٤٩

وقال الذي نجا . . . . .

أمة يأمه أمها وأمها نسي . يغاث : يحتمل أن يكون من الغوث وهو الفرج ، يقال : أغاثهم اللّه فرج عنهم ، ويحتمل أن يكون من الغيث تقول : غيثت البلاد إذا أمطرت ، ومنه قول الأعرابية : غثنا ما شئنا . الخطب : الشان والأمر الذي فيه خطر ، ويجمع على خطوب قال : وما المرء ما دامت حشاشة نفسه

بمدرك أطراف الخطوب ولا آل

حصحص تبين بعد الخفاء ، قاله الخليل .

وقيل : مأخود من الحصة حصحص الحق بانت حصته من حصة الباطل .

وقيل : ثبت واستقر ، ويكون متعدياً من حصحص البعير ألقى ثفناته للإناخة قال : حصحص في صم الصفا ثفناته . الجهاز : ما يحتاج إليه المسافر من زاد ومتاع ، وكل ما يحمل ، وجهاز العروس ما يكون معها من الأثاث والشورة ، وجهاز الميت ما يحتاج إليه في دفنه . الرحل : ما على ظهر المركوب من متاع الراكب أو غيره ، وجمعه رحال في الكثرة ، وأرحل في القلة . مار يمير ، وأمار يمير ، إذا جلب الخير وهي الميرة قال : بعثتك مائراً فمكثت حولا

متى يأتي غياثك من تغيث

البعير في الأشهر الجمل مقابل الناقة ، وقد يطلق على الناقة ، كما يطلق على الجمل فيقول : على هذا نعم البعير ، الجمل لعمومه ، ويمتنع على الأشهر لترادفه . وفي لغة تكسر باؤه ، ويجمع في القلة على أبعرة ، وفي الكثرة على بعران .

{وَقَالَ الَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصّدِيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَراتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلّى أَرْجِعُ إِلَى } : لما استثنى الملك في رؤياه وأعضل على الملأ تأويلها ، تذكر الناجي من القتل وهو ساقي الملك يوسف ، وتأويل رؤياه ورؤيا صاحبه ، وطلبه إليه ليذكره عند الملك . وادكر أي تذكر ما سبق له مع يوسف بعد أمة أي : مدة طويلة . والجملة من قوله وادكر حاليه ، وأصله : واذتكر أبدلت التاء دالاً وأدغمت الذال فيها فصار ادّكر ، وهي قراءة الجمهور .

وقرأ الحسن : واذكر بإبدال التاء ذالاً ، وإدغام الذال فيها .

وقرأ الأشهب العقيلي : بعد إمّة بكسر الهمزة أي : بعد نعمة أنعم عليه بالنجاة من القتل . و

قال ابن عطية : بعد نعمة نعم اللّه بها على يوسف في تقريب إطلاقه ، والأمة النعمة قال : ألا لا أرى ذا إمة أصبحت به

فتتركه الأيام وهي كما هيا

قال الأعلم : الأمة النعمة ، والحال الحسنة .

وقرأ ابن عباس ، وزيد بن علي ، والضحاك ، وقتادة ، وأبو رجاء ، وشبيل بن عزرة الضبعي ، وربيعة بن عمرو : بعد أمه بفتح الهمزة ، والميم مخففة ، وهاء ، وكذلك قرأ ابن عمر ، ومجاهد ، وعكرمة ، واختلف عنهم .

وقرأ عكرمة وأيضاً مجاهد ، وشبيل بن عزرة : بعد أمه بسكون الميم ، مصدر أمه على غير قياس ، وقال

الزمخشري : ومن قرأ بسكون الميم فقد أخطأ انتهى . وهذا على عادته في نسبته الخطأ إلى الفراء . أنا أنبئكم بتأويله أي أخبركم به عمن عنده علمه لا من جهتي .

وقرأ الحسن أنا أتيكم مضارع أتى من الإتيان ، وكذا في الإمام . وفي مصحف أبي : فأرسلون ، أي ابعثوني إليه لأسأله ، ومروني باستعباره ، استأذن في المضي إلى يوسف . فقال ابن عباس : كان في السجن في غير مدينة الملك ،

وقيل : كان فيها ، ويرسم الناس اليوم سجن يوسف في موضع على النيل بينه وبين الفسطاط ثمانية أميال . وفي الكلام حذف التقدير : فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال : والصديق بناء مبالغة كالشريب والكبر ، وكان قد صحبه زماناً وجرب صدقه في غير ما شيء كتأويل رؤياه ورؤيا صاحبه ، وقوله : لعلي أرجع إلى الناس أي : بتفسير هذه الرؤيا . واحترز بلفظة لعلي ، لأنه ليس على يقين من الرجوع إليهم ، إذ من الجائز أن يخترم دون بلوغه إليهم . وقوله : لعلهم يعلمون ، كالتعليل لرجوعه إليهم بتأويل الرؤيا .

وقيل : لعلهم يعلمون فضلك ومكانك من العلم ، فيطلبونك ويخلصونك من محنتك ، فتكون لعل كالتعليل لقوله : أفتنا . قال : تزرعون إلى آخره ، تضمن هذا الكلام من يوسف ثلاثة أنواع من القول :

أحدها : تعبير بالمعنى لا باللفظ .

والثاني : عرض رأي وأمر به ، وهو قوله : فذروه في سنبله . و

الثالث : الإعلام بالغيب في أمر العام الثامن ، قاله قتادة .

قال ابن عطية : ويحتمل هذا أن لا يكون غيباً ، بل علم العبارة أعطى انقطاع الخوف بعد سبع ، ومعلوم أنه الأخصب انتهى . والظاهر أن قوله : تزرعون سبع سنين دأباً خبراً ، أخبر أنهم تتوالى لهم هذه السنون لا ينقطع فيها زرعهم للري الذي يوجد .

وقال الزمخشري : تزرعون خبر في معنى الأمر كقوله : { تُؤْمِنُونَ بِاللّه وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ } وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إنجاز المأمور به ، فيجعل كأنه وجد فهو يخبر عنه . والدليل على كونه في معنى الأمن قوله : فذروه في سنبله انتهى . ولا يدل الأمر بتركه في سنبله على أنّ تزرعون في معنى ازرعوا ، بل تزرعون إخبار غيب بما يكون منهم من توالي الزرع سبع سنين .

وأما قوله : فذروه فهو أمر إشارة بما ينبغي أن يفعلوه . ومعنى دأباً : ملازمة ، كعادتكم في المزارعة .

وقرأ حفص : دأباً بفتح الهمزة ، والجمهور بإسكانها ، وهما مصدران لدأب ، وانتصابه بفعل محذوف من لفظه أي : تدابون داباً ، فهو منصوب على المصدر . وعند المبرد بتزرعون بمعنى تدأبون ، وهي عنده مثل قعد القرفصاء .

وقيل : مصدر في موضع الحال أي : دائبين ، أو ذوي دأب حالاً من ضمير تزرعون . وما في قوله : فما حصدتم شرطية أو موصولة ، بذروه في سنبله إشارة برأي نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل ، فإذا بقيت فيها انحفظت ، والمعنى : اتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل ، فيجتمع الطعام ويتركب ويؤكل الأقدم فالأقدم ، فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر .

وقرأ السلمي : مما يأكلون بالياء على الغيبة أي : يأكل الناس ، وحذف المميز في قوله : سبع شداد أي : سبع سنين شداد ، لدلالة قوله : سبع سنين عليه . وأسند الأكل الذي في قوله : أكلن على سبيل المجاز من حيث أنه يؤكل فيهما كما قال :{ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً} ومعنى تحصنون تحرزون وتخبؤون ، مأخوذ من الحصن وهو الحرز والملجأ .

وقال ابن عباس ومجاهد والجمهور : يغاث من الغيث ،

وقيل : من الغوث ، وهو الفرج . ففي الأول بني من ثلاثي ، وفي الثاني من رباعي ، تقول : غاثنا اللّه من الغيث ، وأغاثنا من الغوث .

وقرأ الأخوان : تعصرون بالتاء على الخطاب ، وباقي السبعة بالياء على الغيبة ، والجمهور على أنه من عصر النبات كالعنب والقصب والزيتون والسمسم والفجل وجميع ما يعصر ، ومصر بلد عصير لأشياء كثيرة والحلب منه ، لأنه عصر للضروع . وروي أنهم لم يعصروا شيئاً مدة الجدب . وقال أبو عبيدة وغيره : مأخوذ من العصرة ، والعصر وهو المنجي ، ومنه قول أبي زبيد في عثمان رضي اللّه عنه : صادياً يستغيث غير مغاث

ولقد كان عصرة المنجود

فالمعنى : ينجون بالعصرة .

وقرأ جعفر بن محمد ، والأعرج ، وعيسى البصرة يعصرون بضم الياء وفتح الصاد مبنياً للمفعول ، وعن عيسى أيضاً : تعصرون بالتاء على الخطاب مبنياً للمفعول ، ومعناه : ينجون من عصره إذا أنجاه ، وهو مناسب لقوله : يغاث الناس . وقال ابن المستنير : معناه يمطرون ، من أعصرت السحابة ماءها عليهم فجعلوا معصرين مجازاً بإسناد ذلك إليهم ، وهو للماء الذي يمطرون به . وقرى زيد ابن علي : وفيه تعصرون ، بكسر التاء والعين والصاد وشدها ، وأصله تعتصرون ، فأدغم التاء في الصاد ونقل حركتها إلى العين ، واتبع حركة التاء لحركة العين . واحتمل أن يكون من اعتصر العنب ونحوه . ومن اعتصر بمعنى نجا قال الشاعر : لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصان بالماء اعتصاري

أي نجاتي . تأول يوسف عليه السلام البقرات السمان والسنبلات الخضر بسين مخصبة ، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ، ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بمجيء العام الثامن مباركاً خصيباً كثير الخير غزير النعم ، وذلك من جهة الوحي . وعن قتادة : زاده اللّه علم سنة ، والذي من جهة الوحي هو التفضيل بحال العام بأنه فيه يغاث الناس ، وفيه يعصرون ، وإلا فمعلوم بانتهاء السبع الشداد مجيء الخصب .

﴿ ٤٩