١٤٢

إن المنافقين يخادعون . . . . .

الكسل : التثاقل ، والتثبط ، والفتور عن الشيء .

ويقال : أكسل الرجل إذا جامع فأدركه الفتور ولم ينزل . الذبذبة : الاضطراب بحيث لا يبقى على حال ، قاله : ابن عرفة والتردد بين الأمرين . وقال النابغة : ألم تر أن اللّه أعطاك سورة

ترى كل ملك دونها يتذبذب

وقال آخر : خيال لأم السلسبيل ودونها

مسيرة شهر للبريد المذبذب

بكسر الثانية . قال ابن جني : أي القلق الذي لا يثبت . قيل : وأصله الذب ، وهو ثلاثي الأصل ضعف فقيل : ذبب ، ثم أبدل من أحد المضعفين وهي الباء الثانية ذالاً فقيل ذبذب ، وهذا على أصل الكوفيين .

وأما البصريون فهو عندهم رباعي كدحرج .

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ } تقدم تفسير يخادعون اللّه في أوّل البقرة . ومعنى وهو خادعهم : أي منزل الخداع بهم ، وهذه عبارة عن عقوبة سماها باسم الذنب . فعقوبتهم في الدنيا ذلهم وخوفهم ، وفي الآخرة عذاب جهنم قاله ابن عطية . وقال الحسن ، والسدي ، وابن جريج ، وغيرهم من المفسرين : هذا الخداع هو أنه تعالى يعطي هذه الأمّة يوم القيامة نوراً لكل إنسان مؤمن أو منافق ، فيفرح المنافقون ويظنون أنهم قد

نجوا ، فإذا جاؤوا إلى الصراط طفىء نور كل منافق ، ونهض المؤمنون . وذلك قول المنافقين : انظرونا نقتبس من نوركم وذلك هو الخداع الذي يجري على المنافقين .

وقال الزمخشري : وهو خادعهم ، وهو فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع ، حيث تركهم معصومين الدماء والأموال في الدنيا ، وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة ، ولم يخلهم في العاجل من فضيحة وإحلال بأس ونقمة ورعب دائم . والخادع من خدعته إذا غلبته ، وكنت أخدع منه انتهى . وبعضه مسترق من كلام الزجاج . قال الزجاج : لما أمر بقبول ما أظهروا كان خادعاً لهم بذلك .

وقرأ مسلمة بن عبد اللّه النحوي : خادعْهم بإسكان العين على التخفيف ، واستثقال الخروج من كسر إلى ضم . وهذه الجملة معطوفة على خبر إن . وقال أبو البقاء : هو في موضع الحال .

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ } أي متوانين لا نشاط لهم فيها ، لأنهم إنما يصلون تستراً وتكلفاً ، وينبغي للمؤمن أن يتحرز من هذه الخصلة التي ذمّ المنافقون ، وأن يقبل إلى صلاته بنشاط وفرغ قلب وتمهل في فعلها ، ولا يتقاعس عنها فعل المنافق الذي يصلي على كرهٍ لاعن طيب نفس ورغبة . وما زال في كل عصر منافقون يتسترون بالإسلام ، ويحضرون الصلوات كالمتفلسفين الموجودين في عصرنا هذا ، وقد أشار بعض علمائنا إليهم في شعر قاله وضمن فيه بعض الآية ، فقال في أبي الوليد بن رشد الحفيد وأمثاله من متفلسفة الإسلام : لأشياع الفلاسفة اعتقاد

يرون به عن الشرح انحلالا

أباحوا كل محظور حرام

وردّوه لأنفسهم حلالا

وما انتسبوا إلى الإسلام إلا

لصون دمائهم أن لا تسالا

فيأتون المناكر في نشاط

ويأتون الصلاة وهم كسالى

وقرأ الجمهور : كسالى بضم الكاف ، وهي لغة أهل الحجاز .

وقرأ الأعرج : كسالى بفتح الكاف وهي لغة تميم وأسد .

وقرأ ابن المسيمقع : كسلى على وزن فعلى ، وصف بما يوصف به المؤنث المفرد على مراعاة الجماعة كقراءة .{ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى}

{بِرَبّ النَّاسِ } أي يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة وأنهم مسلمون . وهي من باب المفاعلة ، يرى المرائي الناس تجمله بأفعال الطاعة ، وهم يرونه استحسان ذلك العمل . وقد يكون من باب فاعل بمعنى فعل ، نحو نعمة وناعمة . وروى أبو زيد : رأت المرأة المرآة إذا أمسكتها لترى وجهها . وقرىء : يرؤن بهمزة مضمومة مشددة بين الراء والواو . و

قال ابن عطية : وهي أقوى في المعنى من يراؤون ، لأن معناها يحملون الناس على أن يروهم ويتظاهرون لهم بالصلاة وهم يبطنون النفاق . ونسب الزمخشري هذه القراءة لابن أبي إسحاق إلا أنه قالقرأ : يرؤنهم همزة مشددة مثل : يرعونهم أي يبصرونهم أعمالهم ، ويراؤونهم كذلك .

{وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّه لا قَلِيلاً } قال الحسن : قل لأنه كان يعمل لغير اللّه . وقال قتادة : ما معناه إنما قل لكونه لم يقبله ، وما رده اللّه فكثيره قليل ، وما قبله فقليله كثير . وقال غيره : قل بالنسبة إلى خوضهم في الباطل وقولهم الزور والكفر .

وقال الزمخشري : إلا قليلاً ، لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس إلا ما يجاهرون به ، وما يجاهرون به قليل ، لأنهم ما وجدوا مندوحة من تكلف ما ليس في قلوبهم لم يتكلفوه ، أولاً يذكرون اللّه بالتسبيح والتهليل إلا ذكراً قليلاً . ويجوز أن يراد بالقلة العدم انتهى . ولا يجوز أنْ يراد به العدم ، لأن الاستثناء يأباه ، وقد رددنا هذا القول عليه وعلى ابن عطية في هذه السورة .

وقيل : قل لأنهم قصدوا به الدنيا وزهرتها ، وذلك { فَانٍ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ } ،

وقيل في الكلام حذف تقديره : ولا يذكرون عقاب اللّه وثوابه إلا قليلاً لاستغراقهم في الدنيا ، وغلبة الغفلة على قلوبهم . والظاهر أنّ الذكر هنا هو باللسان ، وأنهم قلَّ أن يذكروا اللّه بخلاف المؤمن المخلص ، فإنه يغلب على أحواله ذكر اللّه تعالى .

﴿ ١٤٢