سورة الأنبياء

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

اقترب للناس حسابهم . . . . .

القصم : كسر الشيء الصلب حتى يبين تلاؤم أجزائه . الركض : ضرب الدابة بالرجل . خمدت النار : طفئت . دمغة : أصاب دماغه ، نحو كبده ورأسه أصاب كبده ورأسه . رتق الشيء : سده فارتتق ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج . فتق : فصل ما بين المتصلين . الفج : الطريق المتسع . السبح : العوم ، كلأه : حفظه يكلؤه كلاءة .

ويقال : اذهب في كلاءة اللّه واكتلأت منه احترست . وقال ابن هرمة : إن سليمى واللّه يكلؤها

ضنت بشيء ما كان يرزؤها

النفخة : الخطوة ، ونفخ له من عطاياه أجزأه نصيباً . قال الشاعر : إذا ربدة من حيث ما نفخت له

إياه برياها خليل يواصله

الخردل : حب معروف .

هذه السورة مكية بلا خلاف ، وعن عبد اللّه : الكهف ، ومريم ، وطه ، والأنبياء من العتاق الأول ، وهن من تلادي أي من قديم ما حفظت وكسبت من القرآن كالمال التلاد . ومناسبة هذه السورة لما قبلها أنه لما ذكر { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبّصٌ فَتَرَبَّصُواْ } قال مشركو قريش : محمد يهددنا بالمعاد والجزاء على الأعمال وليس بصحيح ، وإن صح ففيه بعد فأنزل اللّه تعالى { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } ، و { اقْتَرَبَ } افتعل بمعنى الفعل المجرد وهو قرب كما تقول : ارتقب ورقب .

وقيل : هو أبلغ من قرب للزيادة التي في البناء . والناس مشركو مكة .

وقيل : عام في منكري البعث ، واقتراب الحساب اقتراب وقته والحساب في اللغة إخراج الكمية من مبلغ العدد ، وقد يطلق على المحسوب وجعل ذلك اقتراباً لأن كل ما هو آت وإن طال وقت انتظاره قريب ، وإنما البعيد هو الذي انقرض أو هو مقترب عند اللّه كقوله { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ } أو باعتبار ما بقي من الدنيا فإنه أقصر وأقل مما مضى . وفي الحديث : { بعثت أنا والساعة كهاتين} .قال الشاعر : فما زال من يهواه أقرب من غد

وما زال من يخشاه أبعد من أمس

و { لِلنَّاسِ } متعلق باقترب .

وقال الزمخشري : هذه اللام لا تخلو من أن تكون صلة لاقترب ، أو تأكيداً لإضافة الحساب إليهم كما تقول أزف للحي رحيلهم ، الأصل أزف رحيل الحي ثم أزف للحي رحيلهم ونحوه ما أورده سيبويه في باب ما يثني فيه المستقر توكيداً عليك زيد حريص عليك ، وفيك زيد راغب فيك ومنه قولهم : لا أبا لك لأن اللام مؤكدة لمعنى الإضافة ، وهذا الوجه أغرب من الأول انتهى يعني بقوله صلة أنها تتعلق باقترب ،

وأما جعله اللام تأكيداً لإضافة الحساب إليهم مع تقدم اللام ودخولها على الاسم الظاهر فلا نعلم أحداً يقول ذلك ، وأيضاً فيحتاج إلى ما يتعلق به ولا يمكن تعلقها بحسابهم لأنه مصدر موصول ولا يتقدم معموله عليه ، وأيضاً فالتوكيد يكون متأخراً عن المؤكد وأيضاً فلو أخر في هذا التركيب لم يصح .

وأما تشبيهه بما أورد سيبويه فالفرق واضح لأن عليك معمول لحريص ، وعليك الثانية متأخرة توكيداً وكذلك فيك زيد راغب فيك يتعلق فيك براغب ، وفيك الثانية توكيد ، وإنما غره في ذلك صحة تركيب حساب الناس . وكذلك أزف رحيل الحي فاعتقد إذا تقدّم الظاهر مجروراً باللام وأضيف المصدر لضميره أنه من باب فيك زيد راغب فيك وليس مثله ،

وأمّا لا أبا لك فهي مسألة مشكلة وفيها خلاف ، ويمكن أن يقال فيها ذلك لأن اللام جاورت

الإضافة ولا يقاس على مثلها غيرها لشذوذها وخروجها عن الأقيسة ، وقد أمعنّا الكلام عليها في شرح التسهيل والواو في { وَهُمْ } واو الحال .

وأخبر عنهم بخبرين ظاهرهما التنافي لأن الغفلة عن الشيء والإعراض عنه متنافيان ، لكن يجمع بينهما باختلاف حالين أخبر عنهم أولاً أنهم لا يتفكرون في عاقبة بل هم غافلون عما يؤول إليه أمرهم . ثم أخبر عنهم ثانياً أنهم إذا نبهوا من سنة الغفلة وذكروا بما يؤول إليه أمر المحسن والمسيء أعرضوا عنه ولم يبالوا بذلك ،

﴿ ١