٢{الر تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْانًا عَرَبِيّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } : هذه السورة مكية كلها . وقال ابن عباس وقتادة : إلا ثلاث آيات من أولها . وسبب نزولها أن كفار مكة أمرتهم اليهود أن يسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن السبب الذي أحل بني إسرائيل بمصر فنزلت . وقيل : سببه تسلية الرسول صلى اللّه عليه وسلم عما كان يفعل به قومه بما فعل أخوة يوسف به . وقيل : سألت اليهود رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يحدثهم أمر يعقوب وولده ، وشأن يوسف . وقال سعد بن أبي وقاص : أنزل القرآن فتلاه عليهم زماناً فقالوا : يا رسول اللّه لو قصصت علينا ، فنزلت . ووجه مناسبتها لما قبلها وارتباطها أن في آخر السورة التي قبلها :{ وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } وكان في تلك الأنباء المقصوصة فيها ما لاقى الأنبياء من قومهم ، فاتبع ذلك بقصة يوسف ، وما لاقاه من أخوته ، وما آلت إليه حاله من حسن العاقبة ، ليحصل للرسول صلى اللّه عليه وسلم التسلية الجامعة لما يلاقيه من أذى البعيد والقريب . وجاءت هذه القصة مطولة مستوفاة ، فلذلك لم يتكرر في القرآن إلا ما أخبر به مؤمن آل فرعون في سورة غافر . والإشارة بتلك آيات إلى الر وسائر حروف المعجم التي تركبت منها آيات القرآن ، أو إلى التوراة والإنجيل ، أو الآيات التي ذكرت في سورة هود ، أو إلى آيات السورة . والكتاب المبن السورة أي : تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة أقوال . والظاهر أنّ المراد بالكتاب القرآن . والمبين إما البين في نفسه الظاهر أمره في إعجاز العرب وتبكيتهم ، وإما المبين الحلال والحرام والحدود والأحكام وما يحتاج إليه من أمر الدين ، قاله : ابن عباس ومجاهد ، أو المبين الهدى والرشد والبركة قاله قتادة ، أو المبين ما سألت عنه اليهود ، أو ما أمرت أن يسأل من حال انتقال يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف ، أو المبين من جهة بيان اللسان العربي وجودته ، إذ فيه ستة أحرف لم تجمع في لسان ، روي هذا عن معاذ بن جبل . قال المفسرون : وهي الطاء ، والظاء ، والضاد ، والصاد ، والعين ، والخاء انتهى . والضمير في إنا أنزلناه ، عائد على الكتاب الذي فيه قصة يوسف ، وقيل : على القرآن ، وقيل : على نبأ يوسف ، قاله الزجاج وابن الأنباري . وقيل : هو ضمير الإنزال . وقرآناً هو المطعوف به ، وهذان ضعيفان . وانتصب قرآناً ، قيل : على البدل من الضمير ، وقيل على الحال الموطئة . وسمي القرآن قرآناً لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير ، وعربياً منسوب إلى العرب . والعرب جمع عربي ، كروم ورومي ، وعربة ناحية دار إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام . قال الشاعر : وعربة أرض ما يحل حرامها من الناس إلا اللوذعي الحلاحل ويعني النبي صلى اللّه عليه وسلم أحلت له مكة . وسكن راء عربة الشاعر ضرورة . قيل : وإن شئت نسبت القرآن إليها ابتداء أي : على لغة أهل هذه الناحية . لعلكم تعقلون ما تضمن من المعاني ، واحتوى عليه من البلاغة والإعجاز فتؤمنون ، إذ لو كان بغير العربية لقيل : { لَوْلاَ فُصّلَتْ ءايَاتُهُ} |
﴿ ٢ ﴾