١٦

واذكر في الكتاب . . . . .

مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر قصة زكريا وطلبه الولد وإجابة اللّه إياه فولد له من شيخ فان وعجوز له عاقر وكان ذلك مما يتعجب منه ، أردفه بما هو أعظم في الغرابة والعجب وهو وجود ولد من غير ذكر ، فدل ذلك على عظم قدرة اللّه وحكمته ، وأيضاً فقص عليهم ما سألوه من قصة أهل الكهف وأتبع ذلك بقصة الخضر وموسى ، ثم قص عليهم ما سألوه أيضاً وهو قصة ذي القرنين ، فذكر في هذه السورة قصصاً لم يسألوه عنها وفيها غرابة ، ثم أتبع ذلك بقصة إبراهيم وموسى وهارون موجزة ، ثم بقصة إسماعيل وإدريس ليستقر في أذهانهم أنه أطلع نبيه على ما سألوه وعلى ما لم يسألوه ، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام وحيه في ذلك واحد يدل على صدقه وصحة رسالته من أمي لم يقرأ الكتب ولا رحل ولا خالط من له ولا عنى بجمع سير .

و { الْكِتَابِ } القرآن . و { مَرْيَمَ } هي ابنة عمران أم عيسى ، و { إِذْ } قيل ظرف زمان منصوب باذكر ، ولا يمكن ذلك مع بقائه على الظرفية لأن الاستقبال لا يقع في الماضي .

وقال الزمخشري :{ إِذْ } بدل من { مَرْيَمَ } بدل الاشتمال لأن الأحيان مشتملة على ما فيها وقته ، إذ المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا لوقوع هذه القصة العجيبة فيها انتهى . ونصب { إِذْ } باذكر على جهة البدلية يقتضي التصرف في { إِذْ } وهي من الظروف التي لم يتصرف فيها إلاّ بإضافة ظرف زمان إليها . فالأولى أن يجعل ثم معطوف محذوف دل المعنى عليه وهو يكون العامل في { إِذْ } وتبقى على ظرفيتها وعدم تصرفها ، وهو أن تقدر مريم وما جرى لها { إِذِ انتَبَذَتْ } واستبعد أبو البقاء قول الزمخشري قال : لأن الزمان إذا لم يكن حالاً عن الجثة ولا خبراً عنها ولا وصفاً لها لم يكن بدلاً منها انتهى . واستبعاده ليس بشيء لعدم الملازمة . قال :

وقيل التقدير خبر مريم فإذ منصوبة لخبر .

وقيل : حال من هذا المضاف المحذوف .

وقيل :{ إِذْ } بمعنى أن المصدرية كقولك : أكرمك إذ لم تكرمني أي إن لم تكرمني . قال أبو البقاء : فعلى هذا يصح بدل الاشتمال أي { وَاذْكُرْ }{ مَرْيَمَ } انتباذها انتهى .

و { انتَبَذَتْ } افتعل من نبذ ، ومعناه ارتمت وتنحت وانفردت . قال السدّي { انتَبَذَتْ } لتطهر من حيضها وقال غيره : لتعبد اللّه وكانت وقفاً على سدانة المتعبد وخدمته والعبادة فتنحت من الناس كذلك ، وانتصب { مَكَاناً } على الظرف أي في مكان ، ووصف بشرقي لأنه كان مما يلي بيت المقدس أو من دارها ، وسبب كونه في الشرق أنهم كانوا يعظمون جهة الشرق من حيث تطلع الشمس .

وعن ابن عباس : اتخذت النصارى الشرق قبلة لميلاد عيسى عليه السلام .

وقيل : قعدت في مشرقة للاغتسال من الحيض محتجبة بحائط أي شيء يسترها ، وكان موضعها المسجد فبيناهي في مغتسلها أتاها الملك في صورة آدمي شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر سوي الخلق لم ينتقص من الصورة الآدمية شيئاً أو حسن الصورة مستوي الخلق . وقال قتادة { شَرْقِياً } شاسعاً بعيداً انتهى .

﴿ ١٦