٢٢

{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزهِدِينَ وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَاهُ مِن مّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذالِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الاْرْضِ } : شرى بمعنى باع ، وبمعنى اشترى قال يزيد بن مفرع الحميري : وشريت برداً ليتني من بعد برد كنت هامه

أي بعت برداً ، وبرد غلامه . وقال الآخر : ولو أن هذا الموت يقبل فدية شريت أبا زيد بما ملكت يدي

أي اشتريت أبا زيد . والظاهر أن الضمير في وشروه عائد على السيارة ، أي : وباعوا يوسف . ومن قال : إن الضمير في وأسروه عائد على إخوة يوسف جعله عائداً عليهم أي : باعوا أخاهم يوسف بثمن بخس . وبخس مصدر وصف به بمعنى مبخوس . وقال مقاتل : زيف ناقص العيار . وقال عكرمة : والشعبي : قليل . وهو معنى

الزمخشري : ناقص عن القيمة نقصاً ظاهراً . وقال ابن قتيبة : البخس الخسيس الذي بخس به البائع . وقال قتادة : بخس ظلم ، لأنهم ظلموه في بيعه .

وقال ابن عباس وقتادة أيضاً في آخرين : بخس حرام . وقال ابن عطاء : إنما جعله بخساً لأنه عوض نفس شريفة لا تقابل بعوض وإن جل انتهى . وذلك أن الذين باعوه إن كانوا الواردة فإنهم لم يعطوا به ثمناً ، فما أخذوا فيه ربح كله وإن كانوا إخوته ، فالمقصود خلو وجه أبيهم منه لا ثمنه . ودراهم بدل من ثمن ، فلم يبيعوه بدنانير . ومعدودة إشارة إلى القلة ، وكانت عادتهم أنهم لا يزنون إلا ما بلغ أوقية وهي أربعون درهماً ، لأنّ الكثيرة يعسر فيها العد ، بخلاف القليلة . قال عكرمة في رواية عن ابن عباس وابن إسحاق : أربعون درهماً .

وقيل : ثلاثون درهماً ، ونعلام وحلة . وقال السدي : كانت اثنين وعشرين درهماً ، كذا نقله الزمخشري عنه ، ونقله ابن عطية عن مجاهد : أخذها أخوته درهمين درهمين ، وصاحب التحرير عنه ،

وعن ابن عباس . وقال ابن مسعود وابن عباس في رواية ، وعكرمة في رواية ، ونوف الشامي ، ووهب ، والشعبي ، وعطية ، والسدي ، ومقاتل في آخرين : عشرون درهماً .

وعن ابن عباس أيضاً : عشرون ، وحلة ، ونعلان .

وقيل : ثمانية عشر درهماً اشتروا بها أخفافاً ونعالاً .

وقيل : عشرة دراهم ، والظاهر عود الضمير في فيه إلى يوسف أي : لم يعلموا مكانه من اللّه تعالى قاله : الضحاك ، وابن جريج .

وقيل : يعود على الثمن ، وزهدهم فيه لرداءة الثمن ، أو لقصد إبعاد يوسف لا الثمن . وهذا إذا كان الضمير في وشروه وكانوا عائداً على أخوة يوسف ، فأما إذا كان عائداً على السيارة فزهدهم فيه لكونهم ارتابوا فيه ، أو لوصف أخوته بالخيانة والاباف ، أو لعلمهم أنه حر .

وقال الزمخشري : من الزاهدين ، ممن يرغب عما في يده فيبيعه بما طف من الثمن ، لأنهم التقطوه ، والملتقط للشيء متهاون به لا يبالي بما باعه ، ولأنه يخاف أن يعرض له مستحق فينزعه من يده فيبيعه من أول مساوم بأوكس الثمن . ويجوز أن يكون معنى وشروه اشتروه ، يعني الرفقة من أخوته . وكانوا فيه من الزاهدين لأنهم اعتقدوا فيه أنه آبق ، فخافوا أن يخاطروا بما لهم فيه . ويروى أنّ أخوته اتبعوهم يقولون : استوثقوا منه لا يابق انتهى . وفيه تقدم نظيره في { إِنّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } وأنه خرج تعلق الجار إما باعني مضمره ، أو بمحذوف يدل عليه من الزاهدين . أي : وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين ، أو بالزاهدين لأنه يتسامح في الجار والظرف . فجوز فيهما ما لا يجوز في غيرهما .

وقال الذي اشتراه من مصر : ذكروا أقوالاً متعارضة فيمن اشتراه ، وفي الثمن الذي اشتراه به ، ولا يتوقف تفسير كتاب اللّه على تلك الأقوال المتعارضة . فقيل : اشتراه رجل من العماليق وقد آمن بيوسف ، ومات في حياة يوسف . قيل : وهو إذ ذاك الملك بمصر ، واسمه الريان بن الوليد بن بروان بن أراشه بن فاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح ، فملك بعده قابوس بن مصعب بن تمر بن السلواس بن فاران بن عمرو المذكور في نسب الريان ، فدعاه يوسف إلى الإيمان فأبى ، فاشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة ، وأقام في منزله ثلاث عشرة سنة ، واستوزره الريان بن الوليد وهو ابن ثلاثين سنة ، وآتاه اللّه الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة .

وقيل : كان الملك في أيامه فرعون موسى عاش أربعمائة سنة ، بدليل قوله :{ وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيّنَاتِ }

وقيل : فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف ،

وقيل : عرض في السوق وكان أجمل الناس ، فوقعت فيه مزايدة حتى بلغ ثمناً عظيماً . فقيل : وزنه من ذهب ومن فضة ومن حرير ، فاشتراه العزيز وهو كان صاحب الملك وخازنه ، واسم الملك الريان بن الوليد .

وقيل : مصعب بن الريان ، وهو أحد الفراعنة ، واسم العزيز قطفير ، قاله ابن عباس ،

وقيل : اطفير ،

وقيل : قنطور ، واسم امرأته راعيل ،

وقيل : زليخا .

قال ابن عطية : وظاهر أمر العزيز أنه كان كافراً ، ويدل على ذلك كون الصنم في بيته حسبما يذكر . وقال مجاهد : كان مسلماً ، واسم امرأة العزيز راعيل بنت رعاييل . وقال السدي : العزيز هو الملك ، واسم امرأته زليخا بنت تمليخا ، ومثواه مكان إقامته وهو كناية عن الإحسان إليه في مأكل ومشرب وملبس . ولام لامرأته تتعلق بقال فهي للتبليغ ، نحو قلت لك : لا باشتراه عسى أن ينفعنا ، لعله إذا تدرب وراض الأمور وعرف مجاريها نستعين به على بعض ما نحن بصدده ، فينفعنا بكفايته ، أو نتبناه ونقيمه مقام الولد ، وكان قطفير عقيماً لا يولد له ، فتفرس فيه الرشد فقال ذلك . وكذلك أي : مثل ذلك التمكين من قلب العزيز حتى عطف عليه ، وأمر امرأته بإكرام مثواه . مكنا ليوسف في الأرض أي : أرض مصر يتصرف فيها بأمره ونهيه ، أي : حكمناه فيها . ولام ولنعلمه متعلقة بمحذوف ، إما قبله لتملكه ولنعلمه ،

وإما بعده أي ولنعلمه من تأويل الأحاديث كان ذلك الإنجاء والتمكين ، أو الواو مقحمة أي : مكنا ليوسف في الأرض لنعلمه وكل مقول . والأحاديث : الرّؤيا ، قاله مجاهد .

وقيل : أحاديث الأنبياء والأمم . والضمير في على أمره الظاهر عوده على اللّه قاله ابن جبير ، لا يمنع عما يشاء ولا ينازع فيما يريد ، ويقضي . أو على يوسف قاله الطبري ، أي : يديره ولا يكله إلى غيره . قد أراد أخوته به ما أرادوا ، ولم يكن إلا ما أراد اللّه ودبره ، وأكثر الناس المنفى عنهم العلم هم الكفار قاله ابن عطية .

وقال الزمخشري : لا يعملون أن الأمر بيد اللّه ،

وقيل : المراد بالأكثر الجميع أي : لا يطلعون على غيبه .

وقيل : المراد بأكثر الناس أهل مصر ،

وقيل : أهل مكة . والأشد عند سيبويه جمع واحد شدة ، وأشد كنعمة وأنعم . وقال الكسائي : شد وأشد نحو صك وأصك ، وقال الشاعر : عهدي به شد النهار كأنما

خضب البنان ورأسه بالعظلم

وزعم أبو عبيدة أنه لا واحد له من لفظه عند العرب والأشد بلوغ الحلم قاله : الشعبي ، وربيعة ، وزيد بن أسلم ، أو سبعة عشر عاماً إلى نحو الأربعين قاله الزجاج ، أو ثمانية عشر إلى ستين أو ثمانية عشر قاله عكرمة ، ورواه أبو صالح عن ابن عباس ، أو عشرون قاله الضحاك ، أو إحدى وعشرون سنة أو ثلاثون أو ثلاثة وثلاثون قاله مجاهد وقتادة . ورواه ابن جبير عن ابن عباس ، أو ثمان وثلاثون حكاه ابن قتيبة ، أو أربعون قاله الحسن . وسئل الفاضل النحوي مهذب الدين محمد بن علي بن علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه الخيمي عن الأشد فقال : هو خمس وثلاثون ، وتمامه أربعون .

وقيل : أقصاه اثنان وستون . والحلم الحكم ، والعلم النبوّة .

وقيل : الحكم بين الناس ، والعلم : الفقه في الدين . وهذا أشبه لمجيء قصة المراودة بعد هذه القصة ، وكذلك أي : مثل ذلك الجزاء لمن صبر ورضي بالمقادير نجزي المحسنين . وفيه تنبيه على أن يوسف كان محسناً في عنفوان شبابه فآتاه اللّه الحكم والعلم جزاء على إحسانه . وعن الحسن : من أحسن عبادة اللّه في شبيبته آتاه اللّه الحكمة في اكتهاله .

وقال ابن عباس : المحسنين المهتدين ، وقال الضحاك : الصابرين على النوائب .

﴿ ٢٢