٤١واعلموا أنما غنمتم . . . . . لقصوّ البعد والقصوى تأنيث الأقصى ومعظم أهل التصريف فصلوا في الفعلى مما لامه واو فقالوا إن كان اسماً أبدلت الواو ياء ثم يمثّلون بما هو صفة نحو الدنيا والعليا والقصيا وإن كان صفة أقرت نحو الحلوى تأنيث الأحلى ، ولهذا قالوا شذّ القصوى بالواو وهي لغة الحجاز والقصيا لغة تميم وذهب بعض النحويين إلى أنه إن كان اسماً أقرت الواو نحو حزوى وإن كان صفة أبدلت نحو الدنيا والعليا وشذّ إقرارها نحو الحلوى ونص على ندور القصوى ابن السكيت ، وقال الزمخشريّ فأما القصوى فكالقود في مجيئه على الأصل وقد جاء القصيا إلا أن استعمال القصوى أكثر مما كثر استعمال استصوب مع مجيء استصاب وأغيلت مع أغالت والترجيح بين المذهبين مذكور في النحو ، البطر قال الهروي : الطغيان عند النعمة ، وقال ابن الأعرابي : سوء احتمال الغي ، وقال الأصمعي : الحيرة عند الحق فلا يراه حقاً ، وقال الزجاج : يتكبر عند الحق فلا يقبله ، وقال الكسائي : مأخوذ من قول العرب ذهب دمه بطراً أي باطلاً ، و قال ابن عطية : البطر الأشر وغمط النعمة والشغل بالمرح فيها عن شكرها ، نكص قال النضر بن شميل : رجع القهقرى هارباً ، وقال غيره : هذا أصله ثم استعمل في الرجوع من حيث جاء . وقال الشاعر : هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا لا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا ويقال أراد أمراً ثم نكص عنه . وقال تأبط شرًّا : ليس النكوص على الأدبار مكرمة إنّ المكارم إقدام على الأسل ليس هنا قهقرى بل هو فرار ، وقال مؤرج : نكص رجع بلغة سليم . شرّد فرّق وطرّد والمشرّد المفرّق المبعد وأما شرذ بالذال فسيأتي إن شاء اللّه تعالى عند ذكر قراءة من قرأ بالذال ، التحريض المبالغة في الحثّ وحركه وحرّسه وحرّضه بمعنى ، وقال الزمخشريّ من الحرض وهو أن ينهكه المرض ويتبالغ فيه حتى يشفي على الموت أو أن يسميه حرضاً ويقول له ما أزال إلا حرضاً في هذا الأمر وممرضاً فيه ليهيجه ويحرّكه منه ، وقالت فرقة : المعنى حرض على القتال حتى يتبين لك فيمن تركه إنه حارض ، قال النقاش : وهذا قول غير ملتئم ولا لازم من اللفظ ونحا إليه الزّجاج والحارض الذي هو القريب من الهلاك لفظة مباينة لهذه ليست منها في شيء ، أثخنته الجراحات أثبتته حتى تثقل عليه الحركة وأثخنه المرض أثقله من الثخانة التي هي الغلظ والكثافة والإثخان المبالغة في القتل والجراحات . {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءامَنْتُم بِاللّه} قال الكلبي : نزلت بدر ، وقال الواقدي : كان الخمس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوّال على رأس عشرين شهراً من الهجرة ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما أمر تعالى بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة اقتضى ذلك وقائع وحروباً فذكر بعض أحكام الغنائم وكان في ذلك تبشير للمؤمنين بغلبتهم للكفار وقسم ما تحصّل منهم من الغنائم ، والخطاب في واعلموا للمؤمنين والغنيمة عرفاً ما يناله المسلمون من العدوّ بسعي وأصله الفوز بالشيء يقال غنم غنماً . قال الشاعر : وقد طوّفت في الآفاق حتى رضيت من الغنم بالإياب ويوم الغنم يوم الغنم مطعمه أني توجه والمحروم محروم والغنيمة والفيء هل هما مترادفان أو متباينان قولان وسيأتي ذلك عند ذكر الفيء إن شاء اللّه تعالى . والظاهر أن ما غنم يخمس كائناً ما كان فيكون خمسة لمن ذكر اللّه فأما قوله فإن للّه خمسه فالظاهر أن ما نسب إلى اللّه يصرف في الطاعات كالصدقة على فقراء المسلمين وعمارة الكعبة ونحوهما ، وقال بذلك فرقة وأنه كان الخمس يُقسم على ستة فما نسب إلى اللّه قسّم على من ذكرنا ، وقال أبو العالية سهم اللّه يصرف إلى رتاج الكعبة وعنه كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ بيده قبضة فيجعلها للكعبة وهو سهم اللّه تعالى ثم يقسم ما بقي على خمسه ، وقيل سهم اللّه لبيت المال ، وقال ابن عباس والحسن والنخعي وقتادة والشافعي قوله فإن للّه خمسه استفتاح كلام كما يقول الرجل لعبده : أعتقك اللّه وأعتقتك على جهة التبرك وتفخيم الأمر والدنيا ، كلها للّه وقسم اللّه وقسم الرسول واحد وكان الرسول صلى اللّه عليه وسلم يقسم الخمس على خمسة أقسام ، وهذا القول هو الذي أورده الزمخشري احتمالاً ، فقال : يحتمل أن يكون معنى للّه وللرسول كقوله تعالى واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه وأن يراد بقوله فإن للّه خمسه أي من حقّ الخمس أن يكون متقرّباً به إليه لا غير ثم خصّ من وجوه القرب هذه الخمسة تفضيلاً لها على غيرها كقوله تعالى وجبريل وميكال والظاهر أن للرسول عليه الصلاة والسلام سهماً من الخمس . وقال ابن عباس فيما روى الطبري : ليس للّه ولا للرسول شيء وسهمه لقرابته يقسم الخُمس على أربعة أقسام ، وقالت فرقة : هو مردود على الأربعة الأخماس ، وقال علي يلي الإمام سهم اللّه ورسوله والظاهر أنه ليس له عليه السلام غير سهم واحد من الغنيمة ، و قال ابن عطية : كان مخصوصاً عليه السلام من الغنيمة بثلاثة أشياء ، كان له خمس الخمس ، وكان له سهم رجل في سائر الأربعة الأخماس ، وكان له صفي يأخذه قبل قسم الغنيمة دابة أو سيفاً أو جارية ولا صفي بعده لا حد بالإجماع إلا ما قاله أبو ثور من أن الصفي إلى الإمام ، وهو قول معدود في شواذ الأقوال انتهى ، وقالت فرقة : لم يورث الرسول صلى اللّه عليه وسلم فسقط سهمه ، وقيل سهمه موقوف على قرابته وقد بعثه إليهم عمر بن عبد العزيز ، وقالت فرقة : هو لقرابة القائم بالأمر بعده ، وقال الحسن وقتادة : كان للرسول صلى اللّه عليه وسلم في حياته فلما توفي جعل لولي الأمر من بعده انتهى ، وذوو القربى معناه قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والظاهر عموم قرباه ، فقالت فرقة : قريش كلها بأسرها ذوو قربى ، وقال أبو حنيفة والشافعي : هم بنو هاشم وبنو المطلب استحقوه بالنصرة والمظاهرة دون بني عبد شمس وبني نوفل ، وقال علي بن الحسين وعبد اللّه بن الحسن وابن عباس : هم بنو هاشم فقط ، قال مجاهد : كان آل محمد لا تحل لهم الصدقة فجعل له خمس الخمس ، قال ابن عباس : ولكن أبى ذلك علينا قومنا وقالوا قريش كلها قربى والظاهر بقاء هذا السهم لذوي القربى وأنه لغنيّهم وفقيرهم ، وقال ابن عباس كان على ستة للّه وللرسول سهمان وسهم لأقاربه حتى قبض فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة ، ولذلك روي عن عمرو من بعده من الخلفاء ، وروي أن أبا بكر منع بني هاشم الخمس وقال إنما لكم أن يعطى فقيركم ويزوج أيمكم ويخدم من لا خادم له منكم وإنما الغنيّ منكم فهو بمنزلة ابن السبيل الغنيّ لا يعطى من الصدقة شيئاً ولا يتيم موسر ، وعن زيد بن علي : ليس لنا أن نبني منه قصوراً ولا أن نركب منه البراذين ، وقال قوم : سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة والظاهر أنّ اليتامى والمساكين وابن السبيل عامّ في يتامى المسلمين ومساكينهم وابن السبيل منهم ، وقيل : الخمس كله للقرابة ، وقيل : لعلي إن اللّه تعالى قال : واليتامى والمساكين فقال : أيتامنا ومساكيننا ، وروي عن علي بن الحسين وعبد اللّه بن محمد بن علي أنهما قالا : الآية كلها في قريش ومساكينها وظاهر العطف يقتضي التشريك فلا يحرم أحد قاله الشافعي ، قال : وللإمام أن يفضل أهل الحاجة لكن لا يحرم صنفاً منهم ، وقال مالك : للإمام أن يعطي الأحوج ويحرم غيره من الأصناف ، ولم تتعرض الآية لمن يصرف أربعة الأخماس والظاهر أنه لا يقسم لمن لم يغنم فلو لحق مدد للغانمين قبل حوز الغنيمة لدار الإسلام فعند أبي حنيفة هم شركاؤهم فيها ، وقال مالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي ، لا يشاركونهم والظاهر أن من غنم شيئاً خمس ما غنم إذا كان وحده ولم يأذن الإمام ، وبه قال الثوري والشافعي ، وقال أصحاب أبي حنيفة : هو له خاصة ولا يخمس وعن بعضهم فيه تفصيل ، وقال الأوزاعي إن شاء الإمام عاقبه وحرمه وإن شاء خمس والباقي له ، والظاهر أن قوله غنمتم خطاب للمؤمنين فلا يسهم لكافر حضر بإذن الإمام وقاتل ويندرج في الخطاب العبيد المسلمون فما يخصّهم لساداتهم ، وقال الثوري والأوزاعي إذا استعين بأهل الذمة يسهم لهم ، وقال أشهب إذا خرج المقيّد والذميّ من الجيش وغنماً فالغنيمة للجيش دونهم والظاهر أن قوله { أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ } عامّ في كل ما يغنم من حيوان ومتاع ومعدن وأرض وغير ذلك فيخمس جميع ذلك وبه قال الشافعي إلا الرجال البالغين ، فقال الإمام فيهم مخير بين أن يمنّ أو يقتل أو يسبى ومن سبي منهم فسبيله سبيل الغنيمة ، وقال مالك إن رأى الإمام قسمة الأرض كان صواباً أو إن أدّاه الاجتهاد إلى أن لا يقسمها لم يقسمها والظاهر أنه لا يخرج من الغنيمة غير الخمس فسلب المقتول غنيمة لا يختصّ به القاتل إلا أن يجعل له الأمير ذلك على قتله وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري ، وقال الأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد والطبري وابن المنذر : السّلب للقاتل ، قال ابن سريج وأجمعوا على أنّ من قتل أسيراً أو امرأة أو شيخاً أو ذفف على جريج أو قتل من قطعت يداه ورجله أو منهزماً لا يمنع في انهزامه كالمكتوف ليس له سلب واحد من هؤلاء والخلاف هل من شرطه أن يكون القاتل مقبلاً على المقتول وفي معركة أم ليس ذلك من شرطه ودلائل هذه المسائل مستوفاة في كتب الفقه وفي كتب مسائل الخلاف وفي كتب أحكام القرآن والظاهر أنّ ما موصولة بمعنى الذي وهي اسم أن وكتبت أن متصلة بما وكان القياس أن تكتب مفصولة كما كتبوا إن ما توعدون لآت مفصولة وخبر إن هو قوله : فإنّ للّه خمسة وإن للّه في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي فالحكم إن للّه ودخلت الفاء في هذه الجملة الواقعة خبراً لأن ، كما دخلت في خبر أن في قوله { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ } وقال الزمخشري : فإن للّه مبتدأ خبره محذوف تقديره حقّ أو فواجب أمن للّه خمسة انتهى ، وهذا التقدير الثاني الذي هو أو فواجب أنّ للّه خمسه تكون أن ومعمولاها في موضع مبتدأ خبره محذوف وهو قوله فواجب وأجاز الفرّاء أن تكون ما شرطية منصوبة بغنمتم واسم أن ضمير الشأن محذوف تقديره أنه وحذف هذا الضمير مع أنّ المشددة مخصوص عند سيبويه بالشعر ، وروى الجعفي عن هارون عن أبي عمرو فإن للّه بكسر الهمزة ، وحكاها ابن عطية عن الجعفي عن أبي بكر عن عاصم ، ويقوّي هذه القراءة قراءة النخعي فللّه خمسه ، وقرأ الحسن وعبد لوارث عن أبي عمرو : خمسه بسكون الميم ، وقرأ النخعي خمسه بكسر الخاء على الاتباع يعني اتباع حركة الخاء لحركة ما قبلها كقراءة من قرأ { وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ } بكسر الحاء اتباعاً لحركة التاء ولم يعتد بالساكن لأنه ساكن غير حصين ، وانظر إلى حسن هذا التركيب كيف أفرد كينونة الخمس للّه وفصل بين اسمه تعالى وبين المعاطيف بقوله خمسه ليظهر استبداده تعالى بكينونة الخمس له ثم أشرك المعاطيف معه على سيل التبعية له ولم يأتِ التركيب فإن للّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل خمسه ، وجواب الشرط محذوف أي إن كنتم آمنتم باللّه فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرّب به ولا يراد مجرد العلم بل العلم والعمل بمقتضاه ولذلك قدّر بعضهم إن كنتم آمنتم باللّه فاقبلوا ما أمرتم به في الغنائم وأبعد من ذهب إلى أن الشرط متعلق معناه بقوله فنعم المولى ونعم النصير والتقدير فاعلموا أنّ اللّه مولاكم وما أنزلنا معطوف على باللّه ، ويوم الفرقان يوم بدر بلا خلاف فرق فيه بين الحق والباطل والجمعان جمع المؤمنين وجمع الكافرين قتل فيها صناديد قريش نصّ عليه ابن عباس ومجاهد ومقسم والحسن وقتادة وكانت يوم الجمعة سابع عشر رمضان في السنة الثانية من الهجرة هذا قول الجمهور ، وقال أبو صالح لتسعة عشر يوماً والمنزل : الآيات والملائكة والنصر وختم بصفة القدرة لأنه تعالى أدال المؤمنين على قلتهم على الكافرين على كثرتهم ذلك اليوم ، وقرأ زيد بن علي عبدنا بضمتين كقراءة من قرأ وعبد الطاغوت بضمتين فعلى عبدنا هو الرسول صلى اللّه عليه وسلم وعلى عبدنا هو الرسول ومن معه من المؤمنين وانتصاب يوم الفرقان على أنه ظرف معمول لقوله وما أنزلنا ، وقال الزجاج ويحتمل أن ينتصب بغنمتم أي إنّ ما غنمتم يوم الفرقان يوم التقى الجمعان فإن خمسه لكذا وكذا ، أي كنتم آمنتم باللّه أي فانقادوا لذلك وسلّموا ، قال ابن عطية : وهذا تأويل حسن في المعنى ويعترض فيه الفضل بين الظرف وبين ما تعلقه به بهذه الجملة الكثيرة من الكلام انتهى ، ولا يجوز ما قاله الزجاج لأنه إن كانت ما شرطية على تخريج الفرّاء لزم فيه الفصل بين فعل الشرط ومعموله بجملة الجزاء ومتعلقاتها وإن كانت موصولة فلا يجوز الفصل بين فعل الصلة ومعموله بخبر أنّ . |
﴿ ٤١ ﴾