكم ، وفي : صلحاً والصلح ، وفي : جامع وجميعاً . والتكرار في : لفظ النساء ، وفي لفظ يتامى ، واليتامى ، ورسوله ، ولفظ الكتاب ، وفي آمنوا ثم كفروا ، وفي المنافقين . والتشبيه في : كالمعلقة . واللفظ المحتمل للضدين في : ترغبون أن تنكحوهن . والاستعارة في : نشوزاً ، وفي : وأحضرت الأنفس الشح ، وفي : فلا تميلوا ، وفي : قوامين ، وفي : وإن تلووا أو تعرضوا ، وفي : ازدادوا كفراً ولا ليهديهم سبيلاً ، وفي : يتربصون ، وفي : فتح من اللّه ، وفي : ألم نستحوذ ، وفي : سبيلاً . وهذه كلها للأجسام استعيرت للمعاني . والطباق في : غنياً أو فقيراً ، وفي : فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا واتباع الهوى جور وفي الكافرين والمؤمنين . والاختصاص في : بما تعملون خبيراً خص العمل . والالتفات في : وقد نزل عليكم إذا كان الخطاب للمنافقين . والحذف في مواضع .

﴿ ١٤١