٣

حرمت عليكم الميتة . . . . .

{حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّه بِهِ } تقدم مثل هذه الجملة في البقرة . وقال هنا ابن عطية : ولحم الخنزير مقتض لشحمه بإجماع انتهى . وليس كذلك ، فقد خالف فيه داود وغيره ، وتكلمنا على ذلك في البقرة ، وتأخر هنا به وتقدم هناك تفنناً في الكلام واتساعاً ، ولكون الجلالة وقعت هناك فصلاً أولاً كالفصل ، وهنا جاءت معطوفات بعدها ، فليست فصلاً ولا كالفصل ، وما جاء كذلك يقتضي في أكثر المواضع المد .

{وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ } تقدم شرح هذه الألفاظ في المفردات . قال ابن عباس وقتادة : كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة وغيرها ، فإذا ماتت أكلوها . وقال أبو عبد اللّه : ليس الموقوذة إلا في ملك ، وليس في صيد وقيذ . وقال مالك وغيره من الفقهاء في : الصيد ما حكمه حكم الوقيذ ، وهو نص في قول النبي صلى اللّه عليه وسلم في المعراض : { وإذا أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ} .

وقال ابن عباس ، وقتادة ، والسدي ، والضحاك : النطيحة الشاة تنطحها أخرى فيموتان ، أو الشاة تنطحها البقر والغنم . وقال قوم : النطيحة المناطحة ، لأن الشاتين قد يتناطحان فيموتان .

قال ابن عطية : كل ما مات ضغطاً فهو نطيح .

وقرأ عبد اللّه وأبو ميسرة : والمنطوحة والمعنى في قوله وما أكل السبع : ما افترسه فأكل منه . ولا يحمل على ظاهره ، لأن ما فرض أنه أكله السبع لا وجود له فيحرم أكله ، ولذلك

قال الزمخشري : وما أكل السبع بعضه ، وهذه كلها كان أهل الجاهلية يأكلونها .

وقرأ الحسن والفياض ، وطلحة بن سلمان ، وأبو حيوة : السبع بسكون الباء ، ورويت عن أبي بكر عن عاصم في غير المشهور ، ورويت عن أبي عمرو .

وقرأ عبد اللّه : وأكيلة السبع .

وقرأ ابن عباس : وأكيل السبع وهما بمعنى مأكول السبع ، وذكر هذه المحرمات هو تفصيل لما أجمل في عموم قوله :{ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } وبهذا صار المستثنى منه والمستثنى معلومين .

{إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } قال علي ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وابراهيم ، وطاووس ، وعبيد بن عمير ، والضحاك ، وابن زيد ، والجمهور : هو راجع إلى المذكورات أي من قوله : والمنخنقة إلى وما أكل السبع . فما أدرك منها بطرف بعض ، أو بضرب برجل ، أو يحرك ذنباً . وبالجملة ما تيقنت فيه حياة ذكي وأكل . وقال بهذا مالك في قول ، والمشهور عنه وعن أصحابه المدنيين : أنّ الذكاة في هذه المذكورات هي ما لم ينفذ مقاتلها ويتحقق أنها لا تعيش ، ومتى صارت إلى ذلك كانت في حكم الميتة . وعلى هذين القولين فالاستثناء متصل ، لكنه خلاف في الحال التي يؤثر فيها الذكاة في المذكورات . وكان الزمخشري مال إلى مشهور قول مالك فإنه قال : لا ما أدركتم ذكاته وهو يضطرب اضطراب المذبوح وتشخب وداجه .

وقيل : الاستثناء متصل عائد إلى أقرب مذكور وهو ما أكل السبع ومختص به ، والمعنى : إلا ما أدركتم فيه حياة مما أكل السبع فذكيتموه ، فإنه حلال .

وقيل : هو استثناء منقطع والتقدير : لكنْ ما ذكيتم من غير هذه فكلوه . وكان هذا القائل رأى أنّ هذه الأوصاف وجدت فيما مات بشيء منها ، إما بالخنق ،

وإما بالوقذ ، أو التردي ، أو النطح ، أو افتراس السبع ، ووصلت

إلى حد لا تعيش فيه بسب بوصف من هذه الأوصاف على مذهب من اعتبر ذلك ، فلذلك كان الاستثناء منقطعاً . والظاهر أنه استثناء متصل ، وإنما نص على هذه الخمسة وإن كان في حكم الميتة ، ولم يكتف بذكر الميتة لأن العرب كانت تعتقد أنّ هذه الحوادث على المأكول كالذكاة ، وأن الميتة ما ماتت بوجع دون سبب يعرف من هذه الأسباب . وظاهر قوله : إلا ما ذكيتم ، يقتضي أنّ ما لا يدرك لا يجوز أكله كالجنين إذا خرج من بطن أمه المذبوحة ميتاً ، إذا كان استثناء منقطعاً فيندرج في عموم الميتة ، وهذا مذهب أبي حنيفة . وذهب الجمهور إلى جواز أكله . والحديث الذي استنبطوا منه الجواز حجة لأبي حنيفة لا لهم . وهو { بِوالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ } المعنى على التشبيه أي ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه كما ذكاتها الذبح فكذلك ذكاته الذبح ولو كان كما زعموا لكان التركيب ذكاة أم الجنين ذكاته .

{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ } قال مجاهد وقتادة وغيرهما : هي حجارة كان أهل الجاهلية يذبحون عليها . قال ابن عباس : ويحلون عليها . قال ابن جريج : وليست بأصنام ، الصنم مصور ، وكانت العرب تذبح بمكة وينضحون بالدم ما أقبل من البيت ، ويشرحون اللحم ويضعونه على الحجارة ، فلما جاء الإسلام قال المسلمون : نحن أحق أنْ نعظم هذا البيت بهذه الأفعال ، فكره ذلك الرسول صلى اللّه عليه وسلم فنزلت . وما ذبح على النصب ونزل أن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها انتهى . وكانت للعرب في بلادها أنصاب حجارة يعبدونها ، ويحلون عليها أنصاب مكة ، ومنها الحجر المسمى بسعد . قال ابن زيد : ما ذبح على النصب ، وما أهل به لغير اللّه شيء واحد . و

قال ابن عطية : ما ذبح على النصب جزء مما أهل به لغير اللّه ، لكنْ خص بالذكر بعد جنسه لشهرة الأمر وشرف الموضع وتعظيم النفوس له . وقد يقال للصنم أيضاً : نصب ، لأنه ينصب انتهى .

وقرأ الجمهور : النُصُب بضمتين .

وقرأ طلحة بن مصرف : بضم النون ، وإسكان الصاد .

وقرأ عيسى بن عمر : يفتحتين ، وروي عنه كالجمهور .

وقرأ الحسن : بفتح النون ، وإسكان الصاد .

{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاْزْلاَمِ } هذا معطوف على ما قبله أي : وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام ، وهو طلب معرفة القسم ، وهو النصيب أو القسم ، وهو المصدر . قال ابن جريج : معناه أن تطلبوا على ما قسم لكم بالأزلام ، أو ما لم يقسم لكم انتهى . وقال مجاهد : هي كعاب فارس والروم التي كانوا يتقامرون بها . وروي عنه أيضاً : أنها سهام العرب ، وكعاب فارس ، وقال سفيان ووكيع : هي الشطرنج .

وقيل : الأزلام حصى كانوا يضربون بها ، وهي التي أشار إليها الشاعر بقوله : لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى

ولا زاجرات الطير ما اللّه صانع

وروي هذا عن ابن جبير قالوا : وأزلام العرب ثلاثة أنواع :

أحدها : الثلاثة التي يتخذها كل إنسان لنفسه في أحدها افعل وفي الآخر لا تفعل والثالث غفل فيجعلها في خريطة ، فإذا أراد فعل شيء دخل يده في الخريطة منسابة ، وائتمر بما خرج له من الآمر أو الناهي . وإن خرج الغفل أعاد الضرب .

والثاني : سبعة قداح كانت عندها في جوف الكعبة ، في أحدها العقل في أمر الديات من يحمله منهم فيضرب بالسبعة ، فمن خرج عليه قدح العقل لزمه العقل ، وفي آخر تصح ، وفي آخر لا ، فإذا أرادوا أمراً ضرب فيتبع ما يخرج ، وفي آخر منكم ، وفي

آخر من غيركم ، وفي آخر ملصق ، فإذا اختلفوا في إنسان أهو منهم أمْ من غيرهم ضربوا فاتبعوا ما خرج ، وفي سائرها لأحكام المياه إذا أرادوا أن يحفروا لطلب المياه ضربوا بالقداح ، وفيها ذلك القداح ، فحيث ما خرج عملوا به . وهذه السبعة أيضاً متخذة عند كل كاهن من كهان العرب وحكامهم على ما كانت في الكعبة عند هبل . و

الثالث : قداح الميسر وهي عشرة ، وتقدم شرح الميسر في سورة البقرة .

{ذالِكُمْ فِسْقٌ } الظاهر أنّ الإشارة إلى الاستقسام خاصة ، ورواه أبو صالح عن ابن عباس .

وقال الزمخشري : إشارة إلى الاستقسام ، وإلى تناول ما حرم عليهم ، لأن المعنى : حرم عليهم تناول الميتة وكذا وكذا . { فإن قلت} : لم كان استقسام المسافر وغيره بالأزلام ليعرف الحال فسقاً ؟ { قلت} : لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر به علام الغيوب ، وقال : { لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّه } واعتقاد أن إليه طريقاً وإلى استنباطه . وقوله : أمرني ربي ونهاني ربي افتراء على اللّه تعالى ، وما يبديه أنه أمره أو نهاه الكهنة والمنجمون بهذه المثابة ، وإن كان أراد بالرب الصنم . فقد روي أنهم كانوا يحلون بها عند أصنامهم ، وأمره ظاهر انتهى .

قال الزمخشري في اسم الإشارة رواه عن ابن عباس عليّ بن أبي طلحة ، وهو قول ابن جبير . قال الطبري : ونهى اللّه عن هذه الأمور التي يتعاطاها الكهان والمنجمون ، لما يتعلق بها من الكلام في المغيبات . وقال غيره : العلة في تحريم الاستقسام بالأزلام كونها يؤكل بها المال بالباطل ، وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاماً أو ينكحوا أو يدفنوا ميتاً أو شكوا في نسب ، ذهبوا إلى هبل بمائة درهم وجزور ، فالمائة للضارب بالقداح ، والجزور ينحر ويؤكل ، ويسمون صاحبهم ويقولون لهبل : يا إلهنا هذا فلان أردنا به كذا وكذا فأخرج الحق فيه ، ويضرب صاحب القداح فما خرج عمل به ، فإن خرج لا أخروه عامهم حتى يأتوا به مرة أخرى ، ينتهون في كل أمورهم إلى ما خرجت به القداح .

{الْيَوْمَ بِئْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } الألف واللام فيه للعهد وهو يوم عرفة قاله : مجاهد ، وابن زيد . وهو يوم نزولها بعد العصر في حجة الوداع يوم الجمعة ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الموقف على ناقته ، وليس في الموقف مشرك .

وقيل : اليوم الذي دخل فيه الرسول صلى اللّه عليه وسلم مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع .

وقيل : سنة ثمان ، ونادى مناديه بالأمان لمن لفظ بشهادة الإسلام ، ولمن وضع السلاح ، ولمن أغلق بابه . وقال الزجاح : لم يرد يوماً بعين ، وإنما المعنى : الآن يئسوا ، كما تقول : أنا اليوم قد كبرت انتهى . واتبع الزمخشري الزجاج فقال : اليوم لم يرد به يوماً بعينه ، وإنما أراد الزمان الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية ، كقولك : كنت بالأمس شاباً وأنت اليوم أشيب ، فلا يريد بالأمس الذي قبل يومك ، ولا باليوم يومك . ونحوه الآن في قوله : الآن لما ابيض مسربتي

وعضضت من نابي على جدم

انتهى .

والذين كفروا : مشركو العرب . قال ابن عباس ، والسدي ، وعطاء : أيسوا من أن ترجعوا إلى دينهم . و

قال ابن عطية : ظهور أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ، وظهور دينه ، يقتضي أن يئس الكفار عن الرجوع إلى دينهم قد كان وقع منذ زمان ، وإنما هذا اليأس عندي من اضمحلال أمر الإسلام وفساد جمعه ، لأنّ هذا أمر كان يترجاه من بقي من الكفار . ألا ترى إلى قول أخي صفوان بن أمية في يوم هوازن حين انكشف المسلمون فظنها هزيمة . ألا بطل السحر اليوم . وقال

الزمخشري : يئسوا منه أن يبطلوه وأن يرجعوا محللين لهذه الخبائث بعدما حرمت عليكم .

وقيل : يئسوا من دينكم أن يغلبوه لأنّ اللّه وفى بوعده من إظهاره على الدين كله انتهى .

وقرأ أبو جعفر : ييس من غير همز ، ورويت عن أبي عمرو .

{فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } قال ابن جبير : فلا تخشوهم أن يظهروا عليكم . وقال ابن السائب : فلا تخشوهم أن يظهروا على دينكم .

وقيل : فلا تخشوا عاقبتهم . والظاهر أنه نهى عن خشيتهم إياهم ، وأنهم لا يخشون إلا اللّه تعالى .

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يحتمل اليوم المعاني التي قيلت في قوله : اليوم يئس . قال الجمهور : وإكماله هو إظهاره ، واستيعاب عظم فرائضه ، وتحليله وتحريمه . قالوا : وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآيات الربا ، وآية الكلالة ، وغير ذلك ، وإنما كمل معظم الدين ، وأمر الحج ، إنْ حجوا وليس معهم مشرك . وخطب الزمخشري في هذا المعنى فقال : كفيتكم أمر عدوكم ، وجعلت اليد العليا لكم ، كما تقول الملوك : اليوم كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد إذا كفوا من ينازعهم الملك ، ووصلوا إلى أغراضهم ومباغيهم . أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه من تعليم الحلال والحرام ، والتوقيف على الشرائع ، وقوانين القياس ، وأصول الاجتهاد انتهى . وهذا القول الثاني هو : قول ابن عباس والسدي قالا : كمال فرائضه وحدوده ، ولم ينزل بعد هذه الآية تحليل ولا تحريم ، فعلى هذا يكون المعنى : أكملت لكم شرائع دينكم . وقال قتادة وابن جبير : كما له أن ينفي المشركين عن البيت ، فلم يحج مشرك . وقال الشعبي : كمال الدين هو عزه وظهوره ، وذل الشرك ودروسه ، لا تكامل الفرائض والسنن ، لأنها لم تزل تنزل إلى أن قبض .

وقيل : كما له إلا من من نسخه بعده كما نسخ به ما تقدّم . وقال القفال : الدين ما كان ناقصاً البتة ، بل كانت الشرائع تنزل في كل وقت كافية في ذلك الوقت ، إلا أنه تعالى كان عالماً في أول المبعث بأنّ ما هو كامل في هذا اليوم ليس بكامل في الغد ، وكان ينسخ بعد الثبوت ويزيد بعد العدم ،

وأما في آخر زمان المبعث فأنزل شريعة كاملة ، وأحكم ثباتها إلى يوم القيامة . وروي أن هذه الآية لما نزلت يوم الحج الأكبر ، وقرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بكى عمر بن الخطاب فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : { ما يبكيك ؟ } فقال : أبكاني أنا كنا في زيادة ديننا ، فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص . فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم { صدقتَ} .

{وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى } أي في ظهور الإسلام ، وكمال الدين ، وسعة الأحوال ، وغير ذلك مما انتظمته هذه الملة الحنيفية ، إلى دخول الجنة ، والخلود ، وحسَّن العبارة الزمخشري فقال : بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين ، وهدم منار الجاهلية ومناسكهم ، وإن لم يحج مشرك ولم يطف بالبيت عريان انتهى . فكلامه مجموع أقوال المتقدّمين . قال ابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة : إتمام النعمة منع المشركين من الحج . وقال السدي : هو الإظهار على العدو . وقال ابن زيد : بالهداية إلى الإسلام .

وقال الزمخشري : وأتممت عليكم نعمتي بإكمال أمر الدين والشرائع كأنه قال : وأتممت عليكم نعمتي بذلك ، لأنه لا نعمة من نعمة الإسلام .

{وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِيناً } يعني : اخترته لكم من بين الأديان ، وأذنتكم بأنه هو الدين المرضي وحده { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه إن هذه أمتكم أمة واحدة} قاله الزمخشري . وقال ابن عطية الرضافي : هذا الموضع يحتمل أن يكون بمعنى الإرادة ، ويحتمل أن يكون صفة فعل عبارة عن إظهار اللّه إياه ، لأنّ الرضا من الصفات المترددة بين صفات الذات وصفات الأفعال ، واللّه تعالى قد رضي الإسلام وأراده لنا ، وثم أشياء يريد اللّه وقوعها ولا برضاها . والإسلام هنا هو الدين في قوله : { إِنَّ الدّينَ عِندَ اللّه الإِسْلَامُ } انتهى وكلامه يدل على أنّ الرضا إذا كان من صفات الذات فهو صفة تغاير الإرادة .

وقيل : المعنى أعلمتكم برضائي به

لكم ديناً ، فإنه تعالى لم يزل راضياً بالإسلام لنا ديناً ، فلا يكون الاختصاص الرضا بذلك اليوم فائدة إنْ حمل على ظاهره .

وقيل : رضيت عنكم إذا تعبدتم لي بالدين الذي شرعته لكم .

وقيل : رضيت إسلامكم الذي أنتم عليه اليوم ديناً كاملاً إلى آخر الأبد لا ينسخ منه شيء .

{فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ } هذا متصل بذكر المحرمات وذلكم فسق أكده به وبما بعده يعني التحريم ، لأن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعم التامة ، والإسلام المنعوت بالرضا دون غيره من الملك . وتقدّم تفسير مثل هذه الجملة . وقراءة ابن محيصن : فمن اطرّ بإدغام الضاد في الطاء . ومعنى متجانف : منحرف ومائل .

وقرأ الجمهور : متجانف بالألف .

وقرأ أبو عبد الرحمن ، والنخعي وابن وثاب : متجنف دون ألف . قال ابن عطية وهو أبلغ في المعنى من متجانف ، وتفاعل إنما هو محاكاة الشيء والتقرب منه . ألا ترى أنك إذا

قلت : تمايل الغصن ، فإنّ ذلك يقتضي تاوّداً ومقاربة ميل ، وإذا قلت ؛ تميل ، فقد ثبت الميل . وكذلك تصاون الرجل وتصوّن وتغافل وتغفل انتهى . والإثم هنا قيل : أنْ يأكل فوق الشبع .

وقيل : العصيان بالسفر .

وقيل : الإثم هنا الحرام ، ومن ذلك قول عمر : ما تجأنفنا فيه لإثم ، ولا تعهدنا ونحن نعلمه . أي : ما ملنا فيه لحرام .

﴿ ٣