٣لاهية قلوبهم وأسروا . . . . . واللاهية من قول العرب لهي عنه إذا ذهل وغفل يلهى لهياً ولهياناً ، أي وإن فطنوا لا يجدي ذلك لاستيلاء الغفلة والذهول وعدم التبصر بقلوبهم . وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى { لاَهِيَةً } بالرفع على أنه خبر بعد خبر لقوله { وَهُمْ} و { النَّجْوَى } من التناجي ولا يكون إلا خفية فمعنى { وَأَسَرُّواْ } بالغوا في إخفائها أو جعلوها بحيث لا يفطن أحد لتناجيهم ولا يعلم أنهم متناجون . وقال أبو عبيد :{ أَسَرُّواْ } هنا من الأضداد يحتمل أن يكون أخفوا كلامهم ، ويحتمل أن يكون أظهروه ومنه قول الفرزدق : فلما رأى الحجاج جرد سيفه أسر الحروري الذي كان أضمرا وقال التبريزي : لا يستعمل في الغالب إلاّ في الإخفاء ، وإنما { أَسَرُّواْ } الحديث لأنه كان ذلك على طريق التشاور ، وعادة المتشاورين كتمان سرهم عن أعدائهم ، وأسروها ليقولوا للرسول صلى اللّه عليه وسلم وللمؤمنين إن ما تدعونه حقاً فأخبرونا بما أسررناه وجوزوا في إعراب { الَّذِينَ ظَلَمُواْ } وجوهاً الرفع والنصب والجر ، فالرفع على البدل من ضمير { وَأَسَرُّواْ } إشعاراً أنهم الموسومون بالظلم الفاحش فيما أسروا به قاله المبرد ، وعزاه ابن عطية إلى سيبويه أو على أنه فاعل ، والواو في { أَسَرُّواْ } علامة للجمع على لغة أكلوني البراغيث قاله أبو عبيدة والأخفش وغيرهما . قيل : وهي لغة شاذة . قيل : والصحيح أنها لغة حسنة ، وهي من لغة أزدشنوءة وخرج عليه قوله { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مّنْهُمْ } وقال شاعرهم : يلومونني في اشتراء النخيل أهلي وكلهم ألوم أو على أن { الَّذِينَ } مبتدأ { وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى } خبره قاله الكسائي فقدّم عليه ، والمعنى : وهؤلاء { أَسَرُّواْ النَّجْوَى } فوضع المظهر موضع المضمر تسجيلاً على فعلهم أنه ظلم ، أو على أنه فاعل بفعل القول وحذف أي يقول { الَّذِينَ ظَلَمُواْ } والقول كثيراً يضمر واختاره النحاس قال ويدل على صحة هذا أن بعده هل هذا إلا بشر مثلكم . وقيل التقدير أسرها الذين ظلموا . وقيل :{ الَّذِينَ } خبر مبتدأ محذوف ، أي هم { الَّذِينَ } والنصب على الذم قاله الزجاج ، أو على إضمار أعني قاله بعضهم . والجر على أن يكون نعتاً للناس أو بدلاً في قوله { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ } قاله الفراء وهو أبعد الأقوال . {هَلْ هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } استفهام معناه التعجب أي كيف خص بالنبوة دونكم مع مماثلته لكم في البشرية ، وإنكارهم وتعجبهم من حيث كانوا يرون أن اللّه لا يرسل إلاّ ملكاً . و { أَفَتَأْتُونَ السّحْرَ } استفهام معناه التوبيخ و { السِّحْرُ } عنوا به ما ظهر على يديه من المعجزات التي أعظمها القرآن والذكر المتلو عليهم ، أي أفتحضرون { السّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } أنه سحر وأن من أتى به هو { بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } فكيف تقبلون ما أتى به وهو سحر ، وكانوا يعتقدون أن الرسول من عند اللّه لا يكون إلا ملكاً وأن كل من ادعى الرسالة من البشر وجاء بمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر ، وهاتان الجملتان الاستفهاميتان الظاهر أنهما متعلقتان بقوله :{ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى } وأنهما محكيتان بقوله للنجوى لأنه بمعنى القول الخفي ، فهما في موضع نصب على المفعول بالنجوى . وقال الزمخشري : في محل النصب بدلاً من { النَّجْوَى } أي { وَأَسَرُّواْ } هذا الحديث ويجوز أن يتعلق بقالوا مضمراً انتهى . |
﴿ ٣ ﴾