٥الر تلك آيات . . . . . رب : حرف جر لا اسم خلافاً للكوفيين والأخفش في أحد قوليه ، وابن الطراوة ومعناها في المشهور : التقليل لا التكثير ، خلافاً لزاعمه وناسبه إلى سيبويه ، ولمن قال : لا تفيد تقليلاً ولا تكثيراً ، بل هي حرف إثبات . ودعوى أبي عبد اللّه الرازي الاتفاق على أنها موضوعة للتقليل باطلة ، وقول الزجاج : إن رب للكثرة ضد ما يعرفه أهل اللغة ليس بصحيح ، وفيها لغات ، وأحكامها كثيرة ذكرت في النحو ، ولم تقع في القرآن إلا في هذه السورة على كثرة وقوعها في لسان العرب . ذر : أمر استغنى غالباً عن ماضيه بترك ، وفي الحديث : { ذروا الحبشة ما وذرتكم } لو ما : حرف تحضيض ، فيليها الفعل ظاهراً أو مضمراً ، وحرف امتناع لوجود فيليها الاسم مبتدأ على مذهب البصريين ومنه ، قول الشاعر : لو ما الحياء ولو ما الدين عبتكما ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري وقال بعضهم : الميم في لو ما بدل من اللام في لولا ، ومثله : استولى على الشيء واستوما . وخاللته وخالمته فهو خلى وخلمي أي : صديقي . وقال الزمخشري : لو ركبت مع لا وما لمعنيين ، وأما هل فلم تركب إلا مع لا وحدها للتحضيض انتهى . والذي أختاره البساطة فيهما لا التركيب ، وأنّ ما ليست بدلاً من لا . سلك الخيط في الإبرة وأسلكها أدخله فيها ونظمه . قال الشاعر : حتى إذا سلكوهم في قتائدة شلا كما تطرد الحمالة الشردا وقال الآخر : وكنت لزاز خصمك لم أعود وقد سلكوك في يوم عصيب الشهاب : شعلة النار ، ويطلق على الكوكب لبريقه شبه بالنار . وقال أبو تمام : والعلم في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب اللواقح : الظاهر أنها جمع لاقح أي : ذوات لقاح كلابن وتامر ، وذلك أنّ الريح تمر على الماء ثم تمر على السحاب والشجر فيكون فيها لقاح قاله الفراء . وقال الأزهري : حوامل تحمل السحاب وتصرفه ، وناقة لاقح ، ونوق لواقح إذا حملت الأجنة في بطونها . وقال زهير : إذا لقحت حرب عوان مضرة ضروس تهر الناس أنيابها عصل وقال أبو عبيدة : أي ملاقح جمع ملقحة ، لأنها تلقح السحاب بإلقاء الماء . وقال : ومختبط مما تطيح الطوائح أي : المطاوح جمع مطيحة . الصلصال : قال أبو عبيدة الطين إذا خلط بالرمل وجف ، وقال أبو الهيثم : الصلصال صوت اللجام وما أشبهه ، وهو مثل القعقعة في الثوب . وقيل : التراب المدقق ، وصلصل الرمل صوت ، وصلصال بمعنى مصلصل كالقضقاض أي المقضقض ، وهو فيه كثير ، ويكون هذا النوع من المضعف مصدراً فتقول : زلزل زلزالاً بالفتح ، وزلزالاً بالكسر ، ووزنه عند البصريين فعلال ، وهكذا جميع المضاعف حروفه كلها أصول لا قعقع ، خلافاً للفراء وكثير من النحويين . ولا فعفل خلافاً لبعض البصريين وبعض الكوفيين ، ولا أنّ أصله فعل بتشديد العين أبدل من الثاني حرف من جنس الحرف الأول خلافاً لبعض الكوفيين . وينبني على هذه الأقوال : ورب صلصال . الحمأ : طين اسود منتن ، واحدة حمأة بتحريك الميم قاله الليث ووهم في ذلك ، وقالوا : لا نعرف في كلام العرب الحمأة إلا ساكنة الميم ، قاله أبو عبيدة والأكثرون ، كما قال أبو الأسود : يجئك بملئها طوراً وطورا يجيء بحماة وقليل ماء وعلى هذا لا يكون حمأ بينه وبين مفرده تاء التأنيث لاختلاف الوزن . السموم : إفراط الحر ، يدخل في المسام حتى يقتل من نار أو شمس أو ريح . وقيل : السموم بالليل ، والحر بالنهار . {الرَ تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الاْمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَخِرُونَ } : هذه السورة مكية بلا خلاف ، ومناسبتها لما قبلها : أنه تعالى لما ذكر في آخر السورة قبلها أشياء من أحوال القيامة من تبديل السموات والأرض ، وأحوال الكفار في ذلك اليوم ، وأنّ ما أتى به هو على حسب التبليغ والإنذار ، ابتدأ في هذه السورة بذكر القرآن الذي هو بلاغ للناس ، وأحوال الكفرة ، وودادتهم لو كانوا مسلمين . قال مجاهد وقتادة : الكتاب هنا ما نزل من الكتب قبل القرآن ، فعلى قولهما تكون تلك إشارة إلى آيات الكتاب . قال ابن عطية : ويحتمل أن يراد بالكتاب القرآن ، فعلى قولهما تكون تلك إشارة إلى آيات الكتاب . قال ابن عطية : ويحتمل أن يراد بالكتاب القرآن ، وعطفت الصفة عليه ، ولم يذكر الزمخشري إلا أن تلك الإشارة لما تضمنته السورة من الآيات قال : والكتاب والقرآن المبين السورة ، وتنكير القرآن للتفخيم ، والمعنى : تلك آيات الكتاب الكامل في كونه كتاباً ، وآي قرآن مبين كأنه قيل : والكتاب الجامع للكمال والغرابة في الشأن ، والظاهر أنّ ما في ربما مهيئة ، وذلك أنها من حيث هي حرف جر لا يليها إلا الأسماء ، فجيء بما مهيئة لمجيء الفعل بعدها . وجوزوا في ما أنْ تكون نكرة موصوفة ، ورب جازة لها ، والعائد من جملة الصفة محذوف تقديره : رب شيء يوده الذين كفروا . ولو كانوا مسلمين بدل من ما على أنّ لو مصدرية . وعلى القول الأول تكون في موضع نصب على المفعول ليود ، ومن لا يرى أنْ لو تأتي مصدرية جعل مفعول يود محذوفاً . ولو في لو كانوا مسلمين حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، وجواب لو محذوف أي : ربما يود الذين كفروا الإسلام لو كانوا مسلمين لسروا بذلك وخلصوا من العذاب ، ولما كانت رب عند الأكثرين لا تدخل على مستقبل تأولوا يود في معنى ودّ ، ولما كان المستقبل في إخبار اللّه لتحقق وقوعه كالماضي ، فكأنه قيل : ود ، وليس ذلك بلازم ، بل قد تدخل على المستقبل لكنه قليل بالنسبة إلى دخولها على الماضي . ومما وردت فيه للمستقبل قول سليم القشيري : ومعتصم بالجبن من خشية الردى سيردي وغاز مشفق سيؤب وقول هند أم معاوية : يا رب قائلة غدا يا لهف أم معاوية وقول جحدر : فإن أهلك فرب فتى سيبكي عليّ مهذب رخص البنان في عدة أبيات . وقول أبي عبد اللّه الرازي : أنهم اتفقوا على أنّ كلمة رب مختصة بالدخول على الماضي لا يصح ، فعلى هذا لا يكون يودّ محتاجاً إلى تأويل . وأما من تأول ذلك على إضمار كان أي : ربما كان يودّ فقوله ضعيف ، وليس هذا من مواضع إضمار كان . ولما كان عند الزمخشري وغيره أنّ رب للتقليل احتاجوا إلى تأويل مجيء رب هنا ، وطول الزمخشري في تأويل ذلك . ومن قال : إنها للتكثير ، فالتكثير فيها هنا ظاهر ، لأنّ ودادتهم ذلك كثيرة . ومن قال : إنّ التقليل والتكثير إنما يفهم من سياق الكلام لا من موضوع رب ، قال : دل سياق الكلام على الكثرة . وقيل : تدهشهم أهوال ذلك اليوم فيبقون مبهوتين ، فإن كانت منهم إفاقة في بعض الأوقات من سكرتهم تمنوا ، فلذلك قلل . وقرأ عاصم ، ونافع : ربما بتخفيف الباء ، وباقي السبعة بتشديدها . وعن أبي عمر : والوجهان . وقرأ طلحة بن مصرف ، وزيد بن علي ، ريتما بزيادة تاء . ومتى يودون ذلك ؟ قيل : في الدنيا . فقال الضحاك : عند معاينة الموت . وقال ابن مسعود : هم كفار قريش ودّوا ذلك في يوم بدر حين رأوا الغلبة للمسلمين . وقيل : حين حل بهم ما حل من تملك المسلمين أرضهم وأموالهم ونساءهم ، ودُّوا ذلك قبل أن يحل بهم ما حل . وقيل : ودوا ذلك في الآخرة إذا أخرج عصاة المسلمين من النار قاله : ابن عباس ، وأنس بن مالك ، ومجاهد ، وعطاء ، وأبو العالية ، وإبراهيم ، ورواه أبو موسى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقرأ الرسول هذه الآية ، وقيل : حين يشفع الرسول ويشفع حتى يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنة ، ورواه مجاهد عن ابن عباس . وقيل : إذا عاينوا القيامة ذكره الزجاج . وقيل : عند كل حالة يعذب فيها الكافر ويسلم المؤمن ، ذكره ابن الأنباري . ثم أمر تعالى نبيه بأن ينذرهم ، وهو أمر وعيد لهم وتهديد أي : ليسوا ممن يرعوي عن ما هو فيه من الكفر والتكذيب ، ولا ممن تنفعه النصيحة والتذكير ، فهم إنما حظهم حظ البهائم من الأكل والتمتع بالحياة الدنيا والأمل في تحصيلها ، هو الذي يلهيهم ويشغلهم عن الإيمان باللّه ورسوله . وفي قوله : يأكلوا ويتمتعوا ، إشارة إلى أنّ التلذذ والتنعم وعدم الاستعداد للموت والتأهب له ليس من أخلاق من يطلب النجاة من عذاب اللّه في الآخرة ، وعن بعض العلماء : التمتع في الدنيا من أخلاق الهالكين . وقال الحسن : ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل . وانجزم يأكلوا ، وما عطف عليه جواباً للأمر . ويظهر أنه أمر بترك قتالهم وتخلية سبيلهم وبمهادنتهم وموادعتهم ، ولذلك ترتب أن يكون جواباً ، لأنه لو شغلهم بالقتال ومصالتة السيوف وإيقاع الحرب ما هنا هم أكل ولا تمتع ، وبدل على ذلك أنّ السورة مكية ، وإذا جعلت ذرهم أمراً بترك نصيحتهم وشغل باله بهم ، فلا يترتب عليه الجواب ، لأنهم يأكلون ويتمتعون سواء ترك نصيحتهم ، أم لم يتركها . فسوف يعلمون : تهديد ووعيد أي : فسوف يعلمون عاقبة أمرهم وما يؤولون إليه في الدنيا من الذل والقتل والسبي ، وفي الآخرة من العذاب السرمدي . ولما توعدهم بما يحل بهم أردف ذلك بما يشعر بهلاكهم ، وأنه لا يستبطأ ، فإنّ له إجلالاً يتعداه ، والمعنى : من أهل قرية كافرين . والظاهر أن المراد بالهلاك هلاك الاستئصال لمكذبي الرسل ، وهو أبلغ في الزجر . وقيل : المراد الإهلاك بالموت ، والواو في قوله : ولها ، واو الحال . وقال بعضهم : مقحمة أي زائدة ، وليس بشيء . وقرأ ابن أبي عبلة : بإسقاطها وقال الزمخشري : الجملة واقعة صفة لقرية ، والقياس أنْ لا تتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى : { وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال : جاءني زيد عليه ثوب ، وجاءني وعليه ثوب انتهى . ووافقه على ذلك أبو البقاء فقال : الجملة نعت لقرية كقولك : ما لقيت رجلاً إلا عالماً قال : وقد ذكرنا حال الواو في مثل هذا في البقرة في قوله :{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } انتهى . وهذا الذي قاله الزمخشري وتبعه فيه أبو البقاء لا نعلم أحداً قاله من النحويين ، وهو مبني على أنّ ما بعداً لا يجوز أن يكون صفة ، وقد منعوا ذلك . قال : الأخفش لا يفصل بين الصفة والموصوف بالإثم ، قال : ونحو ما جاءني رجل إلا راكب تقديره : إلا رجل راكب ، وفيه قبح بجعلك الصفة كالإسم . وقال أبو علي الفارسي : تقول ما مررت بأحد إلا قائماً ، فقائماً حال من أحد ، ولا يجوز إلا قائم ، لأنّ إلا لا تعترض بين الصفة والموصوف . وقال ابن مالك : وقد ذكر ما ذهب إليه الزمخشري من قوله : في نحو ما مررت بأحد إلا زيد خير منه ، أنّ الجملة بعد إلا صفة لأحد ، أنه مذهب لم يعرف لبصري ولا كوفي ، فلا يلتفت إليه . وأبطل ابن مالك قول الزمخشري أنّ الواو توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف . وقال القاضي منذر بن سعيد : هذه الواو هي التي تعطي أنّ الحالة التي بعدها في اللفظ هي في الزمن قبل الحالة التي قبل الواو ، ومنه قوله تعالى :{ إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوابُهَا } انتهى . والظاهر أنّ الكتاب المعلوم هو الأجل الذي كتب في اللوح وبين ، ويدل على ذلك ما بعده . وقيل : مكتوب فيه أعمالهم وأعمارهم وآجال هلاكهم . وذكر الماوردي : كتاب معلوم أي : فرض محتوم ، ومن زائدة تفيد استغراق الجنس أي : ما تسبق أمة ، وأنث أجلها على لفظ أمة وجمع وذكر في وما يستأخرون حملاً على المعنى ، وحذف عنه لدلالة الكلام عليه . |
﴿ ٥ ﴾