سورة التوبة١براءة من اللّه . . . . . المرصد : مفعل من رصد يرصد رقب ، يكون مصدراً وزماناً ومكاناً . وقال عامر بن الطفيل : ولقد علمت وما إخالك ناسيا أن المنية للفتى بالمرصد الآل الحلف والجؤار ، ومنه قول إبي جهل . لآل علينا واجب لا نضيعه متين قواه غير منتكث الحبل كانوا إذا تسامحوا وتحالفوا رفعوا به أصواتهم وشهروه من الآل وهو الجؤار ، وله أليل أي أنين يرفع به صوته . وقيل : القرابة . وأنشد أبو عبيدة على القرابة قول الشاعر : أفسد الناس خلوف خلفوا قطعوا الآل وأعراق الرحم وظاهر البيت أنه في العهد . ومن القرابة قول حسان : لعمرك أن لك من قريش كل السقب من رأل النعام وسميت إلاًّ لأنها عقدت ما لا يعقد الميثاق . وقيل : من أل البرق لمع . وقال الأزهري : الأليل البريق ، يقال : أل يؤل صفا ولمع . وقال القرطبي : مأخوذ من الحدة ، ومنه الآلة الحربة . واذن مؤللة محددة ، فإذا قيل للعهد والجؤار والقرابة إلّ فمعناه : أنّ الإذن منصرف إلى تلك الجهة التي يتحدد لها ، والعهد يسمى إلاًّ لصفائه ، ويجمع في القلة الآل ، وفي الكثرة الألّ وأصل جمع القلة أألل ، فسهلت الهمزة الساكنة التي هي فاء الكلمه فأبدلها ألفاً ، وأدغمت اللامفي اللام ، الذمة ؛ العهد . وقال أبو عبيدة : الأمان . وقال الأصمعي : كل ما يجب أن يحفظ ويحمى . أبى يأبى منع ، قال : أبى الضيم والنعمان يخرق نابه عليه فافضى والسيوف معاقله وقال : أبى اللّه إلا عدله ووفاءه فلا النكر معروف ولا العرف ضائع ومجيء مضارعه على فعل بفتح العين شاذ ، ومنه آبى اللحم لرجل من الصحابة . شفاه : أزال سقمه . العشيرة جماعة بسبب أو عقد أو وداد كعقد العشيرة . اقترف اكتسب . كسد الشيء كساداً وكسوداً بار ولم يكن له نفاق . الموطن : الموقف والمقام ، قال الشاعر : وكم موطن لولاي طحت كما هوى بإجرامه من قلة النيق منهوي ومثله الوطن . حنين : وادٍ بين مكة والطائف ، وقيل : واد إلى جنب ذي المجاز . العيلة : الفقر ، عال يعيل افتقر . قال : وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل الجزية : ما أخذ من أهل الذمة على مقامهم في بلاد الإسلام ، سميت بذلك لأنهم يجزونها أي يقضونها . أو لأنها تجزى بها من منّ عليهم بالإعفاء عن القتل . المضاهاة : المماثلة والمحاكاة ، وثقيف تقول : المضاهأة بالهمز ، وقد ضاهأت فمادتها مخالفة للتي قبلها ، إلا إنْ كان ضاهت يدعى أنّ أصلها الهمز كقولهم في توضأت وقرأت وأخطأت : توضيت ، وقريت ، وأخطيت فيمكن . وأما ضهيأ بالهمز مقصوراً فهمزته زائدة كهمزة عرفىء ، أو ممدوداً فهمزته للتأنيث زائدة ، أو ممدوداً بعده هاء التأنيث . حكاه البحتري عن أبي عمرو الشيباني في النوادر قال : جمع بين علامتي تأنيث . ومدلول هذه اللفظة في ثلاث لغاتها المرأة التي لا تحيض ، أو التي لا ثدي لها شابهت بذلك الرجال . فمن زعم أنّ المضاهاة مأخوذة من ضهياء فقوله خطأ لاختلاف المادتين ، لأصالة همزة المضاهأة ، وزيادة همزة ضهياء في لغاتها الثلاث . {بَرَاءةٌ مّنَ اللّه وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مّنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُواْ فِى الاْرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّه وَأَنَّ اللّه مُخْزِى الْكَافِرِينَ } هذه السورة مدنية كلها ، وقيل : إلا آيتين من آخرها فإنهما نزلتا بمكة ، وهذا قول الجمهور . وذكر المفسرون لها اسماً واختلافاً في سبب ابتدائها بغير بسملة ، وخلافاً عن الصحابة : أهي والأنفال سورة واحدة ، أو سورتان ؟ ولا تعلق لمدلول اللفظ بذلك ، فأخلينا كتابنا منه ، ويطالع ذلك في كتب المفسرين . ويقال : برئت من فلان أبرأ براءة ، أي انقطعت بيننا العصمة ، ومنه برئت من الدين . وارتفع براءة على الابتداء ، والخبر إلى الذين عاهدتم . ومن اللّه صفة مسوغة لجواز الابتداء بالنكرة ، أو على إضمار مبتدأ أي : هذه براءة . وقرأ عيسى بن عمر براءة بالنصب . قال ابن عطية : أي الزموا ، وفيه معنى الاغراء . وقال الزمخشري : اسمعوا براءة . قال : فإن قلت : بم تعلقت البراءة ، باللّه ورسوله والمعاهدة بالمسلمين ؟ قلت : قد أذن اللّه تعالى في معاهدة المشركين أولاً ، فاتفق المسلمون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعاهدوهم ، فلما نقضوا العهد أوجب اللّه تعالى النبذ إليهم ، فخوطب المسلمون بما تجدّد من ذلك فقيل لهم : إعلموا أنّ اللّه تعالى ورسوله قد برئا مما عاهدتم به المشركين . و قال ابن عطية : لما كان عهد الرسول صلى اللّه عليه وسلم لازماً لجميع أمته حسن أن يقول : عاهدتم . وقال ابن إسحاق وغيره : كانت العرب قد أوثقها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهداً عاماً على أنّ لا يصدّ أحد عن البيت الحرام ونحو هذا من الموادعات ، فنقض ذلك بهذه الآية ، وأحل لجميعهم أربعة أشهر ، فمن كان له مع الرسول عهد خاص وبقي منه أقل من الأربعة أبلغ به تمامها ، ومن كان أمده أكثر أتمّ له عهده ، وإذا كان ممن يحتبس منه نقض العهد قصر على أربعة أشهر ، ومن لم يكن له عهد خاص فرضت له الأربعة يسيح في الأرض أي : يذهب فيها مسرحاً آمناً . وظاهر لفظة من المشركين العموم ، فكل من عاهده المسلمون داخل فيه من مشركي مكة وغيرهم . وروي أنهم نكثوا إلاّ بني ضمرة وكنانة فنبذ العهد إلى الناكثين . وقال مقاتل : المراد بالمشركين هنا ثلاث قبائل من العرب : خزاعة ، وبنو مدلج ، وبنو خزيمة . وقيل : هذه الآية في أهل مكة ، وكان الرسول صلى اللّه عليه وسلم صالح قريشاً عام الحديبية على أنْ يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ، فدخلت خزاعة في عهد الرسول ، وبنو بكر بن عبد مناة في عهد قريش ، وكان لبني الديل من بني بكر دمٌ عند خزاعة فاغتنموا الفرصة وغفلة خزاعة ، فخرج نوفل بن معاوية الديلي فيمن أطاعه من بني بكر وبيتوا خزاعة فاقتتلوا ، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح ، وقوم أعانوهم بأنفسهم ، فهزمت خزاعة إلى الحرم ، فكان ذلك نقضاً لصلح الحديبية ، فخرج من خزاعة بديل بن ورقاء وعمرو بن سالم في ناس من قومهم ، فقدموا على الرسول صلى اللّه عليه وسلم مستغيثين ، وأنشده عمرو فقال : يا رب إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا كنت لنا أباً وكنا ولدا ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا فانصر هداك اللّه نصراً عبدا وادع عباد اللّه يأتوا مددا فيهم رسول اللّه قد تجردا أبيض مثل الشمس ينمو صعدا إن سيم خسفاً وجهه تريدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا إن قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا وزعموا أن لست تدعو أحدا وهم أذل وأقل عددا هم بيتونا بالحطيم هجدا وقتلونا ركعاً وسجدا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : { لا نصرت إنْ لم أنصركم } فتجهز إلى مكة وفتحها سنة ثمان ، ثم خرج إلى غزوة تبوك وتخلف من تخلف من المنافقين وأرجفوا الأراجيف ، فجعل المشركون ينقضون عهودهم ، فأمره اللّه تعالى بإلقاء عهدهم إليهم ، وأذن في الحرب فسيحوا أمر إباحة ، وفي ضمنه تهديد وهو التفات من غيبة إلى خطاب أي : قلْ لهم سيحوا . يقال : ساح سياحة وسوحاً وسيحاناً ، ومنه سيح الماء وهو الجاري المنبسط . وقال طرفة : لو خفت هذا منك ما نلتني حتى ترى خيلاً أمامي تسيح قال ابن عباس والزهري : أول الأشهر شوال حتى نزلت الآية ، وانقضاؤها انقضاء المحرم بعد يوم الأذان بخمسين ، فكان أجل من له عهد أربعة أشهر من يوم النزول ، وأجل سائر المشركين خمسون ليلة من يوم الأذان . وقال السدّي وغيره : أولها يوم الأذان ، وآخرها العشر من ربيع الآخر . وقيل : العشر من ذي القعدة إلى عشرين من شهر ربيع الأول ، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت للنسيء الذي كان فيهم ، ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة غير معجزي اللّه لا تفوتونه وإنْ أملهكم وهو مخزيكم أي : مذلكم في الدنيا بالقتل والأسر والنهب ، وفي الآخرة بالعذاب . وحكى أبو عمرو عن أهل نجران : أنهم يقرأون من اللّه بكسر النون على أصل التقاء الساكنين ، واتباعاً لكسرة النون . { وَأَذَانٌ مّنَ اللّه وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الاْكْبَرِ أَنَّ اللّه بَرِىء مّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } قرأ الضحاك وعكرمة وأبو المتوكل : وإذن بكسر الهمزة وسكون الذال . وقرأ الحسن والأعرج : إن اللّه بكسر الهمزة فالفتح على تقدير بأنّ ، والكسر على إضمار القول على مذهب البصريين ، أو لأنّ الأذان في معنى القول فكسرت على مذهب الكوفيين . وقرأ ابن أبي إسحاق ، وعيسى بن عمر ، وزيد بن علي : ورسوله بالنصب ، عطفاً على لفظ اسم أنْ . وأجاز الزمخشري أنْ ينتصب على أنه مفعول معه . وقرىء بالجر شاذاً ، ورويت عن الحسن . وخرجت على العطف على الجوار كما أنهم نعتوا وأكدوا على الجوار . وقيل : هي واو القسم . وروي أن أعرابياً سمع منم يقرأ بالجر فقال : إنْ كان اللّه بريئاً من رسوله فأنا منه بريء ، فلببه القارىء إلى عمر ، فحكى الأعرابي قراءته فعندها أمر عمر بتعليم العربية . وأما قراءة الجمهور بالرفع فعلى الابتداء ، والخبر محذوف أي : ورسوله بريء منهم ، وحذف لدلالة ما قبله عليه . وجوزوا فيه أن يكون معطوفاً على الضمير المستكن في بريء ، وحسنه كونه فصل بقوله : من المشركين ، بين متحمله ، والمعطوف . ومن أجاز العطف على موضع اسم إنّ المكسورة أجاز ذلك ، مع أنّ المفتوحة . ومنهم من أجاز ذلك مع المكسورة ، ومنع مع المفتوحة . قال ابن عطية : ومذهب الأستاذ يعني أبا الحسن بن الباذش على مقتضى كلام سيبويه : أنْ لا موضع لما دخلت عليه إنَّ لا موضع لما دخلت عليه هذه انتهى . وهذا كلام فيه تعقب ، لأنّ علة كون إنّ موضع لما دخلت عليه ، ليس ظهور عمل العامل ، بدليل ليس زيد بقائم ، وما في الدار من رجل ، فإنه ظهر عمل العامل ، ولهما موضع . وقوله : والإجماع إلى آخره يريد : أنّ ليت لا موضع لها من الإعراب بالإجماع ، وليس كذلك ، لأنّ الفراء خالف وجعل حكم ليت ولعل وكان ولكن ، وأنّ حكم إنّ في كون اسمهن له موضع . وإعراب وأذان كإعراب براءة على الوجهين ، ثم الجملة معطوفة على مثلها ولا وجه لقول من قال : إنه معطوف على براءة ، كما لا يقال عمرو معطوف على زيد في زيد قام وعمرو قاعد . والأذان بمعنى الإيذان وهو الإعلام كما أنّ الأمان والعطاء يستعملان بمعنى الإيمان والإعطاء ، ويضعف جعله خيراً عن . وأذان إذا أعربناه مبتدأ ، بل الخبر قوله : إلى الناس . وجاز الابتداء بالنكرة لأنها وصفت بقوله : من اللّه ورسوله . ويوم منصوب بما يتعلق به إلى الناس ، وقد أجاز بعضهم نصبه بقوله : وأذان ، وهو بعيد من جهة أنّ المصدر إذا وصف قبل أخذه معموله لا يجوز إعماله فيما بعد الصفة ، ومن جهة أن لا يجوز أنْ يخبر عنه إلا بعد أخذه معموله ، وقد أخبر عنه بقوله : إلى الناس . لما كان سنة تسع أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنْ يحج ، فكره أنْ يرى المشركين يطوفون عراة ، فبعث أبا بكر أميراً على الموسم ، ثم أتبعه علياً ليقرأ هذه الآيات على أهل الموسم راكباً ناقته العضباء ، فقيل له : لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال : { لا يؤدي عني إلا رجل مني } فلما اجتمعا قال : أبو بكر أمير أو مأمور ، قال : مأمور . فلما كان يوم التروية خطب أبو بكر وقام عليّ يوم النحر بعد جمرة العقبة فقال : { يا أيها الناس إني رسول رسول اللّه إليكم } ، فقالوا : بماذا ؟ فقرأ عليهم ثلاثين آية أو أربعين . وعن مجاهد : ثلاث عشرة ثم قال : { أمرت بأربع أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، وأنْ لا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة ، وأنْ يتم إلى كل ذي عهد عهده } فقالوا عند ذلك : يا علي أبلغ ابن عمك أنّا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا ، وأنه ليس بيننا وبينه عهد إلا طعن بالرماح وضرب بالسيوف . وقيل : عادة العرب في نقض عهودها أنْ يتولى رجل من القبيلة ، فلو تولاه أبو بكر لقالوا هذا خلاف ما يعرف منا في نقض العهود ، فلذلك جعل علياً يتولاه ، وكان أبو هريرة مع علي ، فإذا صحل صوت علي نادى أبو هريرة . والظاهر أنّ يوم الحج الأكبر هو يوم أحد . فقال عمر ، وابن الزبير ، وأبو جحيفة ، وطاووس ، وعطاء ، وابن المسيب : هو يوم عرفة ، وروى مرفوعاً إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم. وقال أبو موسى ، وابن أبي أوفى ، والمغيرة بن شعبة ، وابن جبير ، وعكرمة ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وابن زيد ، والسدي : هو يوم النحر . وقيل : يوم الحج الأكبر أيام الحج كلها ، قال سفيان بن عيينة . قال ابن عطية : والذي تظاهرت به الأحاديث أنّ علياً أذّن بتلك الآيات يوم عرفة إثر خطبة أبي بكر ، ثم رأى أنه لم يعم الناس بالإسماع فتتبعهم بالأذان بها يوم النحر ، وفي ذلك اليوم بعث أبو بكر رضي اللّه عنه من يعينه بها كأبي هريرة وغيره ، ويتبعوا بها أيضاً أسواق العرب كذي المجاز وغيره ، وبهذا يترجح قول سفيان . ويقول : كان هذا يوم صفين ، ويوم الجمل ، يريد جميع أيامه . وقال مجاهد : يوم الحج الأكبر أيام منى كلها ، ومجامع المشركين حين كانوا بذي المجاز وعكاظ ومجنة حتى نودي فيهم : إنْ لا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا ، ووصفه بالأكبر . قال الحسن ، وعبد اللّه بن الحرث بن نوفل : لأنه حج ذلك العام المسلمون والمشركون ، وصادف عيد اليهود والنصارى ، ولم يتفق ذلك قبله ولا بعده ، فعظم في قلب كل مؤمن وكافر . وضعف هذا القول بأنه تعالى لا يصفه بالأكبر لهذا . وقال الحسن أيضاً : لأنه حج فيه أبو بكر ، ونبذت فيه العهود . قال ابن عطية : وهذا هو القول الذي يشبه نظر الحسن ، وبيانه أن ذلك اليوم كان المفتتح بالحق وأمارة الإسلام بتقديم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ونبذت فيه العهود ، وعز فيه الدين ، وذل فيه الشرك ، ولم يكن ذلك في عام ثمان حين ولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عتاب بن أسد كان أمير العرب على أوله ، فكل حج بعد حج أبي بكر فمتركب عليه ، فحقه لهذا أنْ يسمى أكبر انتهى . ومن قال : إنه يوم عرفة ، فسمي الأكبر لأنه معظم واجباته ، فإذا فات فات الحج . ومن قال : إنه يوم منى فلأن فيه معظم الحج ، وتمام أفعاله من الطواف والنحر والحلق والرمي . وقيل : وصف بالأكبر لأنّ العمرة تسمى بالحج الأصغر . وقال منذر بن سعيد وغيره : كان الناس يوم عرفة مفترقين إذا كانت الحمس تقف بالمزدلفة ، وكان الجمع يوم النحر بمنى ، ولذلك كانوا يسمونه يوم الحج الأكبر أي الأكبر من الأصغر الذي هم فيه مفترقون . وقد ذكر المهدوي : أن الحمس ومن اتبعها وقفوا بالمزدلفة في حجة أبي بكر رضي اللّه عنه . وحكى القرطبي عن ابن سيرين : أنّ يوم الحج الأكبر أراد به العام الذي حج فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حجة الوداع ، وحج معه الأمم ، وهذا يحتاج إلى إضمار ، كأنه قال : هذا الأذان حكمه متحقق يوم الحج الأكبر وهو عام حج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انتهى . وسمي أكبر لأنه فيه ثبتت مناسك الحج . وقال فيه : { خذوا عني مناسككم } وجملة براءة من اللّه ورسوله إخبار بثبوت البراءة ، وجملة وأذان من اللّه ورسوله إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت ، فافترقتا وعلقت البراءة بالمعاهدين لأنها مختصة بهم ناكثيهم وغير ناكثيهم ، وعلق الأذان بالناس لشموله معاهداً وغيره ناكثاً ، وغيره مسلماً وكافراً ، هذا هو قول الجمهور . قيل : ويجوز أنْ يكون الخطاب للكفار بدليل آخر الآية ، وبدليل مناداة عليّ بالجمل الأربع . فظاهره أنّ المخاطب بتلك الجمل الكفار ، ولما كان المجرور خبراً عن قوله وأذان ، كان بإلى أي مفتد إلى الناس وواصل إليهم . ولو كان المجرور في موضع المفعول لكان باللام ، ومن في من المشركين متعلقة بقوله بريء تعلق المفعول . تقول : برئت منك ، وبرئت من الدين بخلاف مِنْ في قوله : براءة من اللّه ، فإنها في موضع الصفة { فَإِن تُبْتُمْ } أي : من الشرك الموجب لتبرىء اللّه ورسوله منكم .{ فَهُوَ } أي التوب { خَيْرٌ لَّكُمْ } في الدنيا لعصمة أنفسكم وأولادكم وأموالكم ، وفي الآخرة لدخولكم الجنة وخلاصكم من النار .{ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أي عن الإسلام { فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللّه } أي لا تفوتونه عما يحل بكم من نقماته { وَبَشّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } جعل الإنذار بشارة على سبيل الاستهزاء بهم ، والذين كفروا عام يشمل المشركين عبدة الأوثان وغيرهم ، وفي هذا وعيد عظيم بما يحل بهم . |
﴿ ١ ﴾