٢

يوم ترونها تذهل . . . . .

وذكر تعالى أهول الصفات في قوله { تَرَوْنَهَا } الآية لينظروا إلى تلك الصفة ببصائرهم ويتصوروها بعقولهم ليكون ذلك حاملاً على تقواه تعالى إذ لا نجاة من تلك الشدائد إلاّ بالتقوى . وروي أن هاتين الآيتين نزلتا ليلاً في غزوة بني المصطلق فقرأهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلم ير أكثر باكياً من تلك الليلة ، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ولم يضربوا الخيام وقت النزول ولم يطبخوا قدراً ، وكانوا من بين حزين باك ومفكر . والناصب ليوم { تَذْهَلُ } والظاهر أن الضمير المنصوب في { تَرَوْنَهَا } عائداً على الزلزلة لأنها المحدث عنها ، ويدل على ذلك وجود ذهول المرضعة ووضع الحمل هذا إذا أريد الحقيقة وهي الأصل ، ويكون ذلك في الدنيا . وعن الحسن { تَذْهَلُ } المرضعة عن ولدها لغير فطام { وَتَضَعُ } الحامل ما في بطنها لغير تمام . وقالت فرقة : الضمير يعود على { السَّاعَةَ } فيكون الذهول والوضع عبارة عن شدة الهول في ذلك اليوم ، ولا ذهول ولا وضع هناك كقولهم : يوم يشيب فيه الوليد . وجاء

لفظ { مُرْضِعَةٍ } دون مرضع لأنه أريد به الفعل لا النسب ، بمعنى ذات رضاع . وكما قال الشاعر :

كمرضعة أولاد أخرى وضيعت

بني بطنها هذا الضلال عن القصد ، والظاهر أن ما في قوله { عَمَّا أَرْضَعَتْ } بمعنى الذي ، والعائد محذوف أي أرضعته ، ويقويه تعدي وضع إلى المفعول به في قوله { حِمْلِهَا } لا إلى المصدر .

وقيل : ما مصدرية أي عن إرضاعها .

وقال الزمخشري : المرضعة هي التي في حال الإرضاع تلقم ثديها الصبي ، والمرضع التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به . فقيل { مُرْضِعَةٍ } ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة ، وخص بعض نحاة الكوفة أم الصبيّ بمرضعة والمستأجرة بمرضع وهذا باطل بقول الشاعر :

كمرضعة أولاد أخرى وضيعت

البيت فهذه { مُرْضِعَةٍ } بالتاء وليست أمَّا للذي ترضع . وقول الكوفيين إن الوصف الذي يختص بالمؤنث لا يحتاج فيه إلى التاء لأنها إنما جيء بها للفرق مردود بقول العرب مرضعة وحائضة وطالقة .

وقرأ الجمهور { تَذْهَلُ كُلُّ } بفتح التاء والهاء ورفع كل ، وابن أبي عبلة واليماني بضم التاء وكسر الهاء أي { تَذْهَلُ } الزلزلة أو الساعة كل بالنصب ، والحمل بالفتح ما كان في بطن أو على رأس شجرة .

وقرأ الجمهور { وَتَرَى } بالتاء مفتوحة خطاب المفرد وزيد بن علي بضم التاء وكسر الراء أي وترى الزلزلة أو الساعة .

وقرأ الزعفراني وعباس في اختياره بضم التاء وفتح الراء ، ورفع { النَّاسِ } وأنث على تأويل الجماعة .

وقرأ أبو هريرة وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وأبو نهيك كذلك إلا أنهم نصبوا { النَّاسِ } دّى { تَرَى } إلى مفاعيل ثلاثة أحدها الضمير المستكن في { تَرَى } وهو ضمير المخاطب مفعول لم يسم فاعله ، والثاني والثالث { النَّاسَ سُكَارَى } أثبت أنهم { سُكَارَى } على طريق التشبيه ثم نفى عنهم الحقيقة وهي السكر من الخمر ، وذلك لما هم فيه من الحيرة وتخليط العقل .

وقرأ الجمهور { سُكَارَى } فيهما على وزن فعالى وتقدم ذكر الخلاف في فعالى بضم الفاء أهو جمع أو اسم جمع .

وقرأ أبو هريرة وأبو نهيك وعيسى بفتح السين فيهما وهو جمع تكسير واحده سكران . وقال أبو حاتم : هي لغة تميم .

وقرأ الأخوان وابن سعدان ومسعود بن صالح سُكرى فيهما ، ورويت عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم رواها عمران بن حصين وأبو سعيد الخدري وهي قراءة عبد اللّه وأصحابه وحذيفة . وقال سيبويه : وقوم يقولون سكرى جعلوه مثل مرضى لأنهما شيئان يدخلان على الإنسان ، ثم جعلوا روبي مثل سكرى وهم المستثقلون نوماً من شرب الرائب . قال أبو علي الفارسي : ويصح أن يكون جمع سكر كزمنى وزمن ، وقد حكى سيبويه : رجل سكر بمعنى سكران فيجيء سكرى حينئذ لتأنيث الجمع .

وقرأ الحسن والأعرج وأبو زرعة وابن جبير والأعمش سُكرى بضم السين فيهما . قال أبو الفتح : هو اسم مفرد كالبشرى وبهذا أفتاني أبو عليّ انتهى .

وقال الزمخشري : هو غريب . وقال أبو الفضل الرازي : فعلى بضم الفاء من صفة الواحدة من الإناث لكنها لما جعلت من صفات الناس وهم جماعة أجريت الجماعة بمنزلة المؤنث الموحد انتهى . وعن أبي زرعة أيضاً سُكرى بفتح السين بسُكرى بضمها . وعن ابن جبير أيضاً سكرى بالفتح من غير ألف { بِسُكَارَى } بالضم

والألف . وعن الحسن أيضاً { سُكَارَى } بسكر وقال أو لا ترونها على خطاب الجمع جعلوا جميعاً رائيين لها . ثم قال { وَتَرَى } على خطاب الواحد لأن الرؤية معلقة بكون الناس على حال السكر ، فجعل كل واحد رائياً لسائرهم غشيهم من خوف عذاب اللّه ما أذهب عقولهم وردهم في حال من يذهب السكر عقله وتمييزه ، وجاء هذا الاستدراك بالإخبار عن { عَذَابُ اللّه } أنه { شَدِيدٍ } لما تقدم ما هو بالنسبة إلى العذاب كالحالة اللينة وهو الذهول والوضع ورؤية الناس أشباه السكارى ، وكأنه قيل : وهذه أحوال هينة { وَلَاكِنَّ عَذَابَ اللّه شَدِيدٌ } وليس بهين ولا لين لأن لكن لا بد أن تقع بين متنافيين بوجه ما وتقدم الكلام فيها .

﴿ ٢