٤٥

يا أبت إني . . . . .

{يا أبت إِنّى أَخَافُ } قال الفرّاء والطبري { أَخَافُ } أعلم كما قال { فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا } أي تيقنا ، والأولى حمل { أَخَافُ } على موضوعه الأصلي لأنه لم يكن آيساً من إيمانه بل كان راجياً له وخائفاً أن لا يؤمن وأن يتمادى على الكفر فيمسه العذاب ، وخوّفه إبراهيم سوء العاقبة وتأدّب معه إذ لم يصرّح بلحوق العذاب به بل أخرج ذلك مخرج الخائف ، وأتى بلفظ المس الذي هو ألطف من المعاقبة ونكر العذاب ، ورتب على مس العذاب ما هو أكبر منه وهو

ولاية الشيطان كما قال في مقابل ذلك { وَرِضْوانٌ مّنَ اللّه أَكْبَرُ } أي من النعيم السابق ذكره ، وصدر كل نصيحة بقوله { يا أبت } توصلاً إليه واستعطافاً .

وقيل : الولاية هنا كونه مقروناً معه في الآخرة وإن تباغضاً وتبرأ بعضهما من بعض .

وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير إني أخاف أن تكون ولياً في الدنيا للشيطان فيمسك في الآخرة عذاب من الرحمن . وقوله { إِنّى أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مّنَ الرَّحْمَنِ } لا يعين أن العذاب يكون في الآخرة ، بل يحتمل أن يحمل العذاب على الخذلان من اللّه فيصير موالياً للشيطان ، ويحتمل أن يكون مس العذاب في الدنيا بأن يبتلى على كفره بعذاب في الدنيا فيكون ذلك العذاب سبباً لتماديه على الكفر وصيرورته إلى ولاية الشيطان إلى أن يوافي على الكفر كما قال { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } وهذه المناصحات تدل على شدة تعلق قلبه بمعالجة أبيه ، والطماعية في هدايته قضاء لحق الأبوة وإشاداً إلى الهدى } لأن يهدي اللّه بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} .

﴿ ٤٥