٥

بل قالوا أضغاث . . . . .

ولما ذكر تعالى عنهم أنهم قالوا إن ما أتى به سحر ذكر اضطرابهم في مقالاتهم فذكر أنهم أضربوا عن نسبة السحر إليه و { قَالُواْ } ما يأتي به إنما هو { أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } وتقدم تفسيرها في سورة يوسف عليه السلام ، ثم أضربوا عن هذا فقالوا { بَلِ افْتَرَاهُ } أي اختلقه وليس من عند اللّه ، ثم أضربوا عن هذا فقالوا { بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } وهكذا المبطل لا يثبت على قول بل يبقى متحيراً ، وهذه الأقوال الظاهر أنها صدرت من قائلين متفقين انتقلوا من قول إلى قول أو مختلفين قال كل منهم مقالة .

قال الزمخشري : ويجوز أن يكون تنزيلاً من اللّه لأقوالهم في درج الفساد ، وأن قولهم الثاني أفسد من الأول ، والثالث أفسد من الثاني وكذلك الرابع من الثالث انتهى . وقال ابن عطية ثم حكى قول من قال إنه شاعر وهي مقالة فرقة عامّية لأن بنات الشعر من العرب لم يخف عليهم بالبديهة ، وإن مباني القرآن ليست مباني شعر . وقال أبو عبد اللّه الرازي : حكى اللّه عنهم هذه الأقوال الخمسة وترتيب كلامهم أن كونه بشراً مانع من كونه رسولاً للّه سلمنا أنه غير مانع ، ولكن لا نسلم أن هذا القرآن ثم إما أن يساعد على أن فصاحة القرآن خارجة عن مقدار البشر قلنا لم لا يجوز أن يكون ذلك سحراً وإن لم يساعد عليه فإن ادعينا كونه في نهاية الركاكة قلنا إنه أضغاث أحلام ، وإن ادعينا أنه متوسط بين الركاكة والفصاحة قلنا إنه افتراء ، وإن ادعينا أنه كلام فصيح قلنا إنه من جنس فصاحة سائر الشعر ، وعلى جميع هذه التقديرات لا يثبت كونه معجزاً .

ولما فرغوا من تقدير هذه الاحتمالات قالوا { بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ } اقترحوا من الآيات ما لا إمهال بعدها كالآيات في قوله { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الاْرْضِ يَنْبُوعًا}

قال الزمخشري : صحة التشبيه في قوله { كَمَا أُرْسِلَ الاْوَّلُونَ } من حيث إنه في معنى كما أتى الأولون بالآيات ، لأن إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات ، ألا ترى أنه لا فرق بين أن تقول أتى محمد بالمعجزة ، وأن تقول : أرسل محمد بالمعجزة انتهى . والكاف في { كَمَا أُرْسِلَ } يجوز أن يكون في موضع النعت لآية ، وما أرسل في تقدير المصدر والمعنى بآية مثل آية إرسال { الاْوَّلِينَ } ، ويجوز أن يكون في النعت لمصدر محذوف أي إتياناً مثل إرسال { الاْوَّلِينَ } أي مثل إتيانهم بالآيات ، وهذه الآية التي طلبوها هي على سبيل اقتراحهم ، ولم يأت اللّه بآية مقترحة إلا أتى بالعذاب بعده . وأراد تعالى تأخير هؤلاء وفي قولهم { كَمَا أُرْسِلَ الاْوَّلُونَ } دلالة على معرفتهم بإتيان الرسل .

﴿ ٥